قيمةالورقةالرسميةكدليل نفى فى ضوء قضاءالنقض دراسة نقدية بقلم ✍د.ياسر الأمير :- (١) من المعلوم أن الورقة الرسمية وهى التي يثبت فيها موظف عام ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوى الشأن وذلك طبقاً للأوضاع القانونية وفى حدود سلطته وأختصاصه، ومثالها العقود الرسمية.وتعتبر الورقة الرسمية فى المسائل المدنية والتجارية وغيرها حجة على الكافة ولا يمكن انكار حجيتها إلا عن طريق الطعن فيها بالتزوير. ولكن الأمر مختلف فى المسائل الجنائية إذ يستقر الراي في الفقه والقضاء علي أن الدليل الكتابي ولو حملته أوراق رسمية لأيحظي بحجيه معينة في الإثبات امام القاض الجنائي فله أن ياخذ به أو يطرحه تبعا لاطمئنانه له من عدمة وذلك عملا مبدأ حرية الاثبات الجنائي. هذا وكثيرا ما يدفع المتهمين بانقطاع صلتهم بالجريمة لعدم تواجدهم علي مسرحها لحظة ارتكابها وان شهود الإثبات كاذبين حين قرروا رؤيتهم للمتهم في محل الواقعة يباشر نشاطه الإجرامي أو لبيان كذب رواية الضابط بانه ضبط المتهم في زمان ومكان معين أو تدليلا علي حصول الضبط والتفتيش قبل صدور الإذن. ويعزز المتهمين الدفع بأوراق رسمية تفيد تواجدهم في زمان الجريمة في مستشفي عام أو مصلحه حكومية أو برقيات تلغرافية مرسة من اهليه المتهم تضررا من ضبط المتهم في زمن سابق علي صدور الإذن...الخ.غير أن محاكم الجنايات غالبا ما تهدر تلك الأوراق رغم رسميتها بقاله انها لا تطمئن إليها دون بيان السبب بل ان بعض المحاكم تلتفت عنها مطلقا وتعتبرها نسيا منسيا. وقضاء النقض للأسف يبارك هذا الاتجاة بجناحيه بسند أنه لا حجية للأوراق الرسمية أمام القاض الجنائي إذ له ان يهدرها ما دام لم يطمئن إليها دون أن يكون ملزم ببيان عله اطرحها مادام أنه رائي انها لا تلتئم مع الحقيقة التي استخلصها من أقوال شهود الإثبات وخلافه وذلك عملا بحرية القاض الجنائي في الإثبات وسلطته في تقدير الدليل بل إن محكمة النقض اندفعت في بعض الأحكام وقررت ان الحكم يكون في حل من التعرض للأوراق الرسمية التي تمسك بها المتهم مادام انه من حقه الا ياخذ بها ورفضت تبعا لذلك نعي المتهمين بالاخلال بحقهم بالدفاع لأن محكمة الجنايات اغفلت الرد علي ما تمسكوا به من مستندات. (٢)وفي ذلك تقول محكمة النقض أن الأدلة فى المواد الجنائية اقناعية وبالتالي فإن لمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية (الطعن رقم 3175 لسنة 86ق جلسة 2016/10/16؛الطعن رقم 8047لسنة 88ق جلسة 2019/11/14؛الطعن رقم 13018لسنة87ق جلسة 2019/11/13)ما دام يصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها وبالتالي فإن النعي على الحكم التفاته عن المستندات التي قدمها الطاعن للتدليل على عدم ارتكابه الحادث يكون غير سديد (الطعن رقم 10621 لسنة 82 جلسة 2014/05/14 س 65 ) وكذلك الشأن اذا كانت المستندات الرسمية المقدمة للتدليل على عدم تواجدالمتهم على مسرح الجريمة(الطعن رقم 20221 لسنة 83 جلسة 2014/05/12)أو برقيات تلغرافية للتدليل على حصول الضبط والتفتيش قبل صدور الإذن بهما (نقض2008/5/22 مجموعة أحكام النقض س 43 صl 714؛الطعن رقم8047لسنة88 ق جلسة 2019/11/14)أو مستندات رسمية تفيد فساد التحريات وكذب مجريهاوتري محكمة النقض انه لا يحد من سلطة محكمة الموضوع في هذا الشأن سوي ان تقيم الأدلة على مقارفة المتهم للجريمة التي دين بها لأن ذلك يفيد ضمناً أنها لم تأخذ بدفاعه (الطعن رقم 20535 لسنة 83 جلسة 2014/04/02والطعن رقم 14934 لسنة 83 جلسة 2014/02/04)ومن ثم فإن ما يثار من أن الحكم التفت عن المستندات التى قدمها المتهم للتدليل على استحالة الرؤية فى مكان الحادث وزمانه بسبب الظلام لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فى تقدير الدليل وفى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض(الطعن رقم 3559 لسنة 81 جلسة 2012/12/25 س 63 ص 878 ق 160)ويميل الفقه الي ترديد أحكام النقض علي أنها التطبيق السليم للقانون. (٣)ونعتقد ان ما تواترت عليه أحكام النقض في هذا الشأن محل نظر لأنه ولئن كان لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير ادله الدعوي فإن ذلك لا يسوغ تحرر محكمة الموضوع من الرد علي دفاع المتهم المعضدد بمستندات رسمية والا كان الاخلال بحق الدفاع قائم. ولا يستقيم قاله استفاده الرد من سرد أدله الثبوت في الدعوي إذ قصد المتهم من دفاعه تكذيب تلك الادلة ولا يجوز مصادرة حقه في هذا الشأن قبل أن ينحسم أمره بالارتكان الي الادلة التي حاول دحضها من خلال المستند الرسمي وإنما يلزم دوما علي محكمة الموضوع أن تعرض للمستندات الرسمية وتقول كلمتها فيها بأسباب سائغة يحس المطلع من قرائتها ان المحكمة المت بوقائع الدعوي وظروفها ودفاع المتهم المعضدد بالمستندات عن بصر وبصيره فساورها الشك في صحتها. اما ان تهملها تماما وكأنها غير موجودة ثم تقول النقض أن ذلك شأن محكمة الموضوع لأن من حقها الا تاخذ بالمستند الرسمي أو أن سرد ادله الثبوت يفيد ضمنا الرد علي المستند فهذا من النقض قلب للاوضاع ومصادرة لدفاع المتهم ولا يستقيم مع مبادئ المحاكمة المنصفه التي اشترطها الدستور. والواقع ان حرية القاض الجنائي في تقدير ادله الدعوي وطرح ما لا يطمئن اليه منها لا يتاتي معه إهدار مستند رسمي تمسك به المتهم دون بيان السبب أو استفادة السبب ضمنا من عدم التئام المستند مع الحقيقة التي استخلصها الحكم. لأن تلك الحقيقة ما هي إلا وجهه نظر سلطة الاتهام التي حملت الدعوي الي قضاء الحكم وقد نازع المتهم في هذا الاتهام ودحضه من واقع الأوراق الرسمية ومن حق المتهم معرفة أسباب عزوف المحكمة عن دفاعه ومن واجب النقض أن تراقب محكمة الموضوع في هذا العزوف وما اذاكان له ما يبرره من عدمه من واقع أسباب الحكم. (٤)ولا ندري كيف هان علي محكمة النقض أن تضعف من قيمة الأوراق الرسمية علي هذا النحو في المواد الجنائية ولا تبدي بشانها اي اهتمام رغم ان قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية يضفي على تلك الأوراق حجية مطلقة في الإثبات ولا يقبل اثبات عكسها الا بالطعن بالتزوير.بل ان محكمة النقض لم تقدم سند مقنع يبرر المغايره بين قيمة ذات الورقة الرسمية أمام القضاء المدني ونطيره الجنائي. ولا يعترض بمبدأ حرية القاض الجنائي في الإثبات لأن هذا المبدأ لا يعني تحكم القاض باهدار ورقه اضفي القانون حجية عليها دون بيان السبب. ولا ندري كيف يكون لذات الورقة حجية في المواد المدنية وتتجرد من تلك الحجية في المواد الجنائية؟ أليس من شان ذلك أحداث خلل في النظام التشريعي ككل؟ أليس من شأنه ذلك ان يؤدي الي التضارب بين الأحكام المدنية والجنائية؟:
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق