طبيعة قول متهم على متهم آخر وقيمته القانونية دراسة نقدية بقلم ✍د. ياسر الأمير ______________________________________________ (١)كثيرا ما يتعدد المتهمين في القضية الواحد ويقر أحدهما بارتكابها مع الآخرين أو يلقى بالنصيب الأكبر في الاتهام عليهم أو ينفى مساهمته فيها ويعزها إلى الآخرين أو أنه استدرك إليها دون علم بمشروعهم الإجرامي. وتلك الظاهرة منتشرة بشدة لاسيما بين الشباب ذكور وإناث إذ يتم التغرير بهم من آخرين ثم يعترف الآخرين عليهم ظلما وبهتانا بغيه الخلاص من الاتهام وتحميلهم مغبته. وهو ما يطلق عليه قول متهم ضد نفسه وضد غيره من المتهمين. ويثير هذا الموضوع إشكاليتان الأولى؛ طبيعة هذه الأقوال وهل تعد شهادة أم اعتراف والأمر الثاني؛ قيمة هذه الأقوال في الإثبات الجنائي وهل تعد دليل كامل في الإدانة أم مجرد قرينة ناقصة يجب لصحة الإدانة أن تعزز بغيرها من القرائن. وهذا الموضوع يحتاج تفصيل ويطول بنا المقام أن استعرضناه بالتفصيل لذا سنحاول ليجازه بما لا يخل بمضمونة. (٢)نشير في البداية أن طرق الإثبات التي أقرها المشرع في قانون الإجراءات الجنائية, قسمين طرق مباشرة, وهي الاعتراف والشهادة والخبرة والكتابة, وطرق غير مباشرة وهي القرائن والدلائل أو بالأحرى الاستدلالات Donnedieu De Vabres Traite de droit criminel 1947 No 19; Merl et Viut Traite de droit criminel t2 1979 No, 929)ولقد اختلف الفقهاء واضطربت أحكام القضاء حول طبيعة أقوال المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين كدليل إثبات فمنهم من وصفه بأنه شهادة (الدكتور حسن صادق المرصفاوي أصول الإجراءات الجنائية2000ص745؛ الدكتور محمود نجيب حسني شرح قانون الإجراءات الجنائية 1988ص461؛ الدكتور عمر السعيد رمضان مبادئ قانون الإجراءات الجنائية الجزء الثاني 1984ص126)ومنهم من ذهب أنه اعتراف (الدكتور محمد مصطفى القللي أصول قانون تحقيق الجنايات 1948 ص360؛ الأستاذ عدلي عبد الباقي شرح قانون الإجراءات الجنائية الجزء الثاني 1953 ص273 ومنهم من ذهب إلي أنه ليس اعتراف أو شهادة بدعوى, أنه يلزم في الاعتراف أن يكون صادراً من المتهم على نفسه لا على غيره, ففي الاعتراف المتهم هو المقر, وهو نفسه الذي تنسب إليه الواقعة موضوع الإقرار Garraud traite de l, instruction criminelle 1907 t3No, 457; Merel et Vitu op cit II No, 942. الدكتور محمود مصطفى – شرح قانون الإجراءات الجنائية 1989ص475؛ الدكتور أحمد فتحي سرورالوسيط في قانون الإجراءات الجنائية 1980ص630؛ الدكتور عبد الرحيم صدقي – موسوعة صدقي في القانون الجنائي – المجلد الرابع – الإجراءات الجنائية – المحاكمة –1989 ص178 )كما أن أقوال متهم على أخر لا تُعد شهادة نظراً لأن المتهم الذي يدلي بأقواله على غيره يسمع بغير حلف يمين, وهي شرط لسلامة اعتبار الأقوال شهادة في القانون ( الدكتور عبد الرءوف مهدي – شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية ٢٠١٨ ص1289؛ الدكتور محمد عيد الغريب شرح قانون الإجراءات الجنائية 1996ص1405) ولهذا يذهب الفقه الراجح إلى أن أقوال متهم على أخر لا تعدوا أن تكون دلائل وهي من أضعف أنواع الاستدلالات في الدعوى لأنها في الغالب الأعم لا تصدر عن صدق ولا يكون لها نصيب من الحقيقة ( الدكتور رمسيس بهنام الإجراءات الجنائية تأصيلاً وتحليلاً 1984ص691؛ الدكتور رءوف عبيد مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري ١٩٨٩ص697؛ الدكتور محمد زكي أبو عامر الإجراءات الجنائية2014 ص772؛ الدكتور مأمون سلامة – الإجراءات الجنائية في التشريع المصري 2008ص213؛ الدكتورة فوزية عبد الستار – شرح قانون الإجراءات الجنائية 2010ص571؛ الدكتور نبيل مدحت سالم شرح قانون الإجراءات الجنائية199 ص555؛ الدكتور عادل قورة – شرح قانون الإجراءات الجنائية 1987 – ص403؛ الدكتور أحمد شوقي أبو خطوة شرح قانون الإجراءات الجنائية – الجزء الثاني 199 ص236؛ الدكتور أدوار غالي الذهبي – الإجراءات الجنائية – 1990 – ص639؛ الدكتور محمود كبيش – شرح قانون الإجراءات الجنائية – المحاكمة – 2010 – ص102 )وبالتالي لا يصح اتخاذ قول متهم على آخر كدليل وحيداً للإدانة( الدكتور عبد الرءوف مهدي – شرح القواعد العامة لقانون الإجراءات الجنائية 2018 ص114 ). (٣)ولا تجري أحكام النقض في تحديد طبيعة أقوال متهم على أخر, على وتيرة واحدة, إذ أخذت تارة بالاتجاه الذي يصف هذه الأقوال بأنها اعتراف ومالت تارة أخرى إلى الاتجاه الذي يرى أن هذه الأقوال بمثابة شهادة, وتجنبت في البعض من أحكامها تحديد طبيعة هذه الأقوال. ففي اتجاه أول وصفت أقوال متهم على أخر بأنها اعتراف ( نقض ١٩٠٥/٢/٨مجلة الاستقلال س٤ ص٦١؛ نقض١٩١٩/١٠/٢٥ المجموعة الرسمية س٢١ رقم١٣؛ نقض١٩٢٠/٤/٣س٢٢ رقم١١٤؛ نقض١٩٢٩/٢/١٤مجموعة القواعد القانونية ج١ رقم١٥٨ص١٦٤؛ نقض١٩٣٠/٣/٦ج١ رقم١٥٨ ص١٦٤) وقالت في ذلك إن لمحكمة الموضوع سلطة مُطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلي غيره من المتهمين, متى أطمئن إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع( نقض ١٩٥١/٢/١٩ مجموعة أحكام النقض س٢ رقم ٣٤٥ص٦٤٤؛ نقض١٩٥١/١١/٢٦س٣ رقم١٨ص٢٠٩؛ نقض ١٩٥٦/٥/٣س ١٦رقم٨٥ص٤١٥؛ نقض ١٩٦٣/١٢/٩س١٤رقم١٦٣ص٨٩٤؛ نقض ١٩٦٤/١/٢٧س ١٥رقم١٨ص٨٧؛ نقض١٩٦٣/١٢/٩س١٤ رقم١٦٣ ص٨٩٤؛ نقض ١٩٧٩/١١/٧س٣٠رقم١٦٨ص٧٩٣؛ نقض ١٩٨٣/١/٤س٥٣ رقم٤ص٣٦؛ نقض ١٩٨٤/١١/٢٦س٣٥ رقم١٨٧ص٨٢٩؛ نقض ١٩٨٨/٢/٦س٣٩رقم١١١ص٧٤١؛ نقض ٢٠٠٢/٣/٧س٥٣رقم٧١ص٢٩٧؛ نقض١٩٩٢/١٠/٢١س٤٣ رقم١٣٤ص٨٦٧؛ نقض ١٩٩٢/٢/١١س٤٣رقم١٤٩ص٩٥٧؛ نقض١٩٩٠/٢/٦س ٤١رقم٨٤ص٢٧٥؛ نقض١٩٩٠/٥/٢٢س٤١ رقم١٣٤ص٧٦٩) وأبانت سند ذلك فقالت إن تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات في المسائل الجنائيةموضوعي وأن لمحكمة الموضوع الأخذ باعتراف المتهم وإقراره في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك ما دامت اطمأنت إلى صدقه (الطعن رقم ١٤٤٨٩ لسنة ٨٧ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٦/٢٣الطعن رقم ١٦٨٧ لسنة ٧٩ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/١٢/١١الطعن رقم ٢٨١٨٣ لسنة ٨٦ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٢٦الطعن رقم ٣١٩٠١ لسنة ٨٦ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٢٦الطعن رقم ٣٣٥٨٥ لسنة ٨٦قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٠٨الطعن رقم ٣٣٥٨٥ لسنة ٨٦ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٠٨الطعن رقم ٢٧٦٩ لسنة ٨٧ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/١٠/٠٢الطعن رقم ٤٨١١٧ لسنة ٨٥ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٧/٣١الطعن رقم ٢٩٨٥١ لسنة ٨٦ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٦/٠٦الطعن رقم ٥٢٩٨ لسنة ٧٨ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٦/٠١الطعن رقم ٤٣٢٧٧ لسنة ٨٥ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٤الطعن رقم ٢٥٦٨٣ لسنة ٨٥ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ٢٧٤٦٦ لسنة ٨٦ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٣/٠٧الطعن رقم ٤٣٠٠٩ لسنة ٨٥ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/٠١/١٥). وقد حدث في إحدى القضايا أن أدانت محكمة الموضوع موظف عام عن جريمتي رَشْوَة والاستيلاء على المال العام, بناءً على أقوال متهم أخر, فطعن الموظف على الحكم بالنقض وكان مبني الطعن أن الحكم أدانه بناءً على اعتراف المتهم الأخر, في حين أن حجة الإقرار قاصرة على من صدر منه. غير أن محكمة النقض رفضت الطعن, وقضت بأن من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات وأن سلطتها مطلقة في الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنها بعد ذلك, مادامت قد اطمئنن إلى صدقها ومطابقتها للحقيقة والواقع ( نقض١٩٨٨/٥/١١مجموعة أحكام النقض س٤٩ رقم٨٨ص٦٦٨)إذ وصفت المحكمة أقوال المتهم علي أخر بأنها اعتراف وقررت عدم تطبيق القاعدة المدنية التي تقصر حجة الإقرار على من صدر عنه. وفي قضية أخرى شهيرة دفع المتهم ( موظف عام ) في جريمة رَشْوَة, ببطلان اعتراف الراشي عليه لكون هذا الاعتراف وليد وعد وإغراء بالإعفاء من العقاب, وأن هذا الاعتراف لم تتوافر له شروط صحته. . . . . . إلا أن محكمة الموضوع نبذت الدفع بعد اطمئنانها إلى صحة اعتراف الراشي من واقع أدلة الثبوت في الدعوى. فطعن المتهم في الحكم بطريق النقض. فقضت محكمة النقض برفض هذا الوجه من أوجه الطعن, وجاء في حكمها من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلي غيره من المتهمين متى اطمأنت إلي صحته ومطابقته للحقيقة والواقع, وكان الحكم المطعون فيه قد أقتنع بما اعترف به الطاعن الثالث واطمأن إليه في ثبوت الواقعة – بناء على استخلاص سائغ – فإن ما يثيره الطاعن من تشكيك في صحة اعتراف الطاعن الثالث – على النحو الثابت بأسباب طعنه – وقصوره في التدليل على مقارنته لما أدين به لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى, مما يخرج عن رقابة محكمة النقض. هذا إلى أن الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان الدليل المستمد من اعتراف الطاعن الثالث لكونه وليد وعد بإعفائه من العقاب رغم عدم انطباق الضوابط القانونية لإعفائه وأطرحه برد كاف وسائغ, فإن هذا حسبه ( نقض٢٠٠٤/٥/٢٠الطعن رقم٤٩٨٨٢لسنة ٧٣ق قضية ماهر الجندي محافظ الجيزة الأسبق ) (٤)وفي اتجاه ثان وصفت محكمة النقض في أحكامها أقوال متهم على أخر بأنها شهادة يسوغ للمحكمة أن تعول عليها في الإدانة متى اطمئنن إلى صحتها ومطابقتها للحقيقة والواقع ولا يقدح ألا تسبق بحلف يمين نقض ١٩٧٣/٣/٤ مجموعة أحاكم النقض س٢٤ رقم٦٢ص٢٨٤؛ نقض١٩٧٦/١/١٢ س٢٧ رقم٣ص٢٦؛ نقض ١٩٨٣/١/٢٤س٣٤ رقم٢٥ ص٤٧؛ نقض١٩٨٤/٢/١٩س٣٥ص٦٣؛ نقض١٩٩١/١٠/٣ س٤٢ رقم١٣٣ ص٩٥٨؛ نقض١٩٩٥/١١/٩ س٤٦ رقم١٨٣ ص١٢٢٢؛ الطعن رقم ٣٨٣٠١ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٢/٠٤الطعن رقم ٢٨٢٢٩ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٢/٠٤الطعن رقم ٢٧٠٢١ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٢٣الطعن رقم ٢١٨٦١ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٢٣الطعن رقم ٣١١٨٠ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٢٢الطعن رقم ١٠٢٢٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/١٢. الطعن رقم ٣٠٣٢ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٠١الطعن رقم ٣٤٠٦٧ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٠/٢٦الطعن رقم ١٠٣٨٤ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٠/٨)وأبانت سندها فقالت إن تكامل عناصر الشهادة بحلف اليمين لا ينفي عن الأقوال التي تدلي بغير حلفه إنها شهادة للمحكمة التعويل عليها(الطعن رقم ١٠٨٨٣ لسنة ٨٦ قضائيةلسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٠/٠٤؛ نقض ١٩٩٦/٢/١٤مجموعة أحكام النقض س٤٧ رقم٣٦ ص٢٤٧؛ نقض١٩٩٦/٩/٢٥س٣٧ رقم١٢٧ ص٨٧٨)وقالت أيضا النقض إن قول متهم على آخر في حقيقته شهادة للمحكمة التعويل عليها في الإدانة سواء في حق نفسه وعلي غيره من المتهمين(الطعن رقم ٤٨٦٠٠ لسنة ٨٥ قضائي الصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٢١الطعن رقم ١٧١٨٥ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/١٢)وقالت إن المتهم المُعترف يُعتبر شاهد إثبات ضد المتهم الأخر( نقض ١٩٧٤/١/١٢ مجموعة أحكام النقض س٢٥ رقم١١ ص٤٨؛ نقض ١٩٩٠/١١/١٥س٤١ رقم١ ٨٤ ص١٠٢٠) وقد حدث في قضية اتجار بالمواد المُخدرة أن ألقى متهم بالاتهام على عاتق زملائه من المتهمين, فقضت محكمة الموضوع بإدانتهم جميعاً, فطعنوا في الحكم بطريق النقض وقالوا وجهاً للطعن إن محاميين توليا الدفاع عنهم جميعاً رغم تعارض مصلحة كل منهم مع الأخر. فقبلت محكمة النقض الطعن تأسيساً على أن الطاعن الأول قد ألقى بالاتهام على عاتق الطاعنين الثاني والثالث, مقرراً أن المخدر يخص الثاني والثالث, وأن الحكم اعتمد في قضائه – من بين ما اعتمد – على ما قرره الأول في حقهما, مما مؤداه أن الحكم اعتبر الطاعن المذكور شاهد إثبات ضد الطاعنين الآخرين وهو ما يتحقق به التعارض بين مصالحهم, الأمر الذي كان يستلزم فصل دفاع الطاعن الأول عن دفاع الثاني والثالث ( نقض١٩٩٧/٥/٧مجموعة أحكام النقض س٤٨ رقم٦٧ ص٥٢٢). (٥)وفي اتجاه ثالث سلمت محكمة النقض بأن وصف أقوال متهم على أخر بأنها اعتراف( نقض١٩٤٩/٥/٢٣ مجموعة القواعد القانونية ج٧ رقم٩١١ ص٨٨٩؛ نقض ١٩٧٢/١١/٥ مجموعة أحكام النقض س٢٣ رقم٢٥٣ص١١٢١؛ نقض ١٩٧٤/١/١٢س٢٥ رقم١١ ص٤٨؛ نقض ١٩٧٦/١/١٥ س٢٧رقم ٣ص٢٦ ) أو شهادة ( نقض١٩٤٠/١٢/٩مجموعة القواعد القانونية ج٥ رقم١٦٣ص٢٩٧؛نقض١٩٤٦/٣/١٢ج٧ رقم١٠٧ ص٤٩)هو تعبير غير دقيق وتجنبت الإدلاء برأي حول طبيعة هذه الأقوال واكتفت بترديد عبارة أن لمحكمة الموضوع سلطة مُطلقة في الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه وعلي غيره من المتهمين متى اطمئن وجدانها إلى هذه الأقوال وذلك بما لها من كامل الحرية في تكوين عقيدتها نقض ١٩٦٣/١٢/٩مجموعة أحكام النقض س١٤ رقم١٦٣ص٨٩٤؛ نقض١٩٦٥/٣/٢٢س١٦ رقم١٠٧ ص٨١؛نقض ١٩٦٥/٦/٧س١٦ رقم١١١ص٥٥٦؛ نقض١٩٦٧/١/٣٠س١٨ رقم٨٥ ص١٠١؛ نقض ١٩٦٩/٤/٧س٢٠ رقم١٠ ص٤٧٦؛ نقض ١٩٧٠/٥/٣١ س٣١ رقم ١٨١ص٧٧٧؛ نقض ١٩٨٨/٢/٤ هيئة عامة س39 رقم ٩ص1 ) ومن ثم فإن نعي الطاعن في شأن القوة التدليلية لأقوال المتهم الأخر لا يعدوا أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى وهو من إطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيها لدى محكمة النقض(نقض ١٩٩٨/١٢/١٥ مجموعة أحكام النقض س١٩ رقم٢٠٨ ص١٤٦٨؛ نقض ٢٠٠٠/١/١٧؛ نقض ٢٠٠٢/١/١٧؛ نقض ٢٠٠٢/١/١٧ ففي إحدى القضايا أدانت محكمة الموضوع متهم بجرائم الاستيلاء على المال العام والتزوير معتمدة في ذلك – من بين ما اعتمدت – على أقوال متهمين آخرين. فطعن المتهم في الحكم بالنقض تأسيساً على أن الحكم شابه قصور لأنه عول في قضائه بالإدانة على أقوال المحكوم عليهما الأول والثالث في حين أن ما قرره المحكوم عليه الأول في اعترافه يؤكد إدانته هو, ولا يعدو قولاً متهم على أخر ليدفع المسئولية عن نفسه وليس ثمة دليل على صحة هذه الأقوال. غير أن محكمة النقض رفضت الطعن تأسيساً على أن من حق محكمة الموضوع أن تستند في إدانة متهم إلى أقوال متهم أخر بما لها من كامل الحرية في تكوين عقيدتها من كافة العناصر المطروحة أمامها, مادام أطمئن وجدانها إلى هذه الأقوال ( نقض١٩٩٣/١٢/٢ مجموعة أحكام النقض س٤٤ رقم١٨٦ص١٢١٤ )وقالت في حكم ناد جديد أن قول متهم على آخر قرينة للمحكمة الأخذ بها(الطعن رقم ١٨٢٠٠ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٢/٢٠). وتجدر الإشارة إلى أن هذه الاتجاهات الثلاثة لا تعتبر مراحل متميزة ومتعاقبة في قضاء النقض, ولكنها اتجاهات مختلطة ومتداخلة, واتجاهي الاعتراف والشهادة كلاهما محل نقد من جانب الفقه. (٦)وعلى أي حال يمكن القول بأن قول متهم على متهم يخضع للمبدأ العام في الإثبات الجنائي وهو حرية القاضي في الاقتناع L'intime Coniviction وحريته في هذا المقام بالغة السعة فهو وحده الذي يقدر قيمة الاعتراف أو الشهادة أو أي دليل في الدعوى بحسب ما يحدثه في نفسه من أثر وفي وجدانه من ارتياح واطمئنان وقد نصت المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية المصري على أن يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكل حرية. ونصت المادة 427 من قانون الإجراءات الفرنسي على أن تثبت الجرائم بجميع طرق الإثبات ويحكم القاضي تبعاً لاقتناعه Aly. A. Rached De La intime conviction du Juge Thése Paris 1942, جيوفاني لويني – مبدأ حرية الاقتناع والمشاكل المرتبطة به – محاضرة ألقاها بالإيطالية في جامعة القاهرة بتاريخ 29/3/1964 ونقلها إلى العربية الدكتور رمسيس بهنام – مجلة القانون والاقتصاد س34 ( مارس 1964 )العدد الرابع ص923؛ الدكتورة مفيدة سعد سويدان – نظرية الاقتناع الذاتي للقاضي الجنائي – رسالة دكتوراه – كلية الحقوق – جامعة القاهرة - 1985؛ الدكتور محمد عبد الشافي إسماعيل – مبدأ حرية القاضي الجنائي في الاقتناع وأثره في تسبيب الأحكام الجنائية – 1997 ). (٦)ومع ذلك يذهب الرأي الغالب في الفقه إلى أن قول متهم على أخر ليس له قيمة دامغة أو كاملة في الإثبات, بل هو فقط مجرد دلائل أو استدلالات لا يمكن أن يتأسس عليه وحده اقتناع القاضي وإن جاز تعزيز الأدلة به. وحجته في ذلك أن تلك الأقوال يشوبها التلفيق لأنها صادرة ممن له مصلحة في الخلاص من الاتهام الجاثم على صدره أو في أقل القليل ألا يكون متحملاً بمفرده للمسئولية عن الجريمة. ومن ثم وجب على محكمة الموضوع أن تأخذها بكثير من الحذر, لأنها – بهذا المعنى – من أضعف الاستدلالات في الدعوى ( الدكتور رمسيس بهنام – الإجراءات الجنائية تأصيلاً وتحليلاً – المرجع السابق – ص691؛ الدكتور رءوف عبيد – مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري – المرجع السابق – ص697؛ الدكتور محمد زكي أبو عامر – الإجراءات الجنائية – المرجع السابق – ص772؛ الدكتور مأمون سلامة – الإجراءات الجنائية في التشريع المصري – المرجع السابق – ص213؛ الدكتورة فوزية عبد الستار – شرح قانون الإجراءات الجنائية – المرجع السابق – ص571؛ الدكتور نبيل مدحت سالم – شرح قانون الإجراءات الجنائية – الطبعة السابعة – دار الثقافة الجامعية – 1993 – ص55؛ الدكتور عادل قورة – شرح قانون الإجراءات الجنائية – القاهرة – 1987 – ص403؛ الدكتور أحمد شوقي أبو خطوة – شرح قانون الإجراءات الجنائية – الجزء الثاني – 1992 – ص236؛ الدكتور عبد الحميد الشواربي – التعليق الموضوعي على قانون الإجراءات الجنائية – الجزء الثالث – 2010 – ص293؛ المستشار إيهاب عبد المطلب – قانون الإجراءات الجنائية – المجلد الثالث – الطبعة الأولى – 2006 – ص139؛ الدكتور أدوار غالي الذهبي – الإجراءات الجنائية – الطبعة الثانية – مكتبة غريب – 1990 – ص639؛ الدكتور محمود كبيش – شرح قانون الإجراءات الجنائية – المحاكمة – دار النهضة العربية – 2010 – ص102 ). (٧)أما القضاء فنلمح بشأنه تطور, ففي البداية حذا القضاء حذو الرأي الراجح في الفقه, ولكن في أحكام قليلة. فقضت محكمة النقض بأنه لا يكون اعتراف متهم على أخر دليلاً لإثبات الجريمة إلا إذا تعزز هذا الاعتراف بشيء آخر يؤيده ( نقض 8/2/1905 مجلة الاستقلال س4 ص161 ). وقضت أيضا بأنه إذا كان لا يوجد نهي في القانون على أن المحكمة لا تأخذ باعتراف متهم على أخر إلا أن تحقيق العدالة يقضي بأن يكون هذا الاعتراف معززاً بأدلة أخرى ( نقض الطعن رقم 1201 لسنة 42ق مشار إليه لدي محمد صديق – قانون العقوبات في أحكام النقض – 1931 – ص66 ) وقضت كذلك بأن اعتراف متهم على أخر يجوز الأخذ به متى تعزز بأية قرينة تراها المحكمة نقض 1929/1/3الطعن رقم 95 لسنة46 مجموعة صديق المرجع السابق ص64 ) ثم استقر قضاء النقض بعد ذلك على أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه وعلي غيره من المتهمين متى اطمئنن إلى صحتها ومطابقتها للحقيقة والواقع ولو لم تكن معززة بدليل أخر ( نقض 14/2/1929 مجموعة القواعد القانونية ج1 رقم158 ص164؛ نقض 6/3/1930 ج2 رقم2 ص1؛ نقض 26/11/1951 مجموعة أحكام النقض س3 رقم18 ص209؛ نقض 3/5/1956 رقم85 ص415؛ نقض 27/1/1964 س15 رقم18 ص87؛ نقض 9/12/1963 س14رقم163 ص894؛ نقض 4/1/1983 س34 رقم4 ص36؛ نقض 26/11/1984 س35 رقم187 ص829؛ نقض 7/11/1979 س30 رقم168 ص793؛ نقض 2/6/1988 س39 رقم11 ص741؛ نقض 16/5/1985 س36 رقم121 ص682؛ نقض 6/2/1990 س41 رقم48 ص275؛ نقض 24/5/1990س41 رقم34 ص769؛ نقض 24/2/1988 هيئة عامة س39 رقم1 ص1 ) ولو عدل عنها قائلها ( نقض 17/11/1969 مجموعة أحكام النقض س20 رقم263؛ نقض 19/2/1951 س2 رقم345 ص644؛ نقض 26/11/1951 س3 رقم78 ص209؛ نقض 1/5/1963 س14 رقم77 ص392؛ نقض 20/11/ 1985 س36 رقم186 ص1016 نقض 7/4/1969 مجموعة أحكام النقض س20 رقم100 ص 765؛ نقض 1/1/1973 س24 رقم1 ص98؛ نقض 26/6/1967 مجموعة أحكام النقض س18 رقم176 ص875 )وأبانت محكمة النقض علة ذلك بقولها إن الأخذ بالرأي العكسي من ضرورة تأييد هذه الأقوال بدليل أو قرينة تعزيرية, ينطوي على مساس بسلطة القاضي في تقدير الدليل وحريته في اقتناعه وتكوين عقيدته من أي دليل يطرح أمام المحكمةنقض 11/3/1954 مجموعة أحكام النقض س5 رقم224 ص611 ). (٨)وينتقد الفقه مذهب القضاء في الاعتماد على أقوال متهم على أخر, كدليل كامل, يصح أن تؤسس عليه بمفرده الإدانة, لأن التأكد من صحة هذه الأقوال وصدقها ينبعث بلا شك من عناصر إضافية إلى تلك الأقوال( الدكتور أحمد فتحي سرور الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية طبعة 1980 المرجع السابق – ص360 ). ولعل ذلك هو ما حدا ببعض القضاء العربي في أحكامه الحديثة من ذم هذه الأقوال واعتبارها مُجرد دلائل لا يصح أن تُبنى عليها بمفردها الإدانة إلا إذا تعززت بغيرها من الأدلة أو الدلائل ( محكمة التعلق عززت بغيرها من الأدلة أو الدلائل ( محكمة التعقيب التونسية في 31/1/2004 قرار تعقيب جزائي عدد 46868؛ محكمة التعقيب التونسية في 23/3/2005 قرار تعقيب جزائي عدد 13973 ). ويبدو أن الذي أورث الشبهة لدى الرأي المُخالف, هو خلطه ما بين الشهادة وشروطها من جهة, وبين واجبات والتزامات الشاهد من جهة أخرى. فالشهادة هي تقرير يصدر عن شخص في شأن واقعة عاينها بحاسة من حواسه (Garraud II op cit No, 372; Vidal et Magnol II op cit No, 729; Merel et Vitu II op cit No, 931. نقض 15/6/1964 مجموعة احكام النقض س15 رقم98 ص493؛ نقض 2/4/1979 س30 رقم90 ص426؛ نقض 5/3/1987 س38 رقم60 ص387؛ نقض 9/11/1988 س39 رقم155 ص1026؛ نقض 23/11/1989 س40 رقم169 ص1048؛ نقض 21/12/1989 س40 رقم207 ص1289؛ نقض 2/7/1997 س48 رقم11 ص727؛ نقض 5/1/1998 س49 رقم4 ص26؛ نقض24/1/1995 س46 رقم33 ص246؛ نقض 19/3/1995 س46 رقم84 ص569 )ويشترط لإعتبار الشخص شاهداً شرطان هما التمييز( نقض7/3/1971 مجموعة أحكام النقض س22 رقم48 ص199؛ نقض 25/1/1976 س27 رقم20ص94؛ نقض 2/4/1979 س30 رقم90 ص421؛ نقض 9/10/ 1982س33 رقم160 ص782؛ نقض 3/3/1983 س34 رقم61 ص314؛ نقض 4/3/1986 س37 رقم69 ص338؛ نقض 27/11/1985 س36 رقم193 ص1052؛ نقض 28/10/1987 س38 رقم161 ص887؛ نقض 3/3/1983 س34 رقم61 ص314؛ نقض 4/6/1986 س37 رقم69 ص338؛ نقض 21/12/1989 س40 رقم207 ص289؛ نقض 10/1/1990 س41 رقم11 ص91؛ نقض 2/10/1996 س47 رقم135 ص944؛ نقض 20/10/1996 س47 رقم152 ص650؛ نقض 7/10 1997 س48 رقم155 ص1041 )وحرية الإختيار ( نقض 12/5/1975 مجموعة أحكام النقض س26 رقم98 ص423؛ نقض 25/1/1976 س27 رقم19 ص90؛ نقض 24/10/1995 س46 رقم160 ص1101؛نقض 11/1/1996 س47 رقم8 ص68؛ نقض 29/9/1996 س47 رقم129 ص909؛ نقض 10/4/1996 س46 رقم71 ص505 ).أما واجبات الشاهد أو بالأحرى إلتزاماته, فعديدة منها حلف اليمين ( الدكتور محمود نجيب حسني – شرح قانون الإجراءات الجنائية – طبعة 1998 – المرجع السابق – ص815؛ الدكتور عوض محمد عوض – المبادئ العامة في قانون الإجراءات الجنائية – المرجع السابق – ص769 ). فلا عجب أن تخلع محكمة النقض صفة الشهادة على الأقوال التي يدلي بها الشاهد بغير حلف يمين. وفي ذلك تقول أن الشاهد لغة هو من إطلع على الشئ وعاينه والشهادة إسم المشاهدة وهي الإطلاع على الشئ عياناً, وقد إعتبر قانون الإجراءات الجنائية الشخص شاهداً بمجرد دعوته لإداء الشهادة سواء أداها بعد أن يحلف اليمين أو دون أن يحلفها ( نقض 21/10/1968 مجموعة احكام النقض س19رقم 166 ص841؛ نقض 16/4/1973 س24 رقم109 ص525؛ نقض 12/11/1987 س38 رقم175 ص960؛ نقض 2/11/1992 س43 رقم149 ص957؛ نقض 9/11/1992 س43 رقم156 ص1014؛ نقض 23/9/1998 س49 رقم122 ص932 )ليس هذا فحسب بل أن من الفقهاء من يرى انه إذ كافأ القانون أحد الجناة بإعفائه من العقاب لإخبار الحكومة بالجريمة أو فاعلها أو سهل القبض عليه, فلا شئ يمنع من أن يكون الجاني الذي اعُفي لهذا السبب شاهداً على الباقين, إذ أنه لم يُعف إلا لهذه الغاية, وحينئذاً توخذ شهادته بعد حلف اليمين ولا يجوز الإعتراض على قبولها( Garraud II op cit No, 410. الأستاذ علي زكي العرابي – المبادئ الأساسية للإجراءات الجنائية – المرجع السابق – ص504؛ الأستاذ أحمد عثمان حمزاوي – موسوعة التعليقات علي مواد قانون الإجراءات الجنائية – دار النشر للجامعات المصرية 1953 ص٦٤٣). ولذات السبب يذهب الفقه إلى جواز إستجواب المتهم المُعترف على زميله لأن شأنه في ذلك شأن الشاهد ( الدكتور عوض محمد عوض – المبادئ العامة في قانون الإجراءات الجنائية – المرجع السابق – ص698. الدكتور عبد الرءوف مهدي – شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية – المرجع السابق – ص٧٦٥ ). وقد عرض على القضاء واقعة كان المتهم قد تمسك فيها بطلب سماع أقوال ومناقشة متهم أخر إعتراف بالرِشوة ليُعفى من العقاب. إلا أن محكمة الموضوع رفضت طلبه بدعوى أن إستجوابه محظور بنص المادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية. وعندما عرض الأمر على محكمة النقض الغت الحكم لأن المًتهم المًعترف يُعد بمثابة شاهد فلا ضير من مناقشته, وإن ذلك لا يُعد إستجواباً محظوراً.وفي ذلك تقول محكمة النقض لما كانت المحكمة قد إنتهت إلى إدانة الطاعن إستناداً إلى إطمئنانها إلى ما إعترف به المتهم الثانى على الطاعن من وقائع تؤدى إلى إدانته دون أن تجيبه إلى طلب سماع أقوال المتهم سالف الذكر كشاهد إثباتومناقشته وكان هذا الطلب يعد طلباً جوهرياً لتعلقه بواقعات الدعوى مما كان يتعين معه على المحكمة إجابته لإظهار وجه الحق فيها, ولا يقبل منها ما أوردته من تعليل لرفض إجابته بدعوى أن هذا الطلب يعد استجواباً غير جائز للحكمة وقد رفضه المتهم الثانى ذلك أن الإستجواب المحظور عملاً بالمادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية هو الذى يواجه فيه المتهم بأدلة الإتهام التى تساق عليه دليلاً دليلاً ليقول كلمته فيها تسليماً بها أو دحضاً لها دون ما يعترف به على غيره من المتهمين وهو ما لا يسرى فى حق المتهم الذى إعترف بوقوع الجريمة فى الدعوى المطروحة أمام المحكمة وحق له الإعفاء من العقاب قانوناً على النحو المارذكره ومن ثم فإن مناقشته فيما إعترف به من وقائع تودي إلى إدانة الطاعن – بإعتباره شاهداً يمكن التعويل على شهادته – لا تعد فى نظر القانون إستجواباً له ولا يرد عليها الحظر الوارد فى المادة 274 سالفة الذكر فلا تحتاج إلى إقرار منه سواء فى قبولها أو الإعتراض على إجرائها وإنما هى فى حقيقتها شهادة يجوز للمحكمة والدفاع مناقشته فيها, وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وإعتبر هذا الطلب إستجواباً للمتهم الذى قضى بإعفائه من العقاب, فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون فضلاً عن إخلاله بحق الدفاع نقض 26/11/2006 الطعن رقم 76701 لسنة 75ق ).أما دعوى التعارض بين المصالح لأن المتهم المُعترف يعتبر خصماً لزميله المتهم الأخر, فظاهرها الضعف, لأن خصوم الدعوى الجنائية هي النيابة العامة, والمتهمين لأن خصوم الدعوى الجنائية هي النيابة العامة, والمتهمين وإن تعددوا, لا يعتبر المتهم خصماً لزميله المتهم الأخر ولو شهد ضده, ولذات السبب لا يعتبر المجني عليه والمدعى المدني خصماً للمتهم رغم أن لهما مصلحة في الشهادة ضده. نخلص من ذلك إلى أن قول متهم على متهم آخر بمثابة شهادة يجوز للمحكمة قانوناً الارتكان إليها في الإدانة, ولو لم تكن في الدعوى أدلة سواها, مادام قد اطمئنن إليها ولكن عند العدول يجب على المحكمة أن تبين أسباب أخذها بالشهادة الأولى دون المعدول عنها.وعلي أي حال فإنه من الصعب عملاً أن يؤسس القاضي حكمه بالإدانة على هذه شهادة متهم على غيره بمفردها لأن القطع والجزم بالإدانة لا يتأتى في الغالب الأعم إلا من تعدد الأدلة وتساندها.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق