وجهه نظر حول تجريم اجهاض المرأة لنفسها بقلم د✍ ياسر الأمير (١)الإجهاض أو إسقاط الحوامل في القانون المصري يعد من جرائم الاعتداء على الحق في الحياة إذ غالبًا ما يكون المقصود به إنهاء حق الجنين في الحياة المستقبلية.وقد خصص له المشرع المصري بابًا مستقلاً في قانون العقوبات هو الباب الثالث وعنوانه إسقاط الحوامل وصنع وبيع الأشربة والجواهر المغشوشة المضرة بالصحة.ولم يضع المشرع تعريفًا محددًا لإسقاط الحوامل(الإجهاض)وإنما اكتفى بتحديد صوره والعقوبات المقررة لكل صورة منه وجريمة الإجهاض من الجرائم كثيرة الحدوث في الحياة والقاعدة أنه لا يجوز إنزال الجنين أبدًا إلا إذا تحقق ضرر على أمه بالتقرير الطبى من قبل ثلاثة أطباء استشاريين ثقات عدول بأن فى بقاء الجنين خطورة على حياة الأم ويصبح إسقاطه من باب الضرورة التى لا تندفع إلا بنزوله. والاجهاض جريمة من الجرائم المادية لا الشكلية لأن الضرر الناتج عنها يصيب كائنًا حَيًّا حتى وإن كان جنينًا لم يخرج بعد إلى نور الحياة.ولكن إذا تم قتل جنين كان قد انفصل عن الرحم وأخذ طريقه في الخروج اعتبرت الواقعة جريمة قتل لا جريمة إجهاض.فالحدث المجرّد الذي تتكون به الجريمة هو القضاء على جنين داخل الرحم أو القضاء عليه بفصله من الرحم قبل الأوان الطبيعي للولادة.ولايعاقب القانون المصري على الشروع في الإجهاض على الرغم من أنه متصور الحدوث كما أن الاشتراك في الإجهاض ممكن كذلك بأساليب الاتفاق أو التحريض أو المساعدة التي لا تنصبّ على جسد الحامل وإلا اعتبر الجاني فاعلاً أصيلاً لا مجرد شريك. (٢)وحتى يمكن القول بوقوع الإجهاض فإنه لا بد من وجود جنين يقع اعتداء على حقه في الحياة المستقبلية؛ فهو ركنًا مفترضًا لا تقوم بدونه جريمة الإجهاض.ويتم الفعل بإخراجه حَيًّا قبل موعد ولادته وهو ما يفضي في الغالب إلى وفاته، أو بقتله في الرحم وهو ما يقتضي إخراجه منه حفاظًا على حياة الحامل.ويبدأ وجود الجنين قانونًا بتلقيح الحيوان المنوي للرجل لبويضة المرأة وتكون هي بداية حياة الجنين التي تنتهي ببداية عملية الولادة. لذلك يتحدد مجال جريمة الإجهاض بالفترة بين الإخصاب وبداية عملية الولادة. فلا إجهاض قبل بدء عملية الإخصاب، ولا إجهاض بعد بداية عملية الولادة، وإنما يبدأ مجال الاعتداء على حياة الإنسان أو سلامة جسمه منذ بداية عملية الولادة. وتبدأ حماية حق الجنين في الحياة بدايةً من لحظة الإخصاب وحتى لحظة بداية الولادة دون اشتراط مرور فترة زمنية محددة على الإخصاب. وإذا استعملت وسائل لإخراج الحمل قبل أوانه، وأدت إلى وفاة الحامل مع بقاء الحمل في رحمها، فإنه لا تتحقق جريمة الإجهاض؛ وإنما تحقق جريمة ضرب أو جرح أو إعطاء مواد ضارة أفضت إلى الموت. أما إذا خرج الجنين وماتت الأم، تحققت جريمتا الإجهاض والضرب أو الجرح أو إعطاء المواد الضارة التي أفضت إلى الموت. وفي هذه الحالة يحكم بعقوبة الجريمة الأشدّ. (٣)ولقد عرفت محكمة النقض الإجهاض بانه هو إخراج الجنين عمدا من رحم أنثى قبل الموعد الطبيعي لولادته أو قتله عمدا في الرحم(الطعن رقم ٢٦٠ لسنة ٤٦ قضائيةالصادر بجلسة ١٩٧٦/٠٦/٠٦؛ الطعن رقم ١١٢٧ لسنة ٤٠ قضائيةالصادر بجلسة ١٩٧٠/١٢/٢٧مكتب فني مما يوجب على حكم الإدانة أن يبين أن الجنين كان لا زال حيا قبل صدور فعل الإسقاط وأن هذا الفعل هو الذي أدى إلى الإسقاط( الطعن رقم ٢٦٨٣ لسنة ٨٠ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٠/١٠/٠٢)وأن الجاني تعمد إنهاء حمل المجني عليها قبل الأوان مع علمه بحملها الطعن رقم ١١٧٩٢ لسنة ٦٦ قضائية الصادر بجلسة ٢٠٠٥/١٢/١٩الطعن رقم ٥٤٣ لسنة ٥٧ قضائيةالصادر بجلسة ١٩٨٧/٠٥/١٢) فلا تقع جريمة الإجهاض بالخطأ ولو كان جسيما. ولا يؤثر على قيام الجريمة أن يظل الحمل في رحم المجني عليها لوفاتها الطعن رقم ٢٦٠ لسنة ٤٦ قضائيةالصادر بجلسة ١٩٧٦/٠٦/٠٦اذ أن خروج الحمل من الرحم ليس ركنا من أركان الجريمة الطعن رقم ١١٢٧ لسنة ٤٠ قضائية الصادر بجلسة ١٩٧٠/١٢/٢٧ورضاء الحامل بالإسقاط لا يؤثر على قيام الجريمةالطعن رقم ١١٢٧ لسنة ٤٠ قضائيةالصادر بجلسة ١٩٧٠/١٢/٢٧وتتحقق جريمة الإسقاط طبقا لمذهب النقض في أي وقت من أوقات الحمل ولا محل لإباحة إسقاط الجنين الذي لم يتجاوز عمره أربعة أشهر لأنه مجرد اجتهاد انقسم حوله رأى الفقهاء فضلا عن أن تحريم فعل الإسقاط يحول دون اعتباره مرتبطا بحق الطعن رقم ١١٩٣ لسنة ٢٩ قضائيةالصادر بجلسة ١٩٥٩/١١/٢٣ (٤)ولقد تناول المشرع المصري جريمة الإجهاض في المواد من 260 إلى 264 من قانون العقوبات. ويرد الفقه جريمة الإجهاض إلى ثلاثة صور الأولى: إجهاض الغير للمرأة الحامل عن طريق العنف. والثانية:إجهاض الغير للحامل دون عنف. والثالثة: إجهاض الحامل نفسها. ولا تثير الصورة الأولى والثانية ثمة مشاكل تذكر وإنما يشتد الجدل حول مدى العقاب على الصورة الثالثة التي تعمد فيها الحامل على إتيان فعل الإجهاض من تلقاء نفسها على نفسها دون أن يحرضها أو يقترح أحد عليها ذلك. إذ خلت النصوص التي تناولت الإجهاض من نص صريح على العقاب في هذه الصورة الأخيرة إذ كل ما جاء بنص المادة 262 عقوبات قولها رضيت (أي الحامل) بتعاطي الأدوية أو رضيت باستعمال الوسائل سالفة الذكر( وسائل الإجهاض) أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل فعبارة النص دالة علي افتراض عرضا من الغير على الحامل باستعمال وسائل الإجهاض وقبول الحامل ذلك وكذا أن تمكن الحامل الغير من إتيان فعل الإجهاض على جسمها ولهذا كان رضاء الحامل بالإسقاط لا يؤثر على قيام الجريمة(الطعن رقم ١١٢٧ لسنة ٤٠ قضائية الصادر بجلسة ١٩٧٠/١٢/٢٧). (٥)ولكن إتيان الحامل فعل الإجهاض على نفسها وبمبادرة شخصية منها دون أن يحرضها أو يقترح عليها الإجهاض أحد او يساعدها بدلها على وسائل الاجهاض حتى يمكن القول بانها رضيت بتعاطى الأدوية أو استعمال الوسائل فغير منصوص عليه فيكون بمنأى عن التأثيم.وهي نتيجة لم تغب عن بال معظم الفقهاء ولكنهم عمدو إلى مخالفة صراحة النص ومد العقاب إلى الحامل في هذه الحالة ارتكانا إلى حكمه النص المتمثلة في حماية الجنين ولأن لفظ رضيت بتعاطى الأدوية أو استعمال الوسائل حسب التأويل الصحيح عندهم يشمل حالتي التقبل التلقائي لفعل الإسقاط وقبول عرض الغير.ولهذا تعتبر المرأة لدي جمهور الفقه فاعله فى الإجهاض متى اجهضت نفسها أو إذ رضيت أن يجهضها الغير غير أن الجمهور اعترف فى ذات الوقت بشذوذ هذه النتيجة فى المسؤلية الجنائية من حيث التفرقة بين المساهمة الأصلية والتبعيةولكنه عزا ذلك إلى المشرع وراح ينتقده. (٦)ومذهب معظم الفقهاء لدينا غير سديد لمخالفته مبدأ الشرعية الجنائية إذ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ومادام أن المشرع لا يعاقب الحامل التي تجهض نفسها من تلقاء نفسها فلا يسوغ للفقه مد العقاب إليها ارتكاننا إلى حكمه التشريع والاخرج الفقه عن دورة في تفسير التشريع إلى سن التشريع وهو ما لا يصح ولو بدأ للفقه أن روح التشريع كانت تحتم التجريم لأن مهمة الفقه والقضاء الحكم بالقانون وليس الحكم على القانون. أما التشدق بعبارة رضيت ففي غير محله لأن المشرع قصد بهذه العبارة بيان أن رضا الحامل بالإجهاض ليس مانعا من قيام الجريمة لما هو معلوم من أن رضاء صاحب الشأن في بعض الجرائم يعد سببا للأباحه. فضلا عن أن الرضا هو موافقة صاحب الحق أو اذنه للغير بالنيل من حقه والموافقة والأذن كلاهما يفترض عرض من الغير بان يرتكبا الفعل ضده وليس بان يرتكب هو ذاته الفعل على نفسه. وعلى أي حال حسبناأن نشير إلى أن المادة 262 مأخوذة من المادة 317 من قانون العقوبات الفرنسي القديم وهي كانت تنص صراحة على عقاب المرأة التي تسقط نفسها والتي ترضى باستعمال الوسائل التي دلت عليها أو استعملت لها GARRAUD TRAITE DROIT PENAL FRANCAIS T V1923NO2025; Vitu Droit penal special 1969no2110; Garson Code penale Annote art 317no19. ولكن المشرع المصري عند نقله المادة الفرنسية إلى المادة 262أسقط الفقرة الأولى التي تنص على عقاب المرأة التي تجهض نفسها وابقي الفقرة الثانية الخاصة بالرضا. وهذا الإسقاط من المشرع لا يخلوا من دلالة حاصلها استثناء المرأة التي تجهض نفسها من تلقاء نفسها من دائرة التجريم إشفاقا من المشرع على المرأة في هذه الحالة التي قد تكون مدفوعة بأسباب خاصة تدعوها إلى إجهاض نفسها ودون مشورة أو مساعده من أحد والذي غالبا ما يعقبه ألم وحسرة علي فقدان الجنين بما لا يصح معه إنزال العقاب بها في هذه الحالة. (٧)وإذا كان المشرع عند وضع قانون العقوبات سنه 1939 ابقي النص كما كان عليه من قبل برفع العقاب عن المرأة في هذه الصورة لأسباب اجتماعية وإنسانية تتفق مع عصره وزمنه. وإذا كان هناك تطور طرأ على المجتمع في الوقت الراهن يقتضي تجريم هذه الصورة فلا يجوز لي عنق النصوص للوصول إلى هذه النتيجة وخرق مبدأ الشرعية الجنائية وإنما تكون بدعوة المشرع لتجريم سلوك المرأة التي تجهض نفسها من تلقاء نفسها بنص صريح.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق