قاعدة عدم التزام محكمة الموضوع بنص اعتراف المتهم وظاهرة في ضوء قضاء النقض دراسة نقدية نشأتها أساسها تطبيقاتها تقديرها بقلم ✍د. ياسر الأمير (١)الاعتراف هو إقرار المتهم على نفسه بصدور الواقعة الإجرامية عنه Garraud traite de l, instruction criminelle 1907 t2No457; Merl et Viut Traite de droit criminel t2 1979No942 ومن الثوابت القانونية أن الاعتراف الذي يعول عليه حكم الإدانة يجب أن يكون نصا في اقتراف المتهم للجريمة وأن يكون صريحا ومفصلا كاملا لا يقبل التأويل(الطعن رقم 14527لسنة72قضائية الصادر بجلسة 2009/10/21)فلا يعتد بالاعتراف المجمل بان تحمل أقوال المتهم معنى الاعتراف كما في حالة إبداء المتهم استعداده للتوبة إذ يلزم أن يكون الاعتراف واضحاً لا تقبل عبارات المتهم تفسيراً أخر غير التسليم بارتكاب الجريمة ولكي يكون الاعتراف كذلك يجب أن يكون موضوعه ذات الواقعة المكونة للجريمة لا واقعة أخرى مهما تكن علاقتها بها.فاعتراف المتهم بوجود ضغينة بينه وبين القتيل، أو بوجوده في مكان الحادث وقت وقوعه.أو ملكيته للسلاح الذي استخدم في ارتكاب الجريمة. أو للمكان الذي عثر فيه على جثة القتيل. هذا كله لا يعد اعترافا بالجريمة. وإنما هو مجرد قرينة بسيطة وضعيفة على ارتكابها قد تعزز أدلة أخرى قائمة في الدعوى. وإذا عول حكم الإدانة على هذه الأقوال بوصفها اعترافا، ودان المتهم بناء عليها فإنه يكون معيبا. ولهذا قضت النقض بأنه لا يعد اعترافا بالتسول قول المتهم إنه احترف الغناء في الشوارع طلبا للرزق(نقض 1965/2/9 مجموعة أحكام النقض س16 رقم27ص114)ولا يعد اعتراف بالاشتراك في السرقة قول المتهم إنه كلف من متهم آخر بنقل الخشب المختلس من مخزن الشركة وأنه انصاع لأمره(نقض1973/3/13مجموعة أحكام النقض س 23رقم 86ص338)وكذا رغبه المتهم في التصالح مع الجمارك لا يعد اعتراف بجريمة التهريب(نقض1972/4/9 س33 رقم122ص554)وقضت أيضا النقض بان إقرار المتهمة بأنها ساعدة المتهمين بالقتل في جمع متعلقات المقتول لا يعد اعترافا منها بالمساهمة في القتل(الطعن رقم 7570 لسنة 78 جلسة 2009/10/19 ) (٢)ولكن للأسف جري قضاء النقض منذ بديانة سبعينيات القرن الماضي على مبدأ غريب حاصله أن من حق محكمة الموضوع أن تفسر اعتراف المتهم وهي في ذلك ليست ملزمة أن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تستنبط منه الحقيقة بطريقه الاستنتاج وكافة المكنات العقلية كما كشفت عنها (نقض 1978/4/8مجموعة أحكام النقض س29رقم72 ص373 نقض 1972/11/5س23رقم 235ص112؛نقض 1978/4/8س29رقم 72ص373 نقض1972/11/5س 23 رقم 235ص112)وجاء تطبيق هذا المبدأ بنتائج شاذة لا يقبلها العقل الصحيح ولا ترتضيها السجية السليمة ولقد حاولت النقض فى بعض احكامها التلطيف من شذوذ المبدا باشتراط وجود ادلة اخرى تعزز ما نسبته المحكمة من اعتراف للمتهم بعد مسخه وتحريفه فخلطه بين الاعتراف وبين القرائن القضائية كما سوف نرى. (٣)ومن تطبيقات هذا المبدأ في قضاء النقض ما قضت به من إن إقرار المتهم بارتكاب الجريمة في حق نفسه ونفيها في حق شريكة لا يحول بين المحكمة وإدانة الشريك بناء على هذا الاعتراف(الطعن رقم13303لسنة82قضائية الصادر بجلسة2014/02/11؛ الطعن رقم 7954 لسنه 86 قضائية الصادر بجلسة 2006/12/10)وفي واقعه أخرى استخلصت محكمة الجنايات ارتكاب المتهم الحريق العمد من اعترافه بواقعه السرقة ليلا مع أدلة أخرى وحين طعن بالنقض لهذا السبب رأت النقص أن نعيه غير سديد إذ من حق محكمة الموضوع أن تأخذ باعتراف المتهم دون أن تلتزم ظاهر نصه إذ إن تستخلص منه ومن سائر عناصر الدعوى الحقيقة بطريق الاستنتاج وكافة المكنات العقلية وأضافت أنه لا يقبل مناقشة دليل بعينه إذ يكفي أن يكون مجموعها مؤديا الى ما رتبه عليه الحكم من نتائج ومنتجه كوحده واحدة فى اقتناع القاضي(نقض1972/1/19 مجموعة احكام النقض س23 رقم271ص1201)وايضا ايدت محكمة النقض حكم لمحكمة الجنايات فسرت فيه اعتراف المتهم من أنه حاول إيلاج قضيبه في فرج المجني عليها ولما فشل لصغر سنها أدارها وطرحها علي وجهها وأولج قضيبه في دبرها وحينما استغاثة كتم نفسها بأنه اعتراف من المتهم بقتل المجني عليها(الطعن رقم 71175 لسنة 75 قضائية الصادر بجلسة2006/01/16 وقضت أيضا النقض بأن نعي الطاعنان على الحكم من أنهما اعترفا بأن القصد من استيلائهما على الملف الضريبي هو مطالعة المتهم الثالث له في حين أن الحكم استدل على أن الغرض من الاستيلاء على الملف الضريبي هو تسليمه للمتهم الثالث للحصول على مبلغ الرشوة المتفق عليه فإن نعيهما على الحكم فى هذا الصدد لا يكون سديداً(الطعن رقم 19478 لسنة 70 قضائية الصادر بجلسة2007/11/15 وقضت كذلك بأنه لأ تثريب على محكمة الموضوع أن أخذت باعتراف المتهم بضرب المجني عليه حتي الموت واطرح ما تمسك به من أنه كان فى حاله دفاع شرعي إذ محكمة الموضوع لأ تلتزم نص الإعتراف وظاهرة(الطعن رقم 15507 لسنة 72 قضائية الصادر بجلسة2009/10/21)وفى واقعة كان المتهم قد اقر بالتعدى على زوجته بالضرب بهدف تاديبها بعد استفذاذه وانه لم يكن يقصد قتلها غير أن محكمة الجنايات دانته بتهمة القتل العمد مع سبق الاصرار بناء على هذا الاعتراف وحين طعن بالنقض لان اعترافه لم يتطرق الى نيه قتل زوجته رفضت محكمة النقض هذا الوجه من الطعن بقاله ان وكانت المحكمة غير ملزمة في أخذها باعتراف المتهم أن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تجزئه وأن تستنبط منه الحقيقة كما كشفت عنها،ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر في قضائه أن الاعتراف الذي أخذ به الطاعن ورد نصًا في الاعتراف بالجريمة واطمأنت إلى مطابقته للحقيقة والواقع، فلا يغير من انتاجه عدم اشتماله على توافر نية القتل، ذلك أنه لا يلزم أن يرد الاعتراف على الواقعة بكامل تفاصيلها بل يكفي أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجيه اقتراف الجاني للجريمة وهو ما لم يخطئ فيه الحكم الطعن رقم18147لسنة87 قضائيةبجلسه 2020 /6/2 وفي واقعة أخرى انتهت محكمة الجنايات إلى أدانه متهم للاشتراك مع آخرين بطريق الاتفاق والتحريض والمساعدة في سرقة مبالغ مالية مملوكه لشركة كهرباءو السلاح الأميري والطلقات عهدة آمين شرطة والمملوك لوزارة الداخلية وذلك بالطريق العام وبطريق الإكراه بأن قام بخلق فكرة الجريمة لديهم واتفقوا فيما بينهم على كيفية تنفيذها وكيفية الهروب عقب التنفيذ وأعدوا لها من أسلحة نارية وذخائر حية حيث أبلغ المتهم الشريك باقي المتهمين يوم الواقعة بموعد خروج السيارة محملة بالمسروقات حتى يتسنى لهم سرقتها فوقعت الجريمة بناءً على هذا التحريض وذلك الاتفاق وتلك المساعدة وعند طعن المتهم الشريك بالنقض عاب على الحكم مسخ إقراره المتضمن أنه أقر فحسب بتوصيل ومصاحبة متهم آخر إلى مقر شركة الكهرباء ومراقبة خروج السيارة محل الحادث وهذا لا يعد اعترافاً صريحاً بصحة ما نسب إليه من اشتراك إلا أن محكمة النقض رفضت هذا الوجه من الطعن بسند أنه من المقرر أن المحكمة غير مقيدة في أخذها بإقرار المتهم بأن تلتزم نصه وظاهره بل لها أن تستنبط منه ومن غيره من العناصر الأخرى الحقيقية التي تصل إليها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية مادام ذلك سليماً متفقاً مع العقل والمنطق وهو اقتراف الجاني للجريمة وأن لها أن تستند إلى بعض أقوال المتهم في تأييد الدليل حتى ولو كان منكراً للتهمة مادام لهذه الأقوال أصل في الأوراق وكان ما تستخلصه منها سائغاً في العقل ومن ثم يكون منعي الطاعن في هذا الشأن في غير محله(الطعن رقم 20194 لسنة87 قضائية الصادر بجلسة2020/2/4) (٤)وعلى الرغم من شذوذ القاعدة فان معظم الفقهاء لم يتناولها تأيدا أو نقدا بل إن بعض المراجع المتخصصة في اعتراف المتهم تورد القاعدة وكأنها التطبيق السليم للقانون بحجه خضوع الاعتراف لمبدأ الاقتناع الشخص للقاضي دون معقب عليه(د. سامي صادق الملا اعتراف المتهم ١٩٨٦ ص٢٦٧ وايضاحاول نفر من الفقهاء تصويب مذهب النقض فقرر ان اعتراف المتهم في هذه الحالة يكون ضمنيا ولا يصح تأسيس حكم الإدانة عليه وحده بل يجب وجود أدله أخرى تؤكده وتعززه(د. مأمون سلامة الإجراءات الجنائية في التشريع المصري الجزء الثاني ٢٠٠٠ص٣٤٢)ولكن الإنصاف يقتضي أن نقرر أن أستاذنا المرحوم الدكتور محمد زكي أبو عامر من خلال بصيرة واعية كان أول من دق ناقوس الخطر بشأن هذه القاعدة ولفت النظر إلى فسادها وقرر أن ما جرى عليه قضاء النقض في هذا الشأن ينطوي علي شيئا عجبا بالاستغناء عن شرط صراحة الاعتراف(د. محمد زكى أبو عامر الاجراءات الجنائية٢٠١٤ص ٧٦٥؛د.محمد زكى أبو عامر الاثبات فى المواد الجنائية ١٩٨٤ص٢١٣وهو ماسبق أن ايدناه فى كتاب تفسير الإجراءات الجنائية. (٥)ولا نبعد عن الحقيقة إذ قررنا أن قول محكمة النقض بأن محكمة الموضوع لا تلتزم بنص الاعتراف وظاهره بل لها أن تستنبط منه الحقيقة بطريقة الاستنتاج وكافة المكنات العقلية مدعاة للقلق الشديد لأن محكمة النقض بذلك تكون قد أعطت للقاضي شيك على بياض بادأنه متهم من خلال أقوال لم تصدر منه مع خلطها بين الاعتراف وقرائن الإثبات وتنازلت عن شروط جوهرية للاعتراف منها كونه صريحا بحيث لا يحتمل التأويل في حق المعترف وأن ينصب الاعتراف على ذات واقعة الاتهام والإدانة لا غيرها من الوقائع. وإذا كان المتهم قد أعترف بارتكاب الجريمة في حق نفسه ونفاها في حق شريكه فما كان يصح أخذ المحكمة المتهم وشريكه بهذا الاعتراف رغم خلو الاعتراف من مساهمة الشريك معه في ارتكاب الجريمة إذ لا يعد ذلك منها تفسير لاعتراف المتهم بل مسخ له وتحريف في فحواه باستخلاص دليل أدانه منه ضد الشريك لم يصدر عن الفاعل. وكذلك الشأن باعتراف المتهم بأنه حينما استغاثة المجني عليها كتم أنفاسها فهذا ليس اعترافا بالقتل من حيث توافر نية القتل وأقصى ما يستفاد منه الضرب المفضي إلى موت. وكذلك الشأن في اعتراف المتهمان من أن قصدهما من الاستيلاء على الملف الضريبي اطلاع المتهم الثالث عليه إذ ليس من المقبول تأويل اعترافهما في هذا الشأن بان قصدهما انصرف إلى الاستيلاء على الملف بغرض أخذ مبلغ الرشوة المتفق عليه. (٦)ولا يصح لمحكمة النقض أن تسمح لمحكمة الموضوع بإعمال العقل والمنطق في استخلاص الاعتراف ولا يجمل بالفقه أن يؤيدها في ذلك ويلتمس لها المعاذير من خلال خلق مصطلح جديد وهو الاعتراف الضمني بل كان من المستحسن نقد القاعدة إذ يلزم دوما ان يكون الفقه رفيق درب النقض لا مجرد تابع لها اذ العدالة شراكه بين الفقه والقضاء.ولا يسوغ فى دوله القانون مسخ وتحريف الاعتراف والخروج به عن مدلوله تحت ستار تفسيره. ولا يقدح قاله إن هذا الاستخلاص تملكه محكمة الموضوع إذ لها أن تفسر اعتراف المتهم إذ عدم التزام نص الاعتراف وظاهرة لا يعد تأويل للاعتراف بل خلق لاعتراف لم يتفوه به المتهم.ولا يقدح أيضا أن تكون الإدانة قائمة على أدلة أخرى غير الاعتراف لان الأدلة حسب ما عودتنا محكمة النقض متساندة ومنها مجتمعه تتكون عقيدة القاضي فإن سقط إحداها أو استبعد تعذر معرفة مبلغ الأثر للدليل المستبعد فيما انتهت إليه المحكمة. كما أن الرأي مستقر منذ زمن على أن سلطة القاضي الجنائي في تفسير الاعتراف تجد حدها فيما إرادة المتهم من اعترافه فلا يجوز للمحكمة تحت ستار تفسير الاعتراف أن تنسب إليه واقعه أخرى لم يقصدها فإن اعترف المتهم المنسوب إليه الاغتصاب بأنه ارتكاب مجرد فعل فاضح فلا يصح للمحكمة أن تفسر اعترافه على أنه اعتراف بالاغتصاب (على زكى العرابي المبادئ الأساسية في الإجراءات الجنائية الجزء الأول ١٩٥٠ص٤٧٥؛ د. محمود نجيب حسني شرح قانون الإجراءات الجنائية ١٩٨٨ص٤٧٤) (٧)ولا يعترض بمبدأ اقتناع القاضي الجنائي إذ هذا المبدأ لا يعنى أبدا تحكم القضاضي اذ ثمه ضوابط تحكم عمله اهمها ان يكون امينا فى تحصيل ادلة الدعوى دون مسخ أوتحريف او بتر لفحواها أواستخلاص واقعه لم يقلها أو يقصدها المتهم إذ الاعتراف يجب أن يرد دوما على الواقعة الإجرامية محل الاتهام لا غيرها مهما كانت وثيقة الصلة بها وإلا عدت قرينه بسيطه في الإثبات أو بالأحرى استخلاص واقعه مجهولة من أخرى معلومة لما بين الواقعتين من تلازم ولكن لا تعد أبدا اعتراف أو إقرار بارتكاب الجريمة مهما اجتهدت محكمة النقض في انتحال المعاذير. وما ينبغى للقضاء وهو الحارس الطبيعى للحقوق والحريات أن يصدم حاسه العدالة بأن يعزوا للمتهم اعتراف لم يصدر منه ولم يقصده وإنما قصد الاقرار بواقعه أخرى ثم كيف يكون حال المتهم وهو يطلع على أسباب الحكم فيري المحكمة تدينه على اعتراف لم يتفوه به لاشك أنه سوف يصاب بخيبه أمل ويترسخ لديه أن محاكمته لم تكن عادلة وان قاضية متحامل عليه واذا كانت النقض تؤيد محاكم الموضوع فى هذا الشأن على اعتبار أن هناك ادله أخرى مع الإعتراف فإنه يجب تصحيح الأمور بإعلان أن ما ارتكنت اليه محكمة الموضوع ليس اعتراف بل قرينه بسيطه تعزز بغيرها من القرائن. وهو ما نتمنى من محكمة النقض ملاحظته مستقبلا حتى يستقيم قضاؤها وألا تترك الحبل على الغارب لقضاه الموضوع فتنتهك قرينة البراءة وتكون أحكام الإدانة ظنية وليس قطعية وهو ما لا يصح مطلقا.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق