مستقبل الطعن بالأستئناف في أحكام محاكم الجنايات بقلم ✍د.ياسر الأمير (١)صدر دستور ٢٠١٤ ونص في المادة ٩٦منه على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه وينظم القانون استئناف الإحكام الصادرة في الجنايات. ولكن نظرا لما يحتاجه استئناف الجنايات من إمكانات مادية ومعنوية نصت المادة ٢٤٠من الدستور على إمهال المشرع العادي عشر سنوات لتنظيم موضوع استئناف الجنايات.وهكذا استجاب المشرع الدستوري لحلم ظل يراود الفقه المصري لعقود طويلة إذ لم يكن مقبولا أبدا أمام خطورة الجنايات وعقوباتها القاسية التي قد تصل إلى الإعدام أن تنظر على درجة واحدة وبخاصة أن الجنح وهي أقل خطورة تنظر على درجتين ولاسيما وأن الطعن بالنقض في أحكام الجنايات ليس درجة ثانية إذ تقتصر رقابة النقض على تطبيق مدى صحة القانون على وقائع الدعوي دون أعاده نظر وفحص هذه الوقائع وهو ما يتسع له الاستئناف.ولقد سبق للمشرع الفرنسي أن أجاز الطعن بالاستئناف في الجنايات منذ زمن كما أن العديد من التشريعات العربيه كالقانون القطرى أجاز الطعن بالاستئناف في الجنايات. (٢)ولكن جاءت خطه الدستور في إمهال المشرع عشر سنوات محل نظر لأنها مدة طويلة جدا. وهو ما دعا الفقه إلى حث المشرع إلى تنظيم الاستئناف قبل حلول الأجل. وبديهي أن حلول الأجل دون تقرير حق الطعن بالاستئناف يصم النصوص المنظمة للاستئناف في قانون الإجراءات الجنائية بعدم الدستورية لإغفالها حق قرره الدستور.أما قبل ذلك فلأسبيل للتمسك بحق الاستئناف في الجنايات مادام أن المشرع العادي لم ينظمه ويقره. (٣)غير أن محكمة النقض كان لها رأي مختلف إذ نعي أحد المتهمين أمام النقض على حكم الجنايات انه أغفل الرد على دفعه بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة ٣٨١اجراءات لمخالفتها للدستور لعدم تقريرها حق الطعن بالاستئناف فرأت النقض أنه دفع ظاهر البطلان لا جناح علي محكمة الجنايات أن التفت عنه إيرادا وردا وأسست النقض الرفض علي سببان الأول:أن مهلة العشر سنوات التي ضربها الدستور لم تكتمل بعض وهذا صحيح من النقض.والسبب الثاني:أنه يلزم صدور قانون ينظم الطعن بالاستئناف إذ الدستور في المادة ٢٢٤ منه نص على أن كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور الدستور تبقى نافذة ولا يجوز تعديلها ولا إلغائها إلا وفقًا للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور وتلتزم الدولة بإصدار القوانين المنفِّذة لأحكام الدستور وكانت المدة التي حدَّدها المشرع الدستوري في المادة ٢٤٠ من الدستور لإعمال الفقرة الثانية من المادة ٩٦ من ذات الدستور بموجب قانون جديد لم تنقضِ بعد ولم يصدر حتى تاريخه تشريع جديد ينظم استئناف الأحكام الصادرة في الجنايات الأمر الذي يكون معه النعي أيضًا واردًا على غير سند من الجد، ومن ثم يكون النعي بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة ٣٨١ من قانون الإجراءات الجنائية واردًا على غير محل عارٍ من سنده بما يستوجب الرفض لعدم جديته، بل ولا تلتزم المحكمة حتى بالرد عليه، باعتبارها دفوعًا قانونية ظاهرة البطلان(الطعن رقم ٢٩٦٥٨ لسنة ٨٦ قضائية جلسة ٢٠١٧/٠٦/٠٧)وقضت أيضا قبل ذلك بأن ما يثيره الطاعن بشأن الدستور الجديد فيما تَضمنه من جعل المُحَاكمة في الجنايات على درجتين مما يبيح له التقرير بالاستئناف على الحُكم الصادر قِبَله، فمردود بأن ما تَضْمَنهُ الدستور في هذا الشأن لا يُفيد وجوب تطبيق هذا التعديل إلا باستجابة المُشرع وَالتَّدَخُّل منه لإفراغ ما تضمنه في نص تشريعي محدد ومنضبط ينقله إلى مجال العمل والتنفيذ يلتزم الكافة بمقتضاه بدءاً من التاريخ الذي تُحدده اَلسُّلْطَة التشريعية لسريان أحكامه، ومن ثم يكون هذا الوجه من النعي على الحُكم بالخطأ في تطبيق القانون ولا سند له(الطعن٩٨٣٥لسنة ٨٣قضائيةجلسة٢٠١٤/١٠/٨). (٤)وهذا القضاء صحيح في فيما قرره من أن عدم مرور المده لا يبيح الطعن بعدم الدستورية ولكنه محل نظر في لزوم استجابة المشرع لهذا التنظيم إذ لا يملك المشرع العادي تعطيل حق أقره الدستور بالتقاعس عن تنظيمه وإلا كان لصاحب الشأن الطعن بعدم الدستورية لإغفال المشرع حق قرره الدستور بغض النظر عما إذا كان هذا الحق قابل للأعمال المباشر أم يلزم تدخل المشرع العادي لإنفاذه ذلك أن الحقوق تلقي مظلة حمايتها من الدستور ذاته وما القانون إلا وسيلة لتنظيمها ومن ثم فمجرد مرور مده العشر سنوات المقررة في الدستور دون تنظيم المشرع حق استئناف أحكام الجنايات يفتح الباب أمام كل ذي مصلحة فى أن يطعن بعدم الدستورية من زاوية الإغفال التشريعي إذ لا يملك المشرع وقف تنفيذ حق قرره الدستور من خلال امتناعه عن تنظيم الحق بعد أن قرره الدستور وهذا ماسبق أن قضت به المحكمة الدستورية العليا مرارا وتكرارا(حكم المحكمة الدستورية العليا في ١٩٩٤/١٠/١ مجموعة أحكام المحكمة ج١ رقم٢٨ ص٣٥٨؛ وحكمها في ١٩٩٨/٣/١٩ القضية رقم ١٦٢ لسنة ١٩ق؛ وحكمها في ١٩٩٣/٣/٢٠ ج٥ المجلد الثاني رقم ١٩ ص ٢٢٦وحكمها في ١٩٩٩/١/٢ مجموعة أحكام المحكمة ج٩رقم ١٦ ص١١٧؛ وحكمها في ١٩٩٦/١/٦ ج٧ رقم٢٠ ص١٤٧؛ وحكمها في ١٩٩٥/١٢/٢ ج٧ رقم١٧ ص٢٩٧؛ وحكمها في ٢٠٠٧/١٢/٢ القضية رقم ٦٣ لسنة ٢٦ق؛ وحكمها في ٢٠١٦/٣/٥ القضية رقم ٥٦ لسنة ٣٢ق دستورية) ولا يقدح أن تقرر النقض أن الدستور نص على نفاذ كافة التشريعات السابقة على إصدارة إذ ذلك ينصرف فحسب إلى التشريعات المتفقه مع الدستور اما التشريعات المخالفة فلا يمتد إليها النص وإلا كانت رقابة الدستورية تحصيل حاصل فهذه الرقابة لا تقتصر على التشريعات التى تسن بعد نفاذ الدستور فقط بل تمتد إلى التشريعات السابقه أيضا وهو ما استقر عليه الفقه والقضاء وسبق أن بسطنا أساسه وسنده فى كتاب الدستور والإجراءات الجنائية.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق