إشكالية إعادة المحاكمة عند الامتناع عن سداد النفقات في ضوء المادتين 76 مكررا من القانون رقم 1 لسنه 2000 و293 من قانون العقوبات: بقلم ✍د. ياسر الأمير (١)الأسرة هي الوحدة الأساسية التي يتكوّن منها المجتمع، وكلّما كانت الأسرة قوية ومتماسكة كلما ساعد ذلك على بناء مجتمع واعي ومزدهر، ولما كان الزوجين هما من يترأسان الأسرة كان لا بد من أن تتميز علاقتهم بالتفاهم والمحبة حتى يؤمنان بيئة مريحة تساعد على تربية أطفالهم بشكل سليم، ولكن للأسف في الآونة الأخيرة ارتفعت معدلات الخلافات بين الزوجين والطلاق في مصر مما تسبب في تشتّت الأسر وضياع الأطفال، الناجم عن القيام بتصرفات مرفوضة اِجْتِمَاعِيًّا كالضرب، وتوجيه الشتائم، والاعتداء المعنوي، والخيانة والامتناع عن الإنفاق ومصدر تلك الخلافات في الأصل اختلاف الطباع بين الزوجين بما يجعلهم كالأقطاب المتنافرة فضلا عن قلّة الموارد المالية وتدخّل الأهل في حياة الزوجين وقلّة الاهتمام. ولقد حاول المشرع التدخل للحد من الإثارة السيئة المترتبة على التفكك الأسري لدرجة تقرير حبس الأب أو بالأحرى الزوج الممتنع عن أداء نفقات الزوجية والأطفال والأجور. (٢)فنص في المادة 293 من قانون العقوبات على أن كل من صدر عليه حكم قضائي واجب النفاذ بدفع نفقة لزوجه أو أقاربه أو أصهاره أو أجرة حضانة أو رضاعة أو مسكن وامتنع عن الدفع مع قدرته عليه مدة ثلاثة شهور بعد التنبيه عليه بالدفع يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. ولا ترفع الدعوى عليه إلا بناءً على شكوى من صاحب الشأن. وإذا رفعت بعد الحكم عليه دعوى ثانية عن هذه الجريمة فتكون عقوبته الحبس مدة لا تزيد على سنة. وفي جميع الأحوال إذا أدى المحكوم عليه ما تجمد في ذمته أو قدم كفيلاً يقبله صاحب الشأن فلا تنفذ العقوبة. ولكن بمقتضى القانون رقم1 لسنة 200 نصت المادة 76مكررا منه على أنه إذا امتنع المحكوم عليه عن تنفيذ الحكم النهائي الصادر في دعاوى النفقات جاز للمحكوم له أن يرفع الأمر إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو التي يجرى التنفيذ بدائرتها، ومتى ثبت لديها أن المحكوم عليه قادر على القيام بأداء ما حكم به وأمرته بالأداء ولم يمتثل حكمت بحبسة مدة لا تزيد عن ثلاثين يوما. على أنه لا يجوز في الأحوال التي تطبق فيها هذه المادة السير في الإجراءات المنصوص عليها في المادة 293 من قانون العقوبات ما لم يكن المحكوم له قد استنفد الإجراءات المشار إليها في الفقرة الأولى. ولقد أثير تساؤول في هذا الشأن حول جواز إعادة محاكمة المحكوم عليه في دعوى حبس للامتناع عن أداء دين نفقة وفقا للمادة 76مكررا أمام القضاء الجنائي والحكم عليه طبقا للمادة 293عقوبات؟ (٣)فذهب رأي إلى جواز ذلك وبغض النظر عما إذا كان حكم الحبس الصادر في دعوى الحبس طبقا للمادة 76مكررا من القانون رقم 1 لسنه 200 قد نفذ على المحكوم ضده من عدمه! كل ما في الأمر أنه في حالة التنفيذ تستنزل مده الحبس المحكوم بها في دعوى الحبس من مدة الحبس التي قد يحكم بها القاضي الجنائي طبقا للمادة 293عقوبات(أنظر في هذا الرأي المستشار أشرف مصطفى كمال-المشكلات العملية في قوانين الأحوال الشخصية- الكتاب الثالث- الطبعة الخامسة عشر2017: 2018-ص 164: 165)وسند هذا الرأي ظاهر نص الفقرة الثانية من المادة 76 مكرر ا من قانون رقم 1 لسنه 200 المضافه بالقانون رقم 91 لسنه 200 إذ نصت على أنه لا يجوز في الاحوال التى تطبق فيها هذه المادة(المادة 76مكررا) السير في الاجراءات المنصوص عليها في الماده 293 من قانون العقوبات ما لم يكن المحكوم له قد استنفد الاجراءات المشار اليها في الفقره الاولى من المادة 76مكررا. وهذه الإجراءات هي أنه إذا امتنع المحكوم عليه عن تنفيذ الحكم النهائي الصادر في دعاوى النفقات جاز للمحكوم له أن يرفع الأمر إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو التي يجرى التنفيذ بدائرتها، ومتى ثبت لديها أن المحكوم عليه قادر على القيام بأداء ما حكم به وأمارته بالأداء ولم يمتثل حكمت بحبسة مدة لا تزيد عن ثلاثين يوما. (٤)وهذا الرأي غير صحيح إذ ينطوي على تأويل خاطئ للفقرة الثانية من المادة 76 مكرر من القانون رقم 1 لسنه 200 فهذه المادة بصريح لفظها استبعدت في شطرها الأول تطبيق المادة 93 عقوبات في الأحوال التي تطبق فيها دعوى الحبس للامتناع عن سداد النفقات وذلك بقولها لا يجوز في الأحوال التي تطبق فيها الفقرة الأولى منها(أي المادة 76 مكرر المتعلقة بالحبس في النفقات) السير في الإجراءات المنصوص عليها في المادة 293 عقوبات. ثم تحفظت ذات الفقرة من المادة 76مكررا في شطرها الثاني واستثنت من استبعاد تطبيق المادة 293 عقوبات الأحوال التي لا يكون المحكوم له بالنفقة قد لجأ إلى دعوه الحبس وفقا للفقرة الأولى من المادة 76 مكررا. بما يعنى بمفهوم المخالفة أنه إذا لجأ إلى دعوى الحبس لا تطبق المادة 293عقوبات. وهذا التأويل ينسجم مع قاعدة بديهية حاصلها أنه لا يجوز معاقبة الشخص الواحد عن ذات الفعل مرتين. ولا دلالة للفقرة الثانية من المادة 76 مكررا في جواز إعادة محاكمة المحكوم عليه في دعوى حبس للامتناع عن أداء دين نفقة أمام القضاء الجنائي والحكم عليه طبقا للمادة 293عقوبات فالتشدق بها في هذا الشأن ينطوي على صرف لها إلى غير مصرفها فكل ما قصده المشرع منها منع ازدواج العقاب عن ذات الفعل مرتين وليس العكس كما ذهب الرأي المخالف. (٥)كل ما فى الأمر أن المشرع تحسب للحالة التي يحكم فيها على المحكوم عليه بالحبس طبقا للمادة 76مكررا ثم يلجأ المحكوم له دون علم المحكوم عليه أو المحكمة الجنائية إلى شكاية المحكوم عليه مرة أخرى طبقا للمادة 293عقوبات فيصدر ضده حكم بالحبس من محكمة الجنح وأوجب في هذه الحالة استنزال مده الحبس المقضي بها في دعوى الحبس وفقا للمادة 76 مكررا من العقوبة المحكوم بها طبقا للمادة 293 من قانون العقوبات.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية
الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن
جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها
بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١
لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة
٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات
بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة
أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا
القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال
ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها
ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠
ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت
ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي
قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من
قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو
غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت
يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها
على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة
عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة
أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة
وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة
٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم
به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة
الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه
تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣
583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط
لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون
رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد
الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها
ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام
استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو
سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات
المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال
خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك
لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق
أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً
لإشرافها أو لإدارتها: (أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية. (ب) الهيئات العامة
والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام. (ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة
له*. (د) النقابات والاتحادات. (هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية. (ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي
تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة. (ح) أية جهة أخرى ينص
القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة. ولقد كان رائد المشرع في هذه
التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن
تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق