طريقة رفع الدعوى الجنائية عن جرائم الموظفين العموميين في ضوء قضاء النقض بقلم ✍د. ياسر الأمير (١)من المعلوم أن الدعوى الجنائية ترفع في مواد الجنح من خلال ورقة التكليف بالحضور وإعلانها بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة أو المدعي بالحق المدني بعكس مواد الجنايات إذ ترفع بمقتض أمر أحاله من المحامي العام المختص. هذا ولقد أضفى المشرع على الموظف العام حماية إجرائية تتمثل في حظر رفع الدعوى الجنائية ضده عن جناية أو جنحة وقعت منه أثناء أو بمناسبة تأدية وظيفته إلا من النيابة العامة ولم يكتف المشرع بذلك بل قصر رفع الدعوى الجنائية على النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة وإذا كانت الجريمة هي الأضرار غير العمدي بالمال العام فلا ترفع الدعوى عنها إلا من النائب العام أو المحامي العام الأول بما يعنى حظر الادعاء المباشر وبطلان رفع الدعوى أن باشره وكيل أو مساعد نيابة. إذ نصت المادة٢٣٢علي أن ومع ذلك فلا يجوز للمدعى بالحقوق المدنية أن يرفع الدعوى إلى المحكمة بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها إذا كانت الدعوى موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة ١٢٣ من قانون العقوبات ونصت المادة ٦٣علي أن وفيما عدا الجرائم المشار إليها في المادة١٢٣ من قانون العقوبات لا يجوز لغير النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة رفع الدعوى الجنائية ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجناية أو جنحة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها ونصت المادة ٨ مكررا على أنه لا يجوز رفع الدعوى الجنائية في الجرائم المنصوص عليها في المادة ١١٦مكررا ١من قانون العقوبات إلا من النائب العام أو المحامي العام. ولقد قيل في تبرير تلك الحماية الإجرائية أن الغرض منها خشيه تليق التهم للموظف مما يثنيه عن عمله. وهي مبررات في نظرنا واهية إذ الغرض الحقيقي وراء إيثار الموظف العام بهذه الحماية يرجع إلى خشية الحكومات المتعاقبة من مسألة موظفيها جنائيا وهم يدها العليافحرصت على وضع أمر رفع الدعوى في هذه الحالة بيد فئة بعينها من أعضاء النيابة العامة ظننا منها أنه يمكن التأثير عليهم بغض الطرف عن رفع الدعوى على الموظف. (٢)وبغض النظر عن الجدل الدائر حول إيثار الموظف العام بهذه الحماية الإجرائية ومدى اخلالها بمبدأ المساواة أمام القانون(أنظر د.محمد زكى أبو عامر الحماية الإجرائية للموظف العام ١٩٨١ص٥٧؛د.رمسيس بهنام قانون العقوبات جرائمه الخاصة ٢٠٠٠ص٥٦٧؛د.حسن المرصفاوى أصول الاجراءات الجنائية ٢٠٠٠ص٦٥؛د.عبد العظيم وزير الجوانب الإجرائية لجرائم الموظفين والقائمين بأعباء السلطة العامة ١٩٨٧ص٣٤٥)ومدي دستوريتها(د.ياسر الأمير الدستور والإجراءات الجنائية ٢٠١٩ص٢٣١ وكونها اصبحت فى محفوظات التاريخ فى النظم الإجرائية المعاصرة كالقانون الفرنسي الذي ألغى أى عقبات إجرائية لملاحقة عموم الموظفين عن جرائمهم ما عدا بعض موظفى كبار الدولة Stefani Levasseur et Boloc"procedure penale"1990 No422;Merle et Vitu"Traite de droit criminel procédures penale 1979 No 1012;Pradel"procedure penal 1990 p180De Vabres Traite de droit criminel 1947 No 267;Merl et Viut "Traite de droit criminel t1 1979 No476. فقد أثير تساؤول في هذا الشأن حول المقصود برفع الدعوي وبعبارة أخرى هل يكفي أن يأذن النائب العام برفع الدعوى أم يلزم أن يباشر إجراءات الرفع بنفسه فى الجنح من تحرير ورقه التكليف بالحضور المتضمنة القيد والوصف والاتهام ؟ (٣)نبادر فنقرر أن محكمة النقض أعطت لرفع الدعوى عن الجرائم التي تقع من موظف عام مفهوم متواضع للغاية يختلف عن معناه ويقترب من مفهوم الإذن الذي يتطلبه القانون لتحريك ورفع الدعوى عن جرائم القضاة وأعضاء السلطة التشريعية إذ جرى قضاؤها على أنه يكفي أن يأذن النائب العام أو المحامي العام برفع الدعوى في هذه الحالة ثم يتولى أي عضو نيابة عامه إجراءات رفع الدعوى من تحرير ورقه التكليف بالحضور المتضمنة القيد والوصف وإعلانها وفي ذلك تقول لما كان الحكم قد رد على دفع الطاعن بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون طبقاً لنص المادة ٨مكرراً إجراءات جنائية، وكان ما أورده الحكم كافياً وسائغاً في أتراحه ذلك أن الثابت من الأوراق أن النائب العام قد أذن برفع الدعوى قِبل المتهمين فإنه لا تثريب على وكيل النيابة المختص إن هو أمر بعد ذلك بتحديد الجلسة التي تطرح فيها القضية على المحكمة وباشر إجراءاتها بنفسه بفرض صحة ذلك ويكون النعي على الحكم بالبطلان لهذا السبب ليس له محل(الطعن رقم٩٨٣١لسنه ٧٣قضائية جلسة ٢٠١٤/١٠/٢٦؛ الطعن رقم ١٣٥٦٣ لسنة ٦٢ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠٠٢/٠٢/٠٧؛ الطعن رقم ١٣٤٢٧لسنة ٦١قضائية جلسة ٢٠٠٢/٤/١ الطعن رقم ٢٩٧٥٢لسنة ٧٣قضائية جلسة ١٩٩٦/١١/١٠ويورد جانب من الفقه أحكام النقض دون تحفظ(د. مأمون سلامة الإجراءات الجنائية في التشريع المصري الجزء الأول ٢٠٠٨ ص٤٦٥؛ د. محمد زكي أبو عامر الإجراءات الجنائية٢٠١٤ص٢٣٤؛ د. سليمان عبد المنعم أحاله الدعوى الجنائيه١٩٩٩ ص٢٤٣) (٤)وهذا القضاء محل نظر إذ يخلط ما بين رفع الدعوى الجنائية والأذن برفعها في حين أن الإذن قيد إجرائي علي سلطة النيابة العامة يمنعها من رفع الدعوى أو اتخاذ إجراء فيها إلا بعد صدور الإذن من الجهة التي تملكه كما هو الحال في جرائم القضاة وأعضاء مجلس النواب فإذا قدم الإذن تحررت النيابة من قيدها. وليس الحال كذلك في جرائم الوظيفة العامة إذ حدد المشرع اختصاص وظيفي محدد تطلب فيمن يرفعها بل ضيق هذا الاختصاص أن كانت الجريمة الضرر غير العمدي بالمال العام. والغريب أن محكمة وعت تلك التفرقة حين قضت أن مقتض نص المادة ٨مكررا تحديد اختصاص وظيفي فيمن له رفع الدعوى الجنائية عن جريمة الإضرار غير العمدي من بين أعضاء النيابة العامة إذ يلزم أن ترفع من النائب العام أو المحامي العام الأول وبالتالي لا يعد تحديد هذا الاختصاص قيدا على النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية وإنما يحدد اختصاصا وظيفيا للنائب العام والمحامي العام لا يصح أن يباشره غيرهما من أعضاء النيابة العامة(الطعن رقم ٢٢٤١٦ لسنة ٧٠قضائيةالصادر بجلسة ٢٠٠١/٠٢/١٩)مما كان يحتم على النقض ألا تكتفى بإذن النائب العام أو المحامي العام أو ورئيس النيابة العامة وأن تشترط أن يباشر من حدده القانون اختصاصه بنفسه فيلزم أن يحرر المحامي العام أو النائب العام أو رئيس النيابة بنفسه ورقه التكليف بالحضور المشتملة على وصف التهمه ومواد العقاب والواقعة المسندة إلى المتهم ولا يكفي أن يأذن لغيره من أعضاء النيابة بذلك فما إلي ذلك قصد المشرع الذي استهدف بالنص حماية الموظف العام بأن يخط من عينه بالذكر(محام عام- النائب العام-رئيس نيابة) بيده ورقه التكليف بالحضور للتحقق من الإحاطة بالواقعة محل الاتهام من واقع التفرس في الأوراق ليزن بالقسط ما إذا كانت تستأهل المحاكمة الجنائية من عدمه بما يطمئن الموظف العام من أن رفع الدعوى ضده في يد أمينه وخبيره فلا يثنيه خوفه من العقاب من الضلوع بالعمل لأن أي عمل احتمالات الخطأ فيه وارده. أما مجرد الإذن برفع الدعوى بناء على مذكرة حررها عضو نيابة وتعبر عن رأيه الشخصي فلا يتاح للنائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة استخلاص الواقعة بنفسه فيكون رفع الدعوى في النهاية بيد من حرر مذكرة الإذن وليس من أصدر الإذن. (٥)ولهذا حرص المشرع على اختيار مصطلح رفع الدعوى وتحاش لفظ الإذن والقاعدة أنه لا محل للاجتهاد مع صراحة النص وأنه متى أورد المشرع مصطلح أو لفظ معين وجب صرفه إلى ما قصده المشرع ولا يجوز تجاهله وإحلال مصطلح آخر محله وإلا خرج القضاء عن دوره في تطبيق القانون والاستدراك علي المشرع بتعديل القانون وهو ما لا يقبل في دوله قانونية تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات. (٦)وجديرا بالذكر أن الموظف العام في حكم المادة ٣/٦٣ إجراءات جنائية هو كل من يعمل في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام طبقا لمفهوم القانون الإداري وليس مفهوم قانون العقوبات المتسع في جرائم الرشوة واختلاس المال العام والعدوان عليه مادام أن المشرع لم يعط معنى مختلف للموظف العام بصدد الحماية الإجرائية إذ معنى ذلك أنه قصد الموظف العام بالمعنى الدقيق الوارد في القانون الإداري وقالت النقض في ذلك وبحق أن المشرع كلما رأى اعتبار أشخاص معينين في حكم الموظفين العامين في موطن ما أورد به نصاً، كالشأن في جرائم الرشوة واختلاس الأموال الأميرية والتسبب بالخطأ الجسيم في إلحاق ضرر جسيم بالأموال وغيرها من الجرائم الواردة في البابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات حين أضاف بالقانون رقم ١٢٠ لسنة١٩٦٢إلى المادة ١١١من قانون العقوبات فقرة نصت على أن يعد في حكم الموظفين العموميين في تطبيق نصوص الجرائم المشار إليها مستخدمو الشركات التي تساهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بنصيب ما بأي صفة كانت تجعل هؤلاء العاملين في حكم الموظفين العموميين في هذا المجال فحسب دون سواه فلا يجاوزه إلى مجال الفقرة الثالثة في المادة ٦٣من قانون الإجراءات الجنائية فيما أسبغته من حماية خاصة على الموظف أو المستخدم العام لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعنة تعمل عضو بمجلس إدارة بنك التنمية الصناعي - وهو شركة مساهمة حسبما ورد بالمادة الأولى من قرار وزير المالية رقم ٦٥ لسنة ١٩٧٥ فإن ما نسب إلى الطاعنة من ارتكابها جريمتي البلاغ الكاذب والقذف في حق المطعون ضده بحكم عملها لا تنعطف عليه الحماية المقررة في الفقرة الثالثة من المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية ويكون منعي الطاعنة في هذا الشأن غير سديد(الطعن رقم ٧٢٦٨ لسنة ٦٣جلسة ٢٠٠٣/١/١٥)
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق