نظرية الضرورة الإجرائية وضمانات المتهمين في ضوء قضاء النقض دراسة وصفية نقدية بقلم ✍د. ياسر الأمير (١)من المعلوم أن قانون الإجراءات الجنائية يهدف إلى إيجاد نوع من التوازن بين حق الدولة في العقاب من خلال السماح لسلطات التحقيق بتقييد حقوق الإنسان وحرياته بغيه كشف الحقيقة في شأن الجريمة والتوصل إلى مرتكبيها وإنزال العقاب بهم وفي ذات الوقت الحفاظ على حق الإنسان في صيانة حقوقه وحرياته دون عسف أو جور ويتم هذا التوازن من خلال الضمانات التي يضعها المشرع لشرعية المساس بهذه الحرية أو بالأحرى الشروط الواجب توافرها لإمكانية المساس بهذه الحرية بحيث إن لم تراع هذه الشروط كان العمل باطل فلا يعتد به ولا بما أسفر عنه من نتائج. ولهذا كانت فلسفة قانون الإجراءات الجنائية صيانة أشراف الناس التي شاءت المقادير أن توجه إليهم أصابع الاتهام Stefani et Levasser proceduer penal Paris 1971p420: Desportes. et Franchise le Gunehec traite de droit pénal General 2013p130; Serge et Jacquees procedure penal 2013p415 (٢)غير أن محكمة النقض تبنه نظرية أطلقت عليها نظرية الضرورة الإجرائية وحاصلها إمكانية مباشرة إجراء جنائي دون توافر شروط صحته متى توافر لدى القائم بالإجراء ظرف اضطراري مفاجئ أو كان مباشرة الإجراء الذي توافرت شروط صحته يقتضي بحكم اللزوم لدى القائم بالإجراء مباشرة إجراء آخر لم تتوافر شروط صحته بحيث يعتبر الإجراء الاضطراري أو الآخر صحيح رغم تخلف شروط صحته وهي نظرية في تقديرنا لا تستقيم أبدا مع فلسفة قانون الإجراءات الجنائية على النحو المار ذكره وتنتهك مبدأ الشرعية الإجرائية الجنائية كما سوف نرى لاحقا اللهم إلا إذا وجد نص صريح بها إذ تجد عندئذ مبررها في قاعدة أصولية سبق أن أوضحناها في كتاب تفسير الإجراءات الجنائية حاصلها تحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام فكل فرد في المجتمع من واجبه أن يتحمل ما يصيبه من ضرر خاص متمثل في النيل من حقوقه وحرياته من أجل دفع الضرر العام المتمثل في مكافحة الجريمة والحفاظ على أمن المجتمع وأمانة(د. ياسر الأمير تفسير الإجراءات الجنائية ٢٠١٥ص٢٦٧وهذة القاعدة لا يملك تقريريها سوى المشرع وبنصوص خاصة لأنها على خلاف الأصل القاضي ببراءة المتهم حتى تثبت إدانته. وقد قررها المشرع في العديد من نصوصه مثل إحضار وتسليم المتهم المتلبس بالجريمة بمعرفة آحاد الناس(م. ٣٨اجراءات)واستجواب المتهم دون دعوة محامية عند الخوف من ضياع الأدلة أو عند التلبس (م.١٢٤اجراءات)وسلطة المندوب في مباشرة إجراء غير الإجراء المندوب له وأن يستجوب المتهم في الأحوال التي يخشى فيها فوات الوقت متى كان متصلا بالعمل المندوب له ولازما في كشف الحقيقة(م.٧١اجراءات)وإجراء التحقيق في غيبة المتهم عند الضرورة والاستعجال(م٧٧اجراءات) ولقد سبق أن تناولنا تطبيقات النظرية فى كتب متفرقة كلما لزم الأمر ثم فى دراسة متخصصه بعنوان نظرية الضرورة الإجرائية.ونستعرض في المقال الراهن بعض تطبيقات نظرية الضرورة الإجرائية في أحكام النقض وتقديرها ثم بيان رأينا الخاص في النظرية. (٣)من تطبيقات نظرية الضرورة الإجرائية في قضاء النقض ما أستقر عليه قضائها من صحة تجاوز رجل الضبط القضائي لحدود اختصاصه المكاني لضبط المتهم وتفتيشه وتصف ذلك بانة ظرف اضطراري تبرره الضرورة(الطعن رقم ٤٦٧٩٣ لسنة ٧٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٠/١٢/٠٦؛ الطعن رقم ٥٩٢٨٣ لسنة ٧٣قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٠/٠٢/٢١)وكذلك سلطة المحقق في استجواب المتهم دون محام بسند الضرورة لغلق نقابة المحامين(الطعن رقم ١٠٠١٧ لسنة ٨٨ قضائية الصادر بجلسة٢٠١٩/١٠/١٠طعن رقم ١٤٤٨٩ لسنة ٨٧ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٦/٢٣)أولان المتهم معترف بالاتهام والوقت متأخر (الطعن رقم ٩٧لسنة٨٠قضائية جلسة ٢٠١١/٠٧/١٦ وأيضا إجازة للمحقق الاستعانة بأي رجل من رجال السلطة لكتابة محضر التحقيق عند غياب سكرتير التحقيق للضرورة نقض١٩٥٢/١١/٢٤مجموعة أحكام النقض س٤رقم ٥٥ ص١٣٥ وأيضا يقر القضاء تمديد وتجديد الحبس الاحتياطي دون حضور وسماع أقوال المتهم إن تعذر حضوره لأسباب أمنية أو لوجود اضطرابات وأزمات دون فحص كل حالة على حد واستطلاع صالح المتهم في عدم الحضور من محبسه د. ياسر الأمير الحبس الاحتياطي علما وعملا٢٠١٨ص٣٧٦). (٤)وقضت أيضا تطبيقا للنظرية أنه متى بدأ وكيل النيابة المختص في إجراءات التحقيق بدائرة اختصاصه المكاني ثم استوجبت ظروف التحقيقومقتضياته متابعة الإجراءات وامتدادها إلى خارج تلك الدائرة فيجوز له أن يتعقب المتهم وأن يتابع التحقيق في أي مكان آخر ولو تجاوز دائرة اختصاصه المكاني الطعن رقم ٤٦٢٩٩ لسنة ٨٥ قضائيةجلسة ٢٠١٧/١٠/١٨؛ الطعن رقم ٤٨٨٢٧لسنة ٧٣قضائية الصادر بجلسة ٢٠٠٤/١٢/١٩ وهو ما يؤيده جانب من الفقه بسند أن هذا الخروج لا يعد استثناء من أصل لأن المعول عليه ثبوت الاختصاص ابتدائا فمتى ثبت اتسع وكان للمحقق أن يباشر إجراءات التحقيق خارج دائرة اختصاصه(د. أحمد فتحي سرور الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية ١٩٨٠ص٩٤٠وهو ما نراه محل نظر لأن قواعد الاختصاص متعلقة بالنظام العام وثبوت الاختصاص لا يعنى إضافة اختصاص آخر جديد. بل إن هذا التجاوز في الاختصاص يخالف نص المادة ٧٠ إجراءات التي نصت على أن لقاضي التحقيق أن يكلف أحد أعضاء النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي القيام بعمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق عدا استجواب المتهم. وله إذا دعت الحال لاتخاذ إجراء من الإجراءات خارج دائرة اختصاصه أن يُكَلِّف به قاضي محكمة الجهة أو أحد أعضاء النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي بها. وللقاضي المندوب أن يكلف بذلك عند الضرورة أحد أعضاء النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي طبقاً للفقرة الأولى. فهذه المادة بمفهوم المخالفة تحظر على قاضي التحقيق تجاوز اختصاصه وتلزمه بندب قاضي الجهة المختصة لاتخاذ الإجراء الخارج عن اختصاصه بما يعنى أن محكمة النقض في تطبيق نظرية الضرورة الإجرائية أهدرت نصوص صريحة. (٥)ومن تطبيقات النظرية أيضا ما جرى عليه قضاء النقض من جواز استماع أو بالأحرى تنصت رجال الضبط القضائي على الأحاديث المندوب لتسجيلها وكذا فرزها وتفريغها بعد الانتهاء من التسجيل مادامت الأحاديث المسجلة مأذوناً بها قانوناً ورأى رجل الضبط القضائي أن الاستماع ضروري لاستكمال إجراءاته وهو على بينة من أمره(الطعن رقم ٧٩٥٤ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة٢٠١٦/١٢/١٠؛ نقض١٩٩٩/١١/٩ الطعن رقم ٢١٤٥٩لسنة ٦٧ق؛ نقض١٩٩٤/٢/٣مجموعة أحكام النقض س ٤٥رقم ٢٠ ص١٣١)حال أن المشرع في المادتين ٢٠٦و٩٥ إجراءات أجاز مراقبة المحادثات بمعنى التنصت وتسجيلها والزم في المادة ٧٠ المحقق بتحديد الإجراء محل الندب والزم في المادة ٧١ المندوب بأن يقتصر على تنفيذ الإجراء محل الندب فإن ندب للتسجيل لم يجز له التنصت والعكس صحيح فضلا عن أن مقتضى المادتين ٩٧و٢٠٦ إجراءات قصر حق الاطلاع علي التسجيلات المضبوطة على قاض التحقيق وحده وكلمه وحده تعني حظر ندب أحد أعضاء الضبط القضائي للاطلاع من خلال الفرز والتفريغ وكذلك الشأن بالنسبةللقاض الجزئي حينما يأذن للنيابة العامة بالتسجيل إذ خول له القانون فحسب عند الضرورة أن يكلف أحد أعضاء النيابة العامة بفرز التسجيلات. ومن ثم فإن سلطة التحقيق ولئن كانت تملك ندب أحد أعضاء الضبط القضائي لتسجيل أو مراقبة المحادثات الخاصة إلا أنها لأتملك ندب أحد منهم للاطلاع والفرز والتفريغ. وعله حظر الندب هنا ليس انتفاء الضرورة فحسب وإنما أيضا تحقيقا للسرية لتعلق مصالح غير المتهم الذي يحادث المتهم بالتسجيلات إذ قد تكون بعض المحادثات المسجلة لأشان لها بالجريمة وتعسف بالحياة الخاصة لغير المتهم أو المتهم ذاته مما يقتض استبعادها من التفريغ عند الفرز والمنوط به ذلك هو المحقق وليس رجل الضبط القضائي إذ الأول احرص علي أسرار الناس واعلم بما يفيد التحقيق من أحاديث من عدمه(د.ياسر الأمير مراقبة الأحاديث الخاصة في الإجراءات الجنائية ٢٠٠٩ص٧٦٥)وهو ما لم تلاحظه محكمة النقض فخالفت نصوص صريحة بتبني نظرية محل نظر. (٦)ومن تطبيقات النظرية كذلك في قضاء النقض ما ذهبت إليه من أن صدور إذن بضبط وإحضار المتهم يجيز لرجل الضبط القضائي دخول مسكنة بغيه ضبطه(الطعن رقم ٤١٢٨ لسنة ٦٧ قضائيةالصادر بجلسة ١٩٩٩/٠٢/٠٧)وأن صدور إذن بتفتيش شخص يجيز دخول منزله لتنفيذ الإذن ولو لم يتضمن الإذن دخول المنزل واصفة النقض هذا الدخول بأنه عمل مادي اقتضته الضرورة وهو مباح طبقا للمادة ٤٥ إجراءات التي سمحت لرجال السلطة العامة بهذا الدخول عند طلبالمساعدةطلب المساعدةطلبا لمساعدة والحريق والغرق وما شابه ذلك إذ ترى النقض أن عله أجاز الدخول في النص حالة الضرورة ومن ثم صح عند النقض مد الحكم وهو الدخول عند تعقب متهم صدر إذن بضبطه وتفتيشه(الطعن رقم ٣٥١٤٣ لسنة ٦٩ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠٠٧/١٠/٠٢؛الطعن رقم ٩٣١٤ لسنة ٧٠ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠٠٧/٠٩/١٣ ولكن فات محكمة النقض انتفاء شروط الضرورة في حالة دخول المنازل لضبط متهم وتفتيشه إذ الضرورة تفترض أن يكون فعل الدخول هو الوسيلة الوحيدة لدرء الخطر وهو فرار المتهم وهومنحسر في هذه الحالة إذ يصح دوما تنفيذ الضبط والتفتيش دون دخول المنازل بمحاصرة منافذ المنزل واستصدار أمر قضائي مسبب بدخول المنزل. وما نراه أن القياس الذي أجرته محكمة النقض فاسد لأن عله أجازه دخول المنازل في المادة ٤٥اجراءات ليس مطلق الضرورة وإنما فقط الضرورة التي تدفع خطر حال بالمتهم صاحب المنزل بحسب الأمثلة التي أوردتها هذه المادة ولما كان دخول منزل المتهم للقبض عليه وتفتيشه لايدفعلا يدفعليدفع عنه خطر بل على العكس يجلب خطر تفتيشه وإدانته بما قد يسفر عنه التفتيش لذا فإن القياس يحظر لعدم اتحاد العلة. والخلاصة هنا أنه لا يجوز اقتحام المنازل للقبض على المتهم ولو كان هناك أمر قضائي بالقبض عليه لانتفاء التلازم بين القبض ودخول المنازل إذ القبض لا يقتضي بحكم اللزوم دخول المنزل وإنما يلزم دوما صدور أمر قضائي مسبب بالدخول للقبض على المتهم. ولعل مما يؤكد وجه نظرنا أن اتهام شخص بجريمة وصدور أمر بالقبض ضده لا يبيح انتهاك حرمه منزله إذ إن حرمه المنزل مستقلة عن شخص صاحبه. (٧)ومن تطبيقات نظرية الضرورة الإجرائية أيضا في قضاء النقض ما جرى به قضاؤها من أن إذن التفتيش يبيح لرجل الضبط القضائي القائم بتنفيذه تقييد حرية المتهم أو بالأحرى القبض عليه لتنفيذ التفتيش ولو لم يصرح الأمر بالتفتيش بضبط المتهم لما بين الإجراءين من تلازم بغض النظر عما إذا كان المتهم أبدى مقاومة أو حاول الهرب من عدمه(نقض ١٩٧٥/٦/٣مجموعة أحكام النقض س ٨رقم ١٦٢ص٥٩٠؛ نقض ١٩٦٧/٦/١٩س١٨رقم ١٨٦ص٨٣٨؛ الطعن رقم ١٤٦٢٨لسنة٥٩قضائية الصادر بجلسة ١٩٩٠/٣/٢٢). بل أن النقض في بعض أحكامها لم تر باسا من أن يكلف رجل الضبط القضائي المندوب للتفتيش رجال السلطة العامة بالبحث عن المتهم المأذون بتفتيشه وضبطه وإحضاره إليه كي يقوم بتفتيشه(نقض ١٩٦٣/١١/٤مجموعة أحكام النقض س ١٤رقم ١٣٣ص٧٤١)وكذا صحة اقتياد الضابط للمتهم المأذون بتفتيشه إلى قسم الشرطة لتفتيشه خشيه تجمع الأهالي وإعاقة التفتيش(نقض ١٩٥٥/١٠/١١ مجموعة أحكام النقض س٦رقم ١٥٠ص٥٤٣)وهو قضاء محل نظر وفيه إطلاق معيب إذ لكل إجراء شروط مختلفة عن الآخر وكان يصح مذهب النقض في حاله وحيده وهي استحالة التفتيش دون القبض وهو أمر لم تلحظه أو تقرره محكمة النقض(د. ياسر الأمير القبض في ضوء الفقه والقضاء ٢٠١١ص٣٧١). (٨)والواقع أن نظرية الضرورة من اَلنُّظُم القانونية العامة التي لها الأثر الواضح في إضفاء المشروعية على بعض الأعمال المخالفة للقانون وجوهرها واحد في مختلف فروع القانون وإن اختلفت تطبيقاتها باختلاف المصالح التي يحميها وينظمها كل فرع من هذه الفروع وهي في جميع الأحوال تقوم على ركنين أولهما: موضوعي يتمثل في قيام خطر ملجئ يهدد إحدى المصالح المحمية، وثانيهما: شخصي يتمثل في رد الفعل تجاه الخطر لحماية المصلحة المهددة، ودرء الضرر عنها وهو ما يسمى بالعمل الضروري. ولقد حظيت فكرة الضرورة باهتمام أغلب فروع القانون حيث تضمنت نصوصاً عامة تحدد شروطها وَتُبَيِّن أثارها وبالتالي فإن شرعيتها مستمدة من تلك النصوص التي نظمتها وأوضحت أحكامها أما في الإجراءات الجنائية فالأمر مشكل حيث لم تنص التشريعات الإجرائية على إعمال الضرورة كمبدأ عام بل أوردت عدة تطبيقات لها في بعض النصوص المتفرقة ولا يمكن أعمالها كقاعدة عامة ذلك أن جوهر النظرية في الإجراءات الجنائية أنها تقوم عندما يكون هناك خطر يهدد مصلحة المجتمع في كشف الحقيقة في شأن الجريمة ويقتضي الأمر لإنقاذ تلك المصلحة مخالفةالضمانات المقررة لحماية المتهم وهو أمرا محفوف بالمخاطر إذ يتكفل قانون الإجراءات الجنائية بوجه عام بإقامة التوازن بين حق المجتمع في العقاب وملاحقة الجناة وبين حماية المتهم من خلال السماح بمباشرة بعض الإجراءات الماسة بالحقوق والحريات ولكن مع إحاطتها بضمانات تحول دون التعسف في اتخاذها بل أن الدستور في العديد من الحالات يسلب من المشرع في قانون الإجراءات الجنائية مكنه تقييد بعض الحقوق والحريات ويستأثر هو بتنظيمها وهذا واضح في أحوال القبض والتفتيش والتنصت علي المحادثات وضبط الرسائل الإليكترونية.في حين أن الضرورة أو نظرية الضرورة الإجرائية فحواها التغاضي عن الضمانات الإجرائية المقررة لصالح المتهم متى توافرت حالة ضرورة بحيث يعد إجراء مخالف للقانون وينتهك ضمانات المتهم مشروعا متى تحقق خطر بصالح المجتمع يجعل اتخاذه لازم.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق