الدفاع الشرعي في المشاجرات في ضوء قضاء النقض دراسة تأصيلية تحليله بقلم د.✍ياسر الأمير (١)الدفاع الشرعي هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء الطعن رقم ٢٢٨٧٩ لسنة ٨٦ قضائيةالصادربجلسة٢٠١٧/٠٦/١٤ وهو نظام يضرب بجذوره في أعماق التاريخ، وقد عرفته كل الشعوب في مختلف مراحلها لأنه قانون الفطرة؛ فليس من السائغ إلزام إنسان يتحمل عدوان غيره إذا تعذر عليه اللجوء في الوقت المناسب إلى السلطة العامة وكان قادراً على رد العدوان بنفسه ولهذا يمكن القول بأن المشرع لم يقرر مبدأ الدفاع الشرعي وإنما نظمه وأقره، أي أنه استبقاه وضبط أحكامه. ولعل ذلك ما يفسر لنا إبقاء قانون العقوبات الفرنسي الجديد لسنه ١٩٩٢ في المادة ١٢٢-٥وعلى كافة أحكام الدفاع الشرعي التي كانت واردة في قانون ١٨١٠دون أي تعديل جوهري Pradel Droit penal general 2014p. 654. Desportes et Franchise le Gunehec traite de droit pénal General 2013p130t2 No766. Stefani Levasserur Bouloc et Haritin Droit penal general et procédures penal 2014p543; وعلي الرغم من أن الدفاع الشرعي من البدهيات القانونية إلا أن الرأي مع ذلك غير متفق على أساسه Vidal et Magnol cours de droit criminal de Science Penitentiaire t1 1947 No 204; Garraud Traite Droit pénal francais 1914 t2 No447; , Garson code penale Annote 1952 art 328No98; De Vabres Traite de droit criminel 1947 No398; Merl et Viut Traite de droit criminel t1No39 فمن الفقهاء من يعلله بتخلف الركن المعنوي، ومن الفقهاء من يعتبر الدفاع الشرعي نوعاً من مقابلة الشر بالشر. ومن الفقهاء من يرى أن المدافع إذ يرد العدوان فأنما ينوب عن الدولة في ممارسة سلطتها البوليسية لأن منع الجرائم من مهام الدولة الأساسية فإذا تغيب فإنها تفوض أي فرد للحلول محلها في منع وقوعها والراجح أنه في حالة الدفاع الشرعي يقع التعارض بين حقين أحدهما خاص بالمعتدى أولى بأن يضحى به لأن عدوانه يهبط بالقيمة الاجتماعية لحقه من جهة ولأنه يصيب فضلا عن حق المعتدى عليه حقاً أخر هو حق المجتمع. (٢)ويفترض الدفاع الشرعي وجود فعلين أحدهما الأول فعل العدوان والآخر فعل الدفاع. ولكل فعل شروط إذا أختل بعضها تعطلت إحكام الدفاع الشرعي وخضعت الواقعة للقواعد العامة. والدفاع الشرعي سببا عاما للإباحة وينشأ كلما وجد اعتداء أو خطر اعتداء بفعل غير مشروع على نفس ومال المدافع أو غيره فهو حق مقرر لكل فرد في المجتمع Bouolc Droit penal general 2009 p341الطعن رقم ٢٠٠٦٦ لسنة ٦٠ قضائيةالصادر بجلسة ١٩٩٢/٠٤/٠٩)ولا يلزم في الاعتداء المتخوف منه أن يكون حقيقيا أحدث أثر في جسم المدافع من عدمه بل يصح أن يكون وهميا مادام لذلك أسباب معقولة في تقدير المدافع من وجهة شخصية تراعى فيها مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان مما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ البعيد عن تلك الملابسات(الطعن رقم ٧٥ لسنة ٨٢ قضائية جلسة ٢٠١٢/٠٦/٠٧)كما أن استمرار المجني عليه في الاعتداء غير لازم لقيام الدفاع الشرعي (الطعن رقم ٣٧٣٩٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٣/٠٤الطعن رقم ١٠٠١٨ لسنة ٨٧ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٢٢)ولكن أن انتهى الاعتداء أو زال خطره انتفى الدفاع الشرعي إذ لم يشرع الدفاع الشرعي لمعاقبة معتد على اعتدائه إنما شرع لرد العدوان (الطعن رقم ٢٤٩٩٤ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٣/٠٤)كما أن النظر في وسيلة رد الاعتداء ومدى استخدامها بالقدر اللازم رهن بنشأة الحق في الدفاع وكونه مبرراً تبريراً تاماً أو جزئياً، فإن كان ما وقع مبرراً تبريراً تاماً فقد وجبت براءته وإلا فإنه يكون متجاوزاً حدود حقه في الدفاع وعوقب على أساس ذلك بعقوبة مخففة باعتباره معذوراً، والأصل أن تجريد المجني عليه من آلة العدوان ثم طعنه بها يعد محض عدوان ولا يعد من قبيل الدفاع الشرعي، إلا أنه إذا كان تجريد المجني عليه من آلة العدوان ليس من شأنه بمجرده أن يحول دون مواصلة العدوان فإنه يحق للمعتدى عليه أن يستعمل القوة اللازمة لدرئه مع الأخذ في الاعتبار ما يحيط بالمدافع من مخاطر وملابسات تتطلب منه معالجة الموقف على الفور، مما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ المتزن الذي كان يتعذر عليه وهو محفوف بالمخاطر كما أن القول بمكنة المتهم من الفرار على إطلاقه لا تقره الكرامة الإنسانية أو القانون ولا يغني سبباً عن حق الدفاع الشرعي(الطعن رقم ٤٦٨٤ لسنة ٨٠ قضائية جلسة ٢٠١٢/٠٢/٢٧). (٣)هذا ولقد طرأ على المجتمع المصري عقب يناير ٢٠١١ ظاهرة غريبة وهي تفشي المشاجرات التي تقع لأسباب تافهة ويتمخض عنها ضاحية كثرة نتيجة القتل والنهب والإحراق والتخريب إذ غالبا ما يستعين المتشاجران بأقاربهم وذويهم فتتحول المشاجرة من نزاع فردي بسيط إلى حرب أهلية! وقد انعكس ذلك على أحكام القضاء إذ راح يضرب بيد من حديد على الفريقين المتشاجران وينزل بهما أشد العقاب وأصبحنا نسمع حكمت المحكمة بإحالة أوراق ٣٠متهم أو أكثر لفضيلة المفتي تمهيدا لإيقاع عقوبة الإعدام. مما أثار إشكالية حول مدى توافر حالة الدفاع الشرعي إذ كان أحد أطراف المشاجرة معتدي عليه؟ وهي مسألة اضطراب في شأنها قضاء النقض لاسيما أن كانت نية كل من الطرفين الاعتداء ولقد تعرضت محكمة النقض لتلك المشكلةواختلفت أحكامها بشأنها إذ قررت تارة تصور توافر حالة الدفاع الشرعي متى بدأ فريق بالاعتداء وألغت أحكام لم تستظهر الصلة بين إصابات المتهم التي أحدثها المجني عليه وفريقه وبين قيام حالة الدفاع الشرعي لدي المتهم. في حين قررت تارة أخرى عدم تصور قيام حالة الدفاع الشرعي طالما أن نية كل فريق في المشاجرة كانت الاعتداء. (٤)فأما الاتجاه التي قررت فيه تصور الدفاع الشرعي في المشاجرات فقالت فيها إنه من المقرر أن التشاجر بين فريقين إما أن يكون اعتداء من كليهما ليس فيه من مدافع حيث تنتفي مظنة الدفاع الشرعي عن النفس وإما أن يكون مبادرة بعدوان فريق وردا له من الفريق الآخر فتصدق في حقه حالة الدفاع الشرعي عن النفس وأن إغفال الحكم في الرد على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي والإشارة إلى إصابات الطاعن والاعتداء الواقع منه وأيهما كان الأسبق وأثر ذلك في قيام الدفاع الشرعي أو انتفائه يعيب الحكم بالقصور(الطعن رقم ٢٣٧٢ لسنة ٥٤ قضائيةالدوائر الجنائية - جلسة ١٩٨٥/٠٣/١٤)وقضت بأن إغفال الحكم الصلة بين الاعتداء الواقع من الطاعن وعليه وأيهما أسبق وأثر ذلك في قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفائها(الطعن رقم ٢٦٦٣٨ لسنة ٨٣ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/٠٧)وقضت تطبيقا لذلك بأنه لما كان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى والأدلة على ثبوتها في حق الطاعن عرض لدفاعه القائم على أنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس ورد عليه في قوله. أن الثابت من أقوال شهود الإثبات التي تطمئنالمحكمة إليها أن المجني عليه قد توجه للمتهم ليعاتبه عما بدر منه ليله حفل عرسه وأنه كان مجردا من ثمة أدوات يحملها معه للاعتداء على المتهم والذي تربطه به علاقة صداقة ومودة بل إن المتهم هو الذي بادر بالاعتداء عليه بالضرب على رأسه ويديه وباغته بطعنة من سلاحه الأبيض(مطواة قرن غزال) في صدره فأحدثت إصاباته الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي التي سقط على أثرها أرضا مدرجا في دمائه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وأصبح جثة هامدة لا حراك فيها كما لم تفصح أوراق الدعوى أن المتهم قد تعرض لخطر جسيم من جانب المجني عليه يلحق بسلامة جسده ومن ثم يضحي الدفع المبدي بانتفاء العقاب لتوافر حالة الدفاع الشرعي لا يسانده واقع أو قانون مما يتعين رفضه.لما كان ذلك وكان الثابت من الاطلاع على المفردات المضمومة تحقيقا لوجه الطعن أن الطاعن وجد به عدة إصابات - جرح قطعي بفروة الرأس من أعلى ٤ سم x ١ / ٢ سم كما وجد جروح قطعية في اليد اليسرى طولها ٧ سم كما توجد سحجات في منطقة البطن والركبتين وبالظهر مجموعة سحجات على النحو الثابت بالتقرير الطبي المؤرخ. . . . . . . . . . . وكان من المقرر في التشاجر بين فريقين أما أن يكون اعتداء من كليهما ليس فيه من مدافع حيث تنتفي مظنة الدفاع الشرعي عن النفس وأما أن يكون مبادأة بعدوان فريق وردا له من الفريق الآخر فتصدق في حقه حالة الدفاع الشرعي عن النفس. وكان ما قاله الحكم فيما تقدم لا يصلح ردا لنفي ما أثاره الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه إذ أغفل كلية الإشارة إلى الإصابات التي حدثت بالطاعن والتي اتهم بإحداثها المجني عليه وأشقائه ولم يرد بشيء مما ذكره محامي الطاعن في مرافعته من أن المجني عليه وأشقائه قدموا إليه واعتدوا عليه وأحدثوا به عدة إصابات ثابتة بالتقرير الطبي,كما لم يتعرض الحكم لاستظهار الصلة بين هذا الاعتداء الذي وقع على الطاعن والاعتداء الذي وقع منه وأي الاعتداءين كان الأسبق وأثر ذلك في قيام أو عدم قيام حالة الدفاع الشرعي لديه فإن الحكم يكون قاصر(لطعن رقم ٣٨٢٤ لسنة ٦٩ قضائية جلسة ٢٠٠٢/١٢/١٨) وقضت كذلك بأنه من المقرر أن التشاجر بين فريقين إما أن يكون اعتداء من كليهما ليس فيه من مدافع حيث تنتفي مظنة الدفاع الشرعي عن النفس وإما أن يكون مبادرة بعدوان فريق وردا له من الفريق الآخر فتصدق في حقه حالة الدفاع الشرعي عن النفس. وكان ما قاله الحكم لا يصلح ردا لنفي ما أثاره الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه ذلك أنه أسقط من الوقائع الثابتة في التحقيق ما يرشح لقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس وبالأخص الإصابات العديدة التي أثبتها الطبيب الشرعي التي حدثت بالطاعن والتي اتهم بإحداثها المجني عليه وبعض من أفراد أسرته والتي أمرت النيابة بنسخ صورة من الأوراق خصصتها عنها، كما لم يتعرض الحكم لاستظهار الصلة بين هذا الاعتداء الذي وقع على الطاعن والاعتداء الذي وقع منه وأي الاعتداءين كان الأسبق وأثر ذلك في قيام أو عدم قيام حالة الدفاع الشرعي لديه فإن الحكم يكون قاصر البيان مما يوجب نقضه(الطعن رقم ٢٦٥٧٣ لسنة ٦٨ قضائية جلسة ٢٠٠٢/٠١/١٥). وقضت أيضا أن إغفال الحكم في رده على الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي الإشارة إلى إصابات الطاعن بقوله إنه ليس في الأوراق ما يقطع بمبادأة المجني عليهما بالعدوان وأنه أثناء تماسك الفريقين اعتدى الطاعن على المجني عليهما قد أسقط كلية الإشارة إلى الإصابات التي حدثت بالطاعن والتي اتهم بإحداثها المجني عليه الثاني ولم يرد بشيء على ما ذكره محامي الطاعن في مرافعته من أن المجني عليه الأول وفريقه قدموا إلى محله واعتدوا عليه وأحدث به المجني عليه الثانى عدة إصابات وأمرت النيابة بنسخ صورة من الأوراق عن واقعة إصابته قيدت برقم جنحة وقضى فيها بإدانة المجنى عليه الثانى كما لم يتعرض الحكم لإستظهار الصلة بين هذا الإعتداء الذى وقع على الطاعن والإعتداء الذى وقع منه وأى الإعتدائين كان الأسبق وأثر ذلك في قيام أو عدم قيام حالة الدفاع الشرعى لديه، فإن الحكم يكون قاصر البيان مما يوجب نقضه والطعن رقم ٦٢٢ لسنة ٥٨ قضائية- جلسة ١٩٨٨/٠٥/١٢)وقضت أيضا أن قول الحكم المطعون فيه أن الثابت بالأوراق أن النيابة العامة كانت قد نسبت أيضاً إلى المجني عليه وشقيقه أنهما في تاريخ الحادث ضربا الطاعن فأحدثا به إصابات أعجزته عن أشغاله الشخصية لمدة تزيد عن عشرين يوماً، وطلبت من المحكمة عقابهما بالمادة ٢٤١ من قانون العقوبات، وقد قررت المحكمة فصل هذه الجنحة من جناية إسناد العاهة المسندة للطاعن وإحالتها إلى النيابة العامة لإجراء شئونها فيها وكان ما قاله الحكم لا يصلح رداً لنفي ما آثاره الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه وماله،ذلك أن الحكم حين أفصح عن اقتناعه بعدم صحة هذا الدفاع بمقولة إنه لم يتأيد بأي دليل قد أغفل كلية الإشارة إلى الإصابات التي حدثت بالطاعن والتي اتهم بإحداثها المجني عليه وشقيقه ولم يرد بشيء على ما ذكره محامي الطاعن في مرافعته من أن هذين الأخيرين كانا يحاولان اقتلاع شجرة قائمة في ملكه وحين تصدى لمنعهما اعتديا عليه بالضرب فأحدثا به إصابات أعجزته عن أشغاله الشخصية لمدة تزيد على عشرين يوماً مما أدى إلى وقوع الحادث، كما لم يتعرض الحكم لاستظهار الصلة بين هذا الاعتداء الذي وقع على الطاعن والاعتداء الذي وقع منه وأي الاعتداءين كان الأسبق وأثر ذلك في قيام أو عدم قيام حالة الدفاع الشرعي لديه فإن الحكم يكون قاصر(الطعن رقم ١٤٤٩ لسنة ٤٨ قضائية جلسة ١٩٧٨/١٢/٢٨) (٥)وأما الاتجاه الآخر في قضاء النقض والذي نفت فيه تصور الدفاع الشرعي في المشاجرات من واقع توافر نية فريقي المشاجرة في التشاجر والاعتداء على بعضهم البعض فقد حرصت فيه محكمة النقض على ترديد المبدأ الذي وضعته في اتجاها الأول وهو أن التشاجر بين فريقين إما أن يكون مبادأة بعدوان فريق ورداً من الفريق الآخر فتصدق في حقه الدفاع الشرعي عن النفس ولكن إضافة النقض لذلك عبارة أخرى حاصلها وإما أن يكون التشاجر اعتداء من كليهما ليس فيه مدافع حيث تنتفي مظنة الدفاع الشرعي عن النفس بل إنها أفصحت صراحة بأن إيراد الحكم أن قصد كلٍّ من الطرفين في الاعتداء وإيقاع الضرب بالطرف الآخر يترتب عليه انتفاء حالة الدفاع الشرعي بغض النظر عن البادئ منهم بالاعتداء! ! ! وقضت تطبيقا لذلك بأن لما كان الحكم المطعون فيه إذ عرض إلى ما أثاره الطاعن الأول بشأن قيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس قد أطرحه في قوله: إن ما أثاره المتهم الأول ومحاميه بأنه كان في حالة دفاع شرعي مردود بما قال به شهود الإثبات جميعا واطمأنت إليه المحكمة من أن مشاجرة حصلت وكان المتهمان الأول والثاني طرفها الأول والمجني عليه وأشقاؤه طرفها الثاني وفى كل شجار مادامت نية طرفيه تتجه الى الاعتداء فلا مناحى من أن أحدهما سيبدأ بالضربة الأولى وبالتالى فلن يكون الطرف الآخر في حالة دفاع شرعى لأنه عندما يعتدى على خصمه لن يكون قاصداً الا الاعتداء الذى انتواه،بما مفاده أن كل طرف من المشاجرة يقصد الإعتداء لا الدفاع وذلك بغض النظر عن البادئ منهم بالاعتداء،وكان مفاد ما أورده الحكم فيما تقدم أن كلاً من الطرفين كان يقصد الاعتداء وايقاع الضرب على الطرف الآخر وهو ما لايتوافر فيه حالة الدفاع الشرعى وذلك بغض النظر عن البادئ منهم بالاعتداء وهو رد صحيح في القانون تنتفى به حالة الدفاع الشرعى عن النفس فإن ما ينعاه الطاعنان في هذا الوجه يكون غير سديد(الطعن رقم ١٠٣٩٢ لسنة ٦٣ قضائيةالدوائر الجنائية - جلسة ١٩٩٥/٠١/١٥)وقضت أيضا بأن لما كان الحكم المطعون فيه إذ عرض إلى ما أثاره الطاعن بشأن قيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس قد اطرحه في قوله: وحيث إنه عما أثاره الدفاع أن المتهم كان في حالة دفاع شرعي فإنه من المقرر أن حق الدفاع الشرعى لم يشرع لمعاقبة معتدٍ على اعتدائه، وإنما شرع لرد العدوان عن طريق الحيلولة بين من يباشر الاعتداء والاستمرار فيه، وأن التشاجر بين فريقين إما أن يكون اعتداء من كليهما ليس فيه مدافع حيث تنتفي مظنة الدفاع الشرعي عن النفس، وإما أن يكون مبادأة بعدوان فريق ورداً من الفريق الآخر فتصدق في حقه الدفاع الشرعي عن النفس ولما كان الثابت بالأوراق أنه حال قيام المجني عليه بمحاولة التشابك مع المتهم بادره الأخير بالضرب على رأسه وجسده مستخدماً حزاماً كان في إحدى يديه وحاول المجني عليه رد الاعتداء باستخدام سكين وفر أمام المتهم فأمسك به الأخير وضربه في الجانب الأيسر من صدره بسكين محدثاً إصابته التي أودت بحياته، وهو ما تنتفي به حالة الدفاع الشرعي عن النفس،وقد جاء هذا القول من المتهم بجلسة المحاكمة مجرد قول مرسل، ومن ثم يكون ما تساند عليه الدفاع في هذا الصدد غير سديد.وكان مفاد ما أورده الحكم فيما تقدم أن كلا من الطرفين كان يقصد الاعتداء وإيقاع الضرب على الطرف الآخر وهو ما لا يتوافر فيه حالة الدفاع الشرعي،وذلك بغض النظر عن البادئ منهم بالاعتداء وهو رد صحيح في القانون تنتفي به حالة الدفاع الشرعي عن النفس، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه يكون غير سديد ولا محل من بعد لما أثاره في شأن عدم تحدث الحكم عن إصاباته(الطعن رقم ٢٦٧٩٠ لسنة ٧٢ قضائية جلسة ٢٠٠٨/١٠/٠٩). (٦)ونعتقد صحة الاتجاه الأول إذ لا يوجد ما يمنع أن تتوافر حالة الدفاع الشرعي في المشاجرات متى أمكن تحديد الفريق الذي بدأ العدوان إذ منطقي أن يكون الفريق الآخر في وضع دفاع هنا لا شك في قيام حالة الدفاع الشرعي أن توافرت شروطها. أما اتجاه النقض الآخر الذي ينفي الدفاع الشرعي في المشاجرات أن توافرت نية الاعتداء لدي طرفي المشاجرة بغض النظر عن تحديد البادئ بالعدوان فاتجاه محل نظر إذ يضيف للدفاع الشرعي شرط سلبي لم يتطلبه القانون وهو عدم توافر نية الاعتداء لدي المدافع في حين أن الدفاع الشرعي من أسباب الإباحة الموضوعية التي لأشان لها بالنوايسة والمقاصد وإنما تنصرف إلى أفعال الخطر والدفاع(د. رمسيس بهنام النظرية العامة للقانون الجنائي ١٩٩٥ص٦٥٤؛ د. محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات القسم العام ١٩٨٩ص٢٢٠؛ د. محمود مصطفى شرح قانون العقوبات القسم العام ١٩٨٣ص٢٤١)فلا يشترط لقيام الدفاع الشرعي توافر نية الدفاع لا العدوان إذ يقوم الدفاع الشرعي ولو كان لدى المدافع نية الثائر من المعتدى أو الرغبة في الانتقام أو إرهاب الغير ولقد قضت محكمة النقض أنه لا ينفى حالة الدفاع الشرعي أن يكون المدافع قد تعمد إيذاء المعتدى (نقض١٩٥٣/١٢/٢١مجموعة أحكام النقض س ٤ ص١٥٩) أو ذهب إلى محل الحادث وهو يحمل سلاح(نقض ١٩٦٢/٢/١٢ مجموعة أحكام النقض س ١٣ص١٣٢). (٧)ومن ثم فإن الدفاع الشرعي في المشاجرات وارد بنسبة كبيرة بل قد يتبادل الطرفين حق الدفاع الشرعي ويحدث ذلك عند ثبوت حق الدفاع الشرعي لأحد الأطراف ولكن يتجاوز حدود هذا الحق إذ هنا يحق للطرف الآخر رغم أنه البادي بالعدوان أن يمارس حق الدفاع الشرعي لأنه ولئن كان صحيحا أن الدفاع الشرعي لا يجوز ضد الدفاع الشرعي إلا أن ذلك يقتصر على الحدود التي يمارس فيها المدافع حقه في الدفاع فإن تجاوز حدود الدفاع الشرعي ولو بحسن نية بأن أتى أفعال خارج حدود هذه الحدود فإن تلك الأفعال تعد غير مشروعة فيجوز بالتالي الاحتجاج في درئها بالدفاع الشرعي Garraud Traite droit penal t2 op cit p30؛ د. محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات العام ١٩٨٩٢٤١؛ د. عمر السعيد رمضان شرح قانون العقوبات القسم العام ١٩٩٢ص٣٩٧؛ د. عوض محمد عوض قانون العقوبات القسم العام ٢٠٠ص٢٥٤؛ د. محمود مصطفى شرح قانون العقوبات القسم العام ١٩٨٣ص٢١١؛ د. السعيد مصطفى السعيد الأحكام العامة في قانون العقوبات ١٩٦٢ص٣٢١؛ د. علي راشد القانون الجنائي المدخل والنظرية العامة ١٩٧٤ص٥١٠؛ محمود إبراهيم إسماعيل شرح قانون العقوبات ١٩٥٢ص٤٦٧؛ د. محمد زكى أبو عامر قانون العقوبات القسم العام ٣٠٠٣ص٢١٠؛ د. فوزية عبد الستار شرح قانون العقوبات القسم العام الجريمة ١٩٩١ ص١٩٩). ومن هذا المنطلق فإن كان أحد المتشاجرين في حاله دفاع شرعي ولكن تجاوز حدود هذا الحق جاز للآخر مباشرة الدفاع الشرعي ضده.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق