أثر الاضطراب النفسي على المسؤولية الجنائية Impact des troubles mentaux sur la responsabilité pénale: دراسة قانونية نفسية قضائية بقلم د. ✍ياسر الأمير؛ (١)القانون وليد الحاجة فما وجد القانون إلا لحاجة البشر في تنظيم علاقاتهم وتعاملاتهم وحماية الإنسان من ظلم وعدوان أخيه الإنسان. ويضع القانون الجنائي الجزاء والعقاب الكفيل لردع المجرم فيما يطلق عليه الردع الخاص ومنع الناس من أن تفعل مثله ويطلق عليه الردع العام. غير أن القانون الجنائي لا يضع الجزاء والعقاب اعتباطا وإنما يضعه تأسيسا على حرية المجرم في الاختيار بين الخير والشر فإن جنح إلى الشر حرا مختارا حق عليه العقاب وإلا فلا. ولهذا تهتم القوانين الحديثة بوجه عام بتقرير أحكام حول منع المسؤولية الجنائية أو رفع العقاب بالكلية عند فقدان المجرم الإدراك أو الإختيار أو تقليل جرعة العقاب إن لم تكن تلك إرادته حره تمامه بل شابها خلل لم يعدمها وإنما نال فحسب من كمالها.ومن ذلك الاضطرابات النفسية. (٢)ويشير المرض النفسي، الذي يُطلَق عليه أيضًا اضطرابات الصحة العقلية، إلى مجموعة كبيرة من أمراض الصحة النفسية وهي اضطرابات تؤثر على مزاج الإنسان وتفكيره وسلوكه مما قد يدفعه إلى ارتكاب الجرائم ومن أمثلة الأمراض النفسية الاكتئاب، واضطرابات القلق، والفصام، واضطراب الشهية وهي تؤدي في مجملها إلى الشعور بعدم السعادة وقلة الاستمتاع بالحياة والنزاعات العائليةوتعقيدات العلاقات والشعور بالحزن والتفكير المشوَّش وضعف القدرة على التركيز والمخاوف الشديدة أو القلق أو الإفراط في الشعور بالذنب والتغييرات الحادة في الحالة المزاجيةارتفاعًا وانخفاضًا والابتعاد عن الأصدقاء والأنشطة المعتادة والتعب الشديد والانعزال عن الواقع (الأوهام) أوالبارانويا أوالهلاوس وعدم القدرة على مواجهة المشاكل اليومية أو الضغوطات فضلا عن الصعوبة في الاستيعاب ومشكلات في فهم المواقف والأشخاص والتعامل معهم وتغيرات في الدوافع الجنسية والغضب الشديد أو العدائي أو العنف والتفكير في الانتحار. (٣)ولم يصل العلماء حتى الآن إلى سبب مباشر للمرض النفسي ولكنهم يعددون تلك الأسباب ويعطون الأمثال مثل الجينات (الوراثة)والبيئة والحياة الشخصية والعلاقات المؤذية والتعرض للإهمال أو الإساءة في الطفولة من شريك والتربية في بيت ملئ بالمشاكل وعدم التفاهم والعيش في أسرة مفككة أو مستغلة أو تعج بالنزاع والتعرض للإيذاء الجنسي أو الجسدي في الطفولة أو البلوغ والإساءة والإهانة والعنصرية والتنر وقلة المال أو بالأحرى الضغوط المادية ومشكلات العمل أو البطالة. والحق أنه مهما تقدم العلم فلن يصل إلى سبب بعينه للمرض النفسي إذ هو في الحقيقة ثمرة عده عوامل وجميع الناس عرضه للمرض فنحن في حياتنا نمر جميعًا بأوقات عصيبة وتغيرا مفاجئًا يصعب التعامل معه ويمكن أن يكون رد فعلنا نحوه صائبا أو معكوسا للصواب وفي الحالة الأخيرة تتأثر صحتنا النفسية وهذا التأثر ليس ثمرة عامل واحد وإنما هو دائماً حصيلة عوامل متعددة ومختلفة. ونقرب هذه الفكرة من الأذهان باستخدام المجاز فنقول إن طبقة واحدة من القار لا تكفي لطلاء شيء ما بلون أسود حالك، وإنما ينبغي لذلك أن تتراكب طبقات القار بعضها فوق بعض. وَكَذَلِكَ الشأن في الاضطراب النفسي لا يكفي لإنتاجه عامل واحد، بل يلزم لذلك عدة عوامل. وهذه العوامل غير ثابتة في كل اضطراب نفسي وإنما هي تختلف باختلاف الأحوال. فقد يحدث الاضطراب نتيجة اتحاد مجموعة معينة من العوامل. في حين يقع غيره نتيجة اتحاد مجموعة أخرى. فالإنسان المنحرف قلما يبتلي بعامل أو عاملين بل يغلب ابتلاؤه بسبعة عوامل أو ثمانية. وقد يستطيع الإنسان التغلب على عامل أو اثنين، كوفاة أحد والديه وهو طفل أو الفقر أو سوء الصحة، غير أن الأمر يختلف حين يناوشه قطيع منها. فإذا ولد الشخص مثلا لأب عاطل عربيد وأم غير طبيعية وانتزع من المدرسة في سن مبكرة ليعمل في مصنع، وعاش في منزل مكتظ وبين جيرة سيئة، فإنه يبدو من ظروف حياته أن كل عامل في بيئته يتآمر ضده، ويغلب أن ينهار نفسيا أمام تلك الضغوط جميعاً فيرتكب الجريمة. بل إن الواقع الطبي النفسي يكشف يوميا عن أمراض نفسية جديدة أو إعادة تصنيفها مثل اضطرابات الشخصية النرجسية والسيكوباتية Symington, Neville Narcissism: A New Theory. H. Karnac Ltd. 2015: p. 6–7بل أن بعض العلماء يفرق بين المرض النفسي بالمعنى الدقيق واضطرابات الشخصية ويعلن أن المرض النفسي قابل للعلاج أما اضطرابات الشخصية فتستعصي على العلاج لأن تلك الاضطرابات جزء من شخصية المريض أن تعافى منها فقد شخصيته وصار إنسان آخر Linden, S.; Rosenthal, S. A. Measuring Narcissism with a Single Question? An Extension and Replication of the Single-Item Narcissism Scale. Personality and Individual Differences. 2015)p90. ولقد دلت الدراسات على أن محاولة إصلاح عيوب وإضرابات الشخصية مغامرة كبرى تحتاج إلى جهد كبير وفترة زمنية قد تكون طويلة ومكلفة سواء للفرد نفسه أو للمجتمع وهي مغامرة لا تؤمن عواقبها إذ غالبا ما يرتد الإنسان إلى سيرته الأولى أي شخصيته الأصلية التي تربى وترعرع عليها إذ يجد فيها نفسه أما ما جرى من محاولة للإصلاح فليس هو بل شخص غيره فتكون النتيجة الحتمية الارتداد! ! Lowen, Alexander Narcissism: Denial of the True Self. New York, NY: Touchstone. (1997] p 45 ولقد نص المشرع الفرنسي في المادة ١٢٢-١فقرة أولى من قانون العقوبات لسنه ١٩٩٢ على الاضطراب النفسي وأطلق عليه الاضطراب العصبي واعتبره مانع من المسؤولية متى أفقد الجاني الإدراك أو عدم التحكم في فعله لحظه ارتكابه كما نص في الفقرة الثانية من ذات المادة على اعتبار الاضطراب العصبي سبب مخفف للمسؤولية متى أضعف من تمييز الجاني أو قلل من قدرته على التحكم في فعله لحظه ارتكاب الجريمة. Steani Levasseur et Boloc Driot penal general 1997 No262; Frederic et Francis presntation des disposition du nouveau code penale France J. C. P 1992 No27 (٤)هذا وكَانت المادة ٦٢ من قانون العقوبات المصري-قبل تعديلها - تنص على أنه لأعقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل إما لجنون أو عاهة في العقل، وإما لغيبوبة ناشئة من عقاقير مُخدرة أياً كَان نوعها، إذا أخذها قهراً عنه، أو على غير علم منه بها أما الاضطرابات النفسية أو بالأحرى المرض النفسي فكان حتى وقت قريب لا يترتب عليه تخلف المسؤولية الجنائية إذ كان الأطباء وعلماء النفسي يرون أنه مجرد خلل في شخصية الإنسان يجعله غير سوي ولكن لا يفقده الإدراك والشعور تماما ولهذا قضت محكمة النقض بأنه الشخصية السيكوباتية مسئولة عن أفعالها وأن قول دفاع المتهم بأن المتهم كان مجبول على هتك عرض المجني عليه في المواصلات العامة والزحام لوجود طغيان في غريزته الجنسية لا يعفيه من العقاب إذ كان يتعين عليه وهو عليم بحالته أن يتجنب الزحام(نقض ١٩٦٣/٣/٢٦مجموعة أحكام النقض س١٤رقم ٥٢ص٢٥٤)ولكن سرعان ما أثبت العلم الحديث أن بعض الأمراض والاضطرابات النفسية تفقد الإنسان الإدراك والاختيار وأن أغلبها يضعف هذا وذاك مما يحتم إعفاء صاحبها من العقاب في الحالة الأولى وتخفيف جرعة العقاب في الحالة الثانية(د. محمود نجيب حسني-المجرمون الشواذ ١٩٩٠-ص٥٤؛ د رمسيس بهنام علم طبائع المجرم ١٩٨٦ ص٢٣١)ولهذا صدر قانون الصحة النفسية رقم ٧١ لسنه ٢٠٠٩معدلا للمادة ٦٢من قانون العقوبات فأصبح نصها لا يسأل جنائياً الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أفقده الإدراك أو الاختيار, أو الذي يعاني من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها. ويظل مسئولاً جنائياً الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره, وتأخذ المحكمة في اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة. كما نصت المادة الأولى الواردة في الباب الأول من القانون رقم ٧٢ لسنة٢٠٠٩ بإصدار قانون رعاية المريض على أنه في تطبيق أحكام هذا القانون يقصد بالكلمات والعبارات الآتية المعاني المبينة قرين كل منها: - أ -. . ب- المريض النفسي الشخص الذى يعانى من اضطراب نفسى عُصابي أو عقلي ذُهاني ج – الاضطراب النفسي أو العقلي: هو اختلال أي من الوظائف النفسية أو العقلية لدرجة تحد من تكيف الفرد مع بيئته الاجتماعية ولا يشمل الاضطراب النفسي أو العقلي من لديه فقط الاضطرابات السلوكية دون وجود مرض نفسى أو عقلي واضح. (٥)ويتضح من ذلك أن المريض النفسي هو الإنسان الذى يعانى من اضطراب نفسى عُصابي أو عقلي ذُهاني ولا يعتبر مريض نفسى من يعانى فقط من الاضطرابات السلوكية دون وجود مرض نفسى(الطعن ١٨٧٩٣لسنة٨٣قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٤/٣/١١حتى ولو أدت هذه الاضطرابات الشخصية إلى فقدان الإدراك أو الإختيار كليا أو جزئيا مادام لا ترجع إلى مرض نفسي.على أنه عند الفقد الكلى لمرض نفسي يرفع العقاب اما عند الخلل الجزئي فيخفف العقاب وهو ما يجب أن يراعيه القاضي. غير أن المشرع لم يضع حدودا للتخفيف ومن ثم يجب على القاضي تطبيق المادة ١٧ من قانون العقوبات التى تنص علي أنه يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة على الوجه الآتي: عقوبة الإعدام بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد. عقوبة السجن المؤبد بعقوبة السجن المشدد أو السجن. عقوبة السجن المشدد بعقوبة السجن أو الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ستة شهور عقوبة السجن بعقوبة الحبس التي لا يجوز أن تنقص عن ثلاثة شهور. كل ما فى الأمر هو استبدال عبارة يجوز بعبارة يجب متى كان الجانى يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي، أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه، أو اختياره طبقا للفقرة الأخيرة من المادة ٦٢من قانون العقوبات وبمعنى آخر فإنه إذا كان المشرع فى المادة ١٧عقوبات لم يشأ أن يضع للقاضي بيانا حاصرا للظروف التي يعتد بها في مقام التخفيف ولم يزوده بضابط موضوعي يعينه على استخلاص هذه الظروف، بل ترك الأمر في ذلك لمطلق تقديره إلا أن المشرع فى ذات الوقت وبمقتض الفقرة الاخيرة من المادة ٦٢ وضع للقاضي ظرف مخفف للعقاب والزمة باعماله عند توافر شروطة وهو وجود اضطراب نفسي أدى إلى إنقاص إدراك الجانى أواختياره لحظه ارتكاب الجريمة. وهذا الظرف القضائي المخفف الوجوبي لا يعطل سلطة القاضي التقديرية طبقا للمادة ١٧عقوبات فى أعمال أحكامها بعيدا عن الإضطراب النفسي الذي ينقص إدراك الجانى أواختياره كما فى أحوال الاستفزاز والإثارة والغضب لحظة ارتكاب الجريمة دون وجود مرض نفسي. (٦)هذا وكانت محكمة النقض ترى قبل تعديل المادة ٦٢من قانون العقوبات أن الجنون وعاهة العقل هما فقط موانع المسؤلية أما حالات الإثارة والاستفزاز والغضب فلا يتحقق به احد موانع المسؤولية. وهو قضاء أصبح محل نظر بعد تعديل المادة ٦٢ إذ يمكن أن تؤدي الاستثارة والاستفزاز والغضب متى كانت بسبب مرض نفسي إلى توافر عذر قضائي وجوبى وليس جوازى حسبما المحنا وهو ما لم تلاحظة محكمة النقض إذ اطرد قضاؤها بعد تعديل المادة ٦٢على أن الاستفزاز والغضب والإثارة لا يوجب تطبيق المادة ٦٢ إذ يعد عذر قضائي مخفف يرجع تقديرة إلى محكمة الموضوع الطعن رقم ٨٥٥٨ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٠٧؛ الطعن رقم ١٤١٦٤ لسنة ٨٢ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٤/١٣الطعن رقم ٢٩٦٩٨ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/١١)دون أن تلتفت النقض إلى أنه تلك الإثارة والاستفزاز والغضب يمكن أن يوفر عذر قضائي وجوبى طبقا للفقرة الأخيرة للمادة ٦٢ متى كان بسبب مرض نفسي انقص الإدراك أو الإختيار. (٧)ورغم صراحة نص المادة ٦٢ المعدل في اعتباره المرض النفسي مانع من العقاب أو عذر قضائي مخفف إلا أن محكمة النقض في حكم شاذ قررت أن مناط الإعفاء من العقاب طبقا للمادة ٦٢ عقوبات المعدلة بالقانون رقم ٧١ لسنة ٢٠٠٩ ينحصر في الجنون والعاهة العقلية دون غيرهما وأن دفاع المتهم بأنه مريض نفسي لا يتحقق به الدفع بالجنون ولا يعدو أن يكون مؤذنا بتوفر عذر قضائي مخفف(الطعن رقم ١٢٣٣٨ لسنة ٨٠ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٧/٠٢)كما يجرى قضاء النقض في ثبات على أن محكمة الموضوع ليست ملزمة بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب إلا إذا دفع بذلك أمامها(الطعن رقم ٤١٦٦٩ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٢/٢٧الطعن رقم ٦١٨٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٢/١٣الطعن رقم ٢٩٩٦٨ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٣/٢٦واشترطت في الدفع أن يكون صريحا له شواهد وأن يطلب المتهم ودفاعه تحقيقه عن طريق أهل الخبرة. ومن ثم فإنه طبقا لمحكمة النقض فإن مجرد قول دفاع المتهم في صيغة عابرة أنه مريض بالاكتئاب يعد دفع موضوعي وليس دفعاً بامتناع العقاب ولا يستلزم رداً صريحاً ولا يصح النعي علي محكمة الموضوع قعودها عن تحقيقه بالاستعانة بأهل الخبرة متى لم يثر أمامها أو يطلب منها إجرائه (للطعن رقم ١٢٥٦٥ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٩/١٠/١٣)وأيضا دفاع المتهم بأنه مريض نفسي لا يتحقق به الدفع بالإعفاء إذ لا يعدو أن يكون مؤذنا بتوفر عذر قضائي مخفف(الطعن رقم ١٢٣٣٨ لسنة ٨٠ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٧/٠٢)وكذلك طلب المتهم عرضه على طبيب نفسي لبيان مدى مسئوليته عن تصرفاته دون تحديد ما يعانيه من مرض إذ التفات المحكمة عن طلبه لا يعيب حكمها(الطعن رقم ١٧٧٣٠ لسنة ٨٨ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٩/٠٥/٠٧). اذ يلزم طبقا لمنطق النقض أن يبدي المتهم الدفع في عبارة صريحة وأن يتمسك بتحقيقه من خلال أهل الخبرة للبت فيه إثباتا أو نفياً(الطعن رقم ٢٧١٥٨ لسنة ٨٦ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٨/١٢/٠٩)بل إن محكمة النقض رغم تمسك دفاع المتهم وطلب تحقيقه فنيا تحل محكمة الموضوع من ندب خبير متى أوردت في حكمها أسباباً سائغة تبنى عليهاقضاءها برفض الدفع بهذا الشأن(الطعن رقم ١١٨١ لسنة ٨٧ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/١٢/١٠الطعن رقم ٣١٥٧٦ لسنة ٨٦ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٢٢)وذلك تأسيسا على أن تقدير حالة المتهم العقلية ومدى مسئوليته عنها موضوعيا مادامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة(الطعن رقم ٧١٩٣ لسنة ٨٥ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٣الطعن رقم ٢٤٥٦٣ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٤/١٣الطعن رقم ٦٦٢٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/١١(الطعن رقم ٣١٤٧٢ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٩/٠٩ الطعن رقم ٨١٥٤ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٠/٢١). (٨)والواقع أن البت في الصحة النفسية للمتهم بوجه عام ولحظة ارتكاب الجريمة بصفه خاصة وما إذا كان المرض النفسي أفقده الإدراك أو الاختيار لحظة ارتكاب الجريمة هي مسألة منتجة في الدعوى وهي في ذات الوقت إبداء رأي فني في مسألة يتعذر على القاضي أن يصل إلى رأي فيها دون الاستعانة بمن له دراية خاصة بالصحة والطب النفسي ولا يكفي أن يكون القاضي لديه مهارة خاصة في الصحة النفسية إذ يلزم فوق ذلك الاعتماد في إبداء رأيه علي أصول علمية وفنية ثابتة مسلم بها من أهل العلم والفن وهي ليست وظيفة القاضي ولا من شؤون عملة. وإذا كان صحيحا أن محكمة الموضوع الخبير الأعلى في كل ما يتطلب خبره فنية وذلك عملا بحرية قاض الموضوع في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى حسب اقتناعه الذاتي وفقا للمادة ٣٠٢من قانون الإجراءات الجنائية إلا شرط ذلك ألا تكون المسألة المطروحة على بساط البحث من المسائل الفنية البحتة التي تستعص على المحكمة أن تستجليها بنفسها دون الركون إلى أهل الخبرة فهنا لا مجال للقول بأن محكمة الموضوع هي الخبير الأعلى وأن تحل نفسها محل الخبير (الطعن رقم ٤٢١٢ لسنة ٨١ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٩/٠١/٢٦الطعن رقم ٣٠٦٨٧ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٢/٢٦الطعن رقم ١٥٣٨٩ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٣/٢٥الطعن رقم ١٣٢٥١ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٦الطعن رقم ١٧٧٠ لسنة ٧٨ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٠/١٢)إذ إنه ولئن كان لمحكمة الموضوع سلطاتها في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها إلا أن شرط ذلك ألا تكون المسألة المعروضة فنية بحتة وجوهرية(الطعن رقم ١٧٤١٣ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٣/٠٧الطعن رقم ٥٨٦٢ لسنة ٧٨ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠١/١٢الطعن رقم ٣٨٠٦٦ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١١/١٢). (٩)وليس صحيحا ما تراه النقض أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتقصي أسباب الإعفاء من العقاب من تلقاء نفسها ذلك أن إنزال العقاب على إنسان رفع المشرع العقاب عنه أمر تتأذي منه العدالة وهو واجب المحكمة قبل دفاعه وإلا غدت المحاكمة غير منصفه ولا عادلة وهو أمر حظره الدستور والقانون إذ المفروض أن حكم المحكمة عنوان الحقيقة وتلك الحقيقة من مهام القاضي الجنائي فهو ليس مجرد حكم بين خصمين النيابة العامة والمتهم يرجح بين أدلتهم بل عليه واجب في البحث عن الحقيقة وما إذا كان المتهم لحظه ارتكاب الجريمة كان فاقد الإدراك أو الاختيار لمرض نفسي من عدمه تمهيدا لانزال العقاب أو رفعه بغض النظر عن مسلك المتهم ودفاعه ومن هنا يكفي أن يثير المتهم الدفع دون أن يطلب خبير لتحقيقه أو يعدد شواهده أو يكلف بإثباته فلا يصح اعتبار المتهم مدعيا عند الدفع وتحميله عبء إثبات دفعه فهذا يصلح في المسال المدنية وليس الجنائية.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق