العدول عن تحقيق أدلة الدعوى وحق المتهم فى محاكمة عادلة بقلم د✍. ياسر الأمير (١)الحق في محاكمة عادلة يعتبر احد روافد حق الدفاع ذلك الحق الذى لأ تخلقه القوانين بل تقره وهذا الحق لما تعزز كنا أمام ما يعرف باسم المحاكمة العادلة وكلما ضاع أو تلاش كلما كنا أمام محاكمة معيبة تنتهك فيها حقوق الأفراد بغير وجه حق ولقد كرست جميع المواثيق الدولية نصوصها لحق المتهم فى محاكمة العادلة ومنها المادة١٠ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة١٤من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وذلك من منطلق الإيمان بأن الحق في محاكمة عادلة مقرر لمصلحة القانون ولمصلحة الفرد فهو مقرر لمصلحة القانون لأن تحقيق محاكمة عادلة يعتبر ضمانة أساسية من ضمانات تطبيق القانون وبذلك يقوم بوظيفته الأساسية وهي تحقيق الاستقرار والمساواة والعدالة أما المصلحة المقررة للفرد فهي مقررة للخصوم في الدعوى عموما وللمتهم خصوصا ذلك لأنها تعد إحدى الحقوق الأساسية للإنسان لاسيما حق الدفاع بما يلزم كفالته وعدم المساس به وإلا غدت المحاكمة ظالمة باطلة. ويثور التساؤول حول المساس بحق الدفاع فى مرحلة المحاكمة ومن ثم بطلان المحاكمة والحكم الصادر فيها أكثر ما يثور حين ترفض المحكمة تحقيق ادله الدعوى لا سيما أن كان قد سبق لها التصريح بتحقيقها سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب دفاع المتهم. (٢)نؤكد منذ البداية أن القاضي الجنائي بعكس القاضي المدنى يؤدى دورا هاما في البحث عن ادلة الدعوىوتحقيقها ولقد خوله المشرع هذا الدور كي لا يعاقب بريء أو يفلت جان. وتأكيدا لهذا الدور الحيوي خول قانون الإجراءات الجنائية للمحكمة ولو من تلقاء نفسها أن تأمر بتقديم أي دليل م. 291 اجراءات) وان تعذر تحقيق الدليل أمامها ندبت لتحقيقه أحد أعضائها(م. 294اجراءات) وللمحكمة ان تعين خبير أو أكثر في الدعوى(م. 293اجراءات)وهذا الدور الحيوي للقاضي الجنائي لم يكن نابع من فراغ إذ القاضي يحكم في الدعوى بحسب عقيدته التي يحصلها من ادلة الدعوى م. 302 اجراءات ولكن قد يحدث أثناء نظر الدعوي أن تري المحكمة من تلقاء نفسها أو بناءً علي طلب المتهم تحقيق دليل في الدعوي ثم تعزف عن تحقيقه دون عله ظاهرة وتحكم في موضوع الدعوى فهل يعد حكمها في الشأن باطلاأم صحيح؟ تضاربت أحكام محكمة النقض في هذا الشأن إذ مالت طائفة من الأحكام الي الصحة بينما رأت طائفة أخرى البطلان. (٣)وأما الأحكام التى ذهبت إلى الصحه فكان سندها أن أمر المحكمه بتحقيق الدليل لا يعدو قرارا تحضيريا تصدره في صدد تجهيز الدعوى وجمع أدلتها ولا تتولد عنه حقوق للمتهم توجب عليها تنفيذه وبالتالي لا غبار علي محكمة الموضوع ان التفت عنه وقضت الدعوى(نقض1993/4/1 مجموعة أحكام النقض س44 رقم 42 ص314؛نقض1993/16/9 س44 رقم 112 ص721؛ نقض 1998/1/18 س 49 رقم 16 ص 11)وطبقا لهذا الاتجاة فإنه لا يعيب الحكم عدول المحكمة عما أمرت به من ضم دفتر الأحوال(الطعن رقم 13623لسنه 87 قضائيةالصادر بجلسة 2019/12/17)أو سماع شاهد إثبات أو مناقشة أعضاء لجنه خبراء الفحص فيما اعدوه من تقرير(الطعن رقم 31165 لسنه 86 قضائية الصادر بجلسة 2017/7/31)أو انتداب خبير الاصوات لتفريغ التسجيلات الهاتفية(الطعن رقم 787 لسنه 80 قضائيةالصادر بجلسة 2017/7/31). (٤)واما الأحكام التى ذهبت إلى البطلان فكان سندها أن تحقيق ادلة الدعوى لا يأتي من فراغ إذ ما داما المحكمة أمرت بتحقيق الدليل فإنها تكون قدرت جوهريته للفصل في الدعوى ومن ثم لا يجوز لها الإلتفاف عنه والحكم فيالدعوى دون تحقيقه نقض1995/9/19مجموعة أحكام النقض س46 رقم 142ص926؛نقض 1997/10/5 س48 رقم 152ص 1022نقض1998/8/10 س49 رقم 138 ص1021). (٥)ولا شك لدينا أن الأحكام التي تقرر البطلان اصوب إذ تتواكب مع مبادئ المحاكمة العادلة. وما كان يجمل ببعض أحكام النقض أن تصف تحقيق الدليل بأنه قرار تجهيزي لايلزم المحكمة لا سيما أن كان قد ابدي من المتهم واجابته المحكمة لأنه عندئذ يكون وسيلة دفاع يجب علي المحكمة بعد أن أفصحت عن لزوم تحقيقه أن تعين الدفاع علي بلوغ الغاية منه والا اضحي حكمها مخلا بحق الدفاع وقائم علي افتراضات افترضها وصادر علي المطلوب. ثم أن القول بأن أمر المحكمة بتحقيق أحد أدلة الدعوي هو بمثابة قرار تجهيزي لا تتولد عنه حقوق للمتهم ولا يلزم المحكمة فقول لا يخلوا من تكلف إذ إن أي فحص لادلة الدعوي تتعلق به حقوق المتهم لاحتمال أن يأتي الفحص لصالح المتهم ثم أنه من المفروض الأ يحكم القاضي علي الدليل إلا بعد تحقيقه إذ قد يأتي تحقيقه بنتيجة مغايرة لظاهرة اللهم إلا إذا تنازل المتهم ودفاعه عن فحصه. ثم أن اطلاق سلطة المحكمة في العدول عما امرت به دون ابداء السبب أمر غير مفهوم وينطوي علي تحكم وتعسف في استعمال السلطة والانحراف بها عن غايتها الذي هو اقامة العدل بين الناس. (٦)ولا ندري كيف فات على محكمة النقض أنها بتأييد محاكم الموضوع والتماس مبرر لها في العدول دون سبب ظاهر تهدر مبادئ المحاكمة المنصفة أو بالأحرى العادلة التي توجب تمكين المتهم من الدفاع عن نفسه وهو مبدأ دستوري مقرر في المادة ٩٦إذ مسلك النقض على هذا النحو يعطل حق الدفاع بالتفات محاكم الموضوع عن سبق تحقيق دليل تمسك به الدفاع وأمرت به المحكمة ورأت لزومه ولا يجمل بمحكمة منصفه أن تقرر تحقيق أمر قد يسفر عن براءة المتهم ثم تلتفت عنه قبل تحقيقه وتمضي في نظر القضية ودون إبداء أسباب فهذا تناقض وتحكم لا يسوغ قبوله أو إقراره وانتهاك واضح لقواعد المحاكمة العادلة Ce qui est une violation flagrante des règles du procès équitable
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق