تقليص ضمانة استعانة المتهم بمحام لدى استجوابه في قضاء النقض دراسة نقدية: بقلم ✍د. ياسر الأمير (١)الاستجواب لغة هو طلب الجواب عن أمر، واصطلاحا هو مناقشة المتهم تفصيلا في تهمة موجهة إليه بارتكاب جريمة ودعوته للرد على الأدلة القائمة ضده، إما بتفنيدها أو بالتسليم بها ولا يختلط استجواب المتهم بسؤاله أو بسماع أقواله وإن كان التقارب بين هذه المصطلحات شديد إلى حد الترادف اللغوي فسؤال المتهم أَو سماع أقواله إجراءات استدلال( المادة23 إجراءات) يباح لرجل الضبط القضائي مباشرته بل هو واجب عليه في بعض الأحيان عملا بالمادة 36 إجراءات(الطعن رقم ٢٠١٩٤ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠٢٠/٠٢/٠٤؛ الطعن رقم ١٥٦٦٨ لسنة ٨٣ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٩/١٢/٠٢ الطعن رقم ١٥٦٦٨ لسنة ٨٣قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٩/١٢/٠٢الطعن رقم ١٢١٥٣ لسنة ٨٨ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٩/٠٥/٠٧الطعن رقم ١٧٧٣٠ لسنة ٨٨ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٩/٠٥/٠٧الطعن رقم ١١٢٢٩ لسنة ٨٨ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٩/٠١/١٣).أما الاستجواب فإجراء تحقيق خالص. ووجه الخلاف أن سؤال المتهم يقتصر على إحاطته علما بالواقعة المنسوبة إليه وبمجمل الأدلة القائمة ضده وسماع أقواله بشأنها دون الخوض معه في مناقشات تفصيلية حول الواقعة وأدلتها، أما الاستجواب فلا يقف عند هذا الحد،بل يتجاوز إلى دقائق الواقعة وتفاصيلها والي مجابهة المتهم بمختلف الأدلة التي تم جمعها ضده نقض ١٩٨٢/١٢/٢٢ مجموعة أحكام النقض س٣٣ رقم ٢١٣ ص ١٠٣٨ نقض١٩٨٣/١/١٨ س٣٤ رقم١٨ص١٠٧؛الطعن رقم ٦٩١٠ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٠/١١)إذ يأخذ الاستجواب طابع الحوار، وقد يحاصر المتهم بأسئلة المحقق ويضيق عليه الخناق فينزلق إلى الاعتراف بأمور تدعم الأدلة القائمة ضده أو تزود المحقق بدليل جديد أو أكثر ومن هنا كان خطر الاستجواب. ولهذا السبب ينظر كثير من رجال القانون إلى الاستجواب بعين الريبة ويرونه إجراء مقيتا، ومنهم من نادي بتحريمه في كل مراحل الدعوى، وقد أخذ التشريع المصري بحل وسط، فأجاز الاستجواب في مرحلة التحقق وحظره في مرحلة المحاكمة إلا إذا طلبه المتهم أو وافق عليه (المادة ٢٧٤ من قانون الإجراءات) وحرص المشرع على إحاطة الاستجواب في مرحلة التحقيق بضمانات تحد من مخاطره. فلقد فرض القانون علي المحقق أن يتولى بنفسه استجواب المتهم وحظر عليه أن يعهد ذلك إلى غيره(المادة ٧٠ من قانون الإجراءات)وأوجب على المحقق دعوة محامي المتهم لحضور الاستجواب والقاعدة أن تحديد ميعاد الاستجواب ومكانه شروط لازمة عند دعوة المحامي وليس له أن يعترض على هذا التحديد إلا إذا كانت هناك ضرورة أو كان المحقق متعسفا في التحديد والفصل في هذا الخلاف إذا تم استجواب المتهم رغم تعذر حضور محاميه،من شأن محكمة الموضوع. والغرض الأساسي من حضور محام أن يجد المتهم في جواره الأمن والأمان ويستمد منه العون والرأي القانوني عند الحاجة وينبه لحقوقه ويأخذ بيده لينجيه من الاتهام من خلال ما يرسمه من خطه دفاع. وإذا كان صحيحا أنه ليس من حق المحامي أن يجيب على أسئلة المحقق نيابة عن المتهم إلا أنه له الحق في الاعتراض على ما يوجه المحقق للمتهم من أسئلة وأن يلفت نظر المتهم إلى حقه في الصمت أو عدم الرد على سؤال معين وأن يطلب من المحقق توجيه سؤال بعينه للمتهم أو أن يلفت نظر المحقق أن سؤالا ما يحوطه الغموض لكي يوضحه وإثبات ما يراه من طلبات ودفوع في محضر التحقيق ويجب السماح له بذلك فإن رفض المحقق وجب إثبات هذا الرفض في المحضر. (٢)غير أن محكمة النقض كما سوف نرى قلصت ضمانة استعانة المتهم بمحام لدى استجوابة وساعدها في ذلك أن المشرع في المادة 124 إجراءات أجاز في أحوال التلبس والخوف من ضياع الأدلة استجواب المتهم دون دعوه محاميه لحضور التحقيق أو بالأحرى أن يكون الأمر عاجلاً بحيث يخشى أن يؤدي إرجاء الاستجواب حتى يدعي المحامي إلى ضياع الأدلة وما قرره المشرع كذلك من أن يعلن المتهم اسم محاميه بتقرير في قلم كتاب المحكمة أو أمام مأمور السجن أو أن يتولى محاميه هذا الإقرار أو الإعلان إذ ذهبت محكمة النقض إلى مشروعية الاستجواب دون محام مادام لا يوجد إقرار أو أخطار من المتهم أو محامية وتوسعت في أحوال الاستعجال والخوف من ضياع الأدلة لدرجة أنها اعتبرت اعتراف المتهم شفاهه للمحقق وغلق مقر نقابة المحامين وإجراءالاستجواب في وقت متأخر من الليل يندرج تحت لواء ضياع الأدلة! (٣)ففي البداية وقبل تعديل المادة 124من قانون الإجراءات الجنائية بالقانون رقم 145 لسنه 2006 رأت محكمة النقض أنه لا إلزام على المحقق بدعوة محامي المتهم لحضور استجواب المتهم مادام أن المتهم لم يقرر باسم محامية فى قلم كتاب المحكمة أو لمأمور السجن.وظل قضاؤها مستقر على ذلك رغم تعديل المادة 124بالزام المحقق في الجنايات والجنح إن لم يكن للمتهم محام أن يندب له محام عند استجوابه وصيرورة حضور محام استجواب المتهم بعد التعديل أمر لازم سواء كان المتهم قد قرر اسم محامية من عدمه. مما أضطر محكمة النقض كي يستقيم قضاؤها أن تضيف مبدأ آخر بجانب عدم التقرير والأخطار حاصله أنه لا تثريب على المحقق أن استجوب المتهم دون دعوة محاميه مادام أن المتهم لم يقرر باسم محامية ومادام أنه قد تعذر على المحقق ندب محام لغلق مقر نقابة المحامين أو إجراء الاستجواب في وقت متأخر من الليل أو اعترف لالتهمة شفاهه قبل استجوابه.بل أن محكمة النقض في سابقة خطيرة قررت أن مخالفة أحكام المادة 124 إجراءات جنائية لا يترتب عليه البطلان! (٤)فمن جهة ذهبت محكمة النقض قبل تعديل المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية بالقانون رقم 145 لسنه 2006ان هذه المادة قررت أن يعلن المتهم اسم محاميه بتقرير في قلم كتاب المحكمة أو أمام مأمور السجن أو أن يتولى محاميه هذا الإقرار أو الإعلان وبالتالي لا يقوم مقامهما أي إجراء آخر فلا يغني عنه طلب المحامي بمذكرته المقدمة للمحامي العام استدعاءه عند استجواب المتهم وإشارته فيها إلى أرقام ولما كان الطاعن لا يزعم أنه عين محامياً معه وقت استجوابه أو أن محاميه تقدم للمحقق مقرراً الحضور معه وقت هذا الاستجواب فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون على غير أساس من القانون (الطعن رقم ٨٤٠٦٣ لسنة٧٤قضائية جلسة ٢٠١٢/١١/٢)والغريب أنه كان من المتوقع أن تعدل محكمة النقض عن هذا القضاء بعد تعديل المادة 124والتى الزم فيها المشرع المحقق بندب محام للمتهم إن لم يكن له محام غير أن محكمة النقض أصرت على لزوم التقرير والإعلان وأضافت لتفادى الدفع بالبطلان أن تعذر ندب محام يندرج تحت لواء الاستعجال المستثناة من حضور محام. وفي ذلك تقول علي إن الالتزام بدعوة محامي المتهم بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس وجوبياً شرطة إعلان المتهم اسم محامية بتقرير في قلم كتاب المحكمة أو مأمور السجن أو أن يتولى محامية هذه الإقرار أو الإعلان وإلا ندب المحقق له محامياً من تلقاء نفسه فإن لم يعلن اسم محاميه واثبت المحقق اتخاذ الإجراءات الممكنة لندب أحد المحامين لحضور الاستجواب وتعذره لغلق مقر النقابة يترتب عليه صحة الإجراءات إذ سلطة التحقيق لا يصح أن تؤجل الاستجواب لحين حضور محام (الطعن رقم ١٠٠١٧ لسنة ٨٨ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٩/١٠/١٠الطعن رقم ١٤٨٢٤ لسنة ٨٩ قضائيةالصادر بجلسة٢٠٢٠/٠٧/٠٤الطعن رقم ٢٠١٩٤ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠٢٠/٠٢/٠٤ الطعن رقم ٥٩٧٩ لسنة ٨٨ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/١١/٢١الطعن رقم ٢٠٨٤١ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٩/٢٣الطعن رقم ١٤٥٥٧ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/١٠/١الطعن رقم ٢٣٦٢٩ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٤/٢١ الطعن رقم ٣١٥٤٦ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٢/١٤؛ الطعن رقم ١٤٤٨٩ لسنة ٨٧ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٦/٢٣والطعن رقم ٢٣٦٢٩ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٤/٢١ الطعن رقم ٨٩٣١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٣/٠٤ الطعن رقم ٢٦٧٢ لسنة ٧٩ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٢/٢٨ الطعن رقم ٣٠٢٢٢ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٢/١٤الطعن رقم ٣٠٣٢ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٠١). (٥)وجريا على نهج النقض في تقليص ضمانة دعوة محامي المتهم للحضور رفضت الدفع ببطلان الاستجواب لعدم حضور محام مع المتهم إذا كان منكراللتهمةبالتحقيقات الطعن رقم ١٠٤٦١لسنة ٨٠قضائية الصادر بجلسة ٢٠١١/١/٤؛ الطعن رقم ٢١٣لسنة ٨٠قضائية الصادر بجلسة ٢٠١١/٢/٢٨؛ الطعن ١٢٧٧٩٥لسنه ٨٠قضائية الصادر بجلسة ٢٠١١/٧/٢٥)أو إذا كان معترفا بالاتهام في محضر الشرطة والضبط وأقر به للمحقق شفاها قبل استجوابه(الطعن ٩٧لسنه ٨٠قضائية الصادر بجلسة ٢٠١١/٧/١٦)وعللت لذلك بل الحكمة التي تغيَّاها نص المادة ١٢٤ من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقانون رقم ١٤٥ لسنة ٢٠٠٦ هي حماية المتهم لدى استجوابه أمام جهة التحقيق من أي شائبة قد تشوب اعترافه وبالتالي تنتفي هذه الحكمة بإنكاره ما أسند إليه ولم تكن هناك مواجهة بينه وبين غيره (الطعن رقم ١٧٥٣١ لسنة ٨٥ قضائية الصادر بجلسة٢٠١٧/١١/٢٦)وتوسعت النقض كذلك في تطبيق استثناء السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة حتى تصوب استجواب المتهم دون محام فقضت بأن اعتراف المتهمين بواقعتي القتل وإحراز السلاح الناري لوكيل النيابة شفاها قبل بدء التحقيق وإجراء التحقيق في ساعة متأخرة من الليل يوفر حاله الاستعجال والسرعة ومن ثم يصح الاستجواب دون محام(الطعن رقم ١٠٣١لسنة ٨٢قضائية جلسة ٢٠١٢/١٢/١٣)بل إن محكمة النقض أهدرت ضمانة الاستعانة بمحام حين أعلنت في تسرع أن عدم جواز استجواب المتهم أو مواجهته في الجنايات بغير دعوة محاميه إلا في حالتي التلبس والسرعة طبقا للمادة 125 لم يرتب القانون جزاء البطلان على مخالفة هذه المادة. الطعن رقم ١٤٨٥٨ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠١/٠٨). (٦)وترى محكمة النقض كذلك أن الدفع بجريان الاستجواب دون محام رغم لزومه من الدفوع الموضوعية التي لا يجوز الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض(الطعن رقم ١١٩٥٢ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٢٨الطعن رقم ١١٩٥٢ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٢٨)وترى أخيرا أن لا يحق لمتهم آخر أن يدفع ببطلان استجواب متهم زميلة دون محام رغم اعتراف زميلة الآخر ضده بسند أنه لا صفة لغير من وقع في حقه إجراءٍ ما في أن يدفع ببطلانه. ولو كان يستفيد منه (الطعن رقم ٢٨٢٠٩ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٢٦). (٧)وهذا القضاء معيب إذ قلصت فيه محكمة النقض ضمانات الدفاع فلم تعد ضمانه حقيقية بل غدت مجرد قاعدة اختيارية تخضع لهوي المحقق إذ بوسعه أن يتذرع دائما بغلق النقابة وتعذر ندب محام. وما نراه أن حضور المحامي الاستجواب أمر لا مندوحة عنه بل إنه شرط لازم لصحة الاستجواب ذاته ولا يملك المحقق أن يتنصل منه تحت أي ظرف فكما أن المحاكمة تبطل لعدم حضور محام فكذلك التحقيق يبطل إذا تم الاستجواب دون محام. وليس صائب ما قررته محكمة النقض أن المحقق غير ملزم بانتظار المحامي أو تأجيل الاستجواب لحين حضوره وإلا ترتب على ذلك تعطيل النيابة العامة عن أداء وظيفتها! ! فهذا التقرير ليس بشيء لأن الدستور والقانون هو من فرض علي المحقق حظر الاستجواب إلا بحضور محام. ولا يصح نعت الدستور والقانون بما يجمل وما لا يجمل. ثم إن المحامي في كثير من الأحيان يمكث لانتظار بدء التحقيقات مده من الزمن ولم يقل أحد أن ذلك يعطل المحامي عن أداء وظيفة الدفاع التي أناطها الدستور به. فضلا عن أن عدم تعطيل النيابة العامة عن وظيفتها يجب ألا يتاتي على حساب ضمانات المتهم بل إن من شأن السماح بإجراء الاستجواب دون انتظار محام يجعل وظيفة النيابة فحسب جمع أدله الإدانة حال كونها سلطه تحقيق تسعى إلى جمع أدله الإدانة والبراءة علي السواء. وإذا كان هاجس محكمة النقض سرعة إنجاز التحقيق فإن المشرع في المادة 131 إجراءات واجه الفرض الذي يتعذر فيه استجواب المتهم في الحال وقرر في هذه الحالة إيداع المتهم في السجن لحين استجوابه بشرط ألا تزيد مده الإيداع عن 24 ساعة ولا ريب في أن عدم التمكن من ندب محام لحضور الاستجواب لغلق مقر النقابة يندرج في حالات تعذر الاستجواب لعموم النص. (٨)ومن ناحية ثانية فإن الاعتراف الشفهي للمحقق وإجراء التحقيق ليلا لا يتوفر بأي منهما حاله الاستعجال والسرعة المسوغة لإجراء الاستجواب دون محام. ثم إن إجراء الاستجواب ليلا ليس ظرفا طارئا وإنما من صنع المحقق فلا يصح أن ينقلب وبالا على المتهم بحرمانه من حضور محام الاستجواب بجانبه. ثم إن استخلاص السرعة من فقد الدليل من واقع الاعتراف الشفهي للمحقق قبل بدء التحقيق يعني أن المحقق فقد حيدته إذ صار همه جمع أدله الإدانة بتسجيل اعتراف المتهم خشيه الرجوع عنه إذ ما حضر محاميه الاستجواب وهو ما لا يصح لمحقق محايد أن يفعله ولا يجمل بمحكمة النقض وهي الحارس الأمين لحقوق الدفاع أن تردده. (٩)ومن ناحية ثالثة تشدقت محكمة النقض بشكل القانون على حساب جوهرة إذ لا توجد عله مفهومة بإلزام المحقق بإخطار دفاع المتهم بالاستجواب من واقع الإعلان في قلم الكتاب أو أمام مأمور السجن بل يكفي حصول إعلان المحقق بأي وسيلة طالما كانت تلك الوسيلة من شأنهاتحقق الغرض من الإجراء وهي اتصال علم المحقق بوجود محام راغب في حضور الاستجواب رفقه المتهم كتقديم محام المتهم طلب للمحقق وهو ما لم تلتفت إليه محكمة النقض. ومن ناحية أخيرة فات محكمة النقض أنه ولئن كان المشرع في المادة 124 إجراءات أضعف من هذه الضمانة حينما أجاز في أحوال التلبس والخوف من ضياع الأدلة استجواب المتهم دون دعوه محاميه لحضور التحقيق فإنه بصدور دستور 2014 ونصه في المادة 54 على عدم البدء في التحقيق مع المتهم المقيد الحرية إلا بحضور محام موكل أو منتدب بصيغه عامه ولم يستثن من هذا الحضور حالتي التلبس والخوف من ضياع الأدلة يكون قد نسخ ضمنا المادة 124 إجراءات في هذا الشأن ويضحى استجواب المتهم دون محام مبطل للتحقيقات مهما كانت الظروف عملا بمبدأ الشرعية الدستورية الإجرائية ودون حاجة لتربص صدور تشريع أدنى إذ من المقرر أنه متى أورد الدستور نصا صالحا للأعمال بذاته وجب تطبيقه مباشرة ويعتبر النص التشريعي المخالف منسوخ ضمنا بقوة الدستور ذاته.اذ الدستور هو القانون الوضعي الاسمي وعلي كافة التشريعات النزول علي احكامه بحيث أن تعارضت معه صارت منسوخه ضمنا بقوة الدستور ذاته سواء اكان التعارض سابقا أو لاحقا علي العمل بالدستور(نقض ١٩٩٣/٥/١٣مجموعة أحكام النقض س٤٤ رقم ١١٠ص٧٠٣: نقض٢٠٠٣/٣/١٠ س ٤٥رقم ٤٣ص ٤٠٢ نقض ٢٠٠٦/٥/٧الطعن رقم ٢٠٠٤٥لسنة٧٤ق) وهو ما فات على محكمة النقض تقريره. (١٠)وعلي أي حال وبغض النظر عن رأينا الخاص فإن تقدير ظرف الاستعجال من شأن المحقق ولكن هذا التقدير يخضع لرقابة محكمة الموضوع الطعن رقم ١٠٢٥٨ لسنة ٨٥ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٨/٠١/١٤ الطعن رقم ١١٣٩٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠١/٠٨ وإذا جاز للمحقق إغفال دعوة المحامي عند تخلف شرط من شروطه فليس من حقه على الإطلاق أن يحول بينه وبين حضور الاستجواب إذا أمكنه الحضور لأنه لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه أثناء التحقيق ( المادة ٢/١٢٥ إجراءات)
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق