نظرية الظاهر في الإجراءات الجنائية دراسة نقدية بقلم د. ✍ياسر الأمير (١)يستهدف قانون الإجراءات الجنائية إيجاد نوع من التوازن بين حق الدولة في العقاب من خلال السماح لسلطات التحقيق والحكم بالمساس بحقوق الإنسان وحرياته بغيه كشف الحقيقة في شأن الجريمة والتوصل إلى مرتكبها وإنزال العقاب به وبين حق الإنسان في صيانة حقوقه وحرياته دون عسف أو جور ويتم هذا التوازن من خلال الضمانات التي يضعها المشرع لشرعية المساس بهذه الحرية أو بالأحرى الشروط الواجب توافرها لإمكانية المساس بهذه الحرية بحيث إن لم تراع هذه الشروط كان العمل باطل فلا يعتد به ولا بما أسفر عنه من نتائج. ولهذا كانت فلسفة قانون الإجراءات الجنائية صيانة أشراف الناس التي شاءت المقادير أن توجه إليهم أصابع الاتهام ولهذا أطلق على قانون الإجراءات قانون الشرفاء Stefani et Levasser proceduer penal Paris 1971p420; Desportes et Franchise le Gunehec traite de droit pénal General 2013p130; Serge et Jacquees procedure penal 2013p415 غير أن محكمة النقض دون قصد تبنه نظرية أطلقت عليها نظرية الظاهر وهي في تقديرنا لا تستقيم أبدا مع فلسفة قانون الإجراءات الجنائية كما سوف نرى في البحث الراهن. (٢)والظاهر يعنى البروز والوضوح من خلال العقول بحجج وبراهين وجوده بالدلائل الدالة عليه وهو عكس الخفي لأنه غير مشاهد كسائر الأشياء المشاهدة في الواقع. ولقد اعتد القانون في كافة فروعه بالظاهر ورتب عليه أحكام قانونية وكأنه صحيح رغم ما قد يتبين بعد ذلك من تخلف الشروط اللازمة لصحة العمل مادام أن ظاهرة كان يوحى بصحته ومن ذلك نظرية الموظف الفعلي والحكمي في القانون الإداري والمحررات الباطلة في التزوير والحيازة وإيجار وبيع الوارث والمالك الظاهر في القانون المدني. ولقد كان رائد المشرع من الاعتداد بالوضع الظاهر في بعض الأحيان وأن خالف الواقع استقرار الأوضاع وحماية المعاملات حتى لا يضار من تعامل مع صاحب الوضع الظاهر. (٣)ولقد طبقت محكمة النقض نظرية الظاهر على الأعمال والإجراءات التي تباشرها سلطات التحقيق الجنائي وراحت تتلمس لها سند من نصوص قانون الإجراءات الجنائية فوجدت نصوص خاصة في بعض المواطن تعتد بالظاهر ولا تبطل العمل أن تبين مستقبلا فساد هذا الظاهر ولكنها عممت هذه النظرية على كل الأعمال الإجرائية بغض النظر عن وجود نص يقررها من عدمه وبمعنى آخر لم تقصر محكمة النقض النظرية على الأعمال التي وجد بشأنها نص صريح وإنما صاغت نظرية عامة استخلصتها من حفنة من النصوص. (٤)إذ جرى قضاء النقض منذ زمن وحتى الآن علي إن الأصل في الأعمال الإجرائية أنها تجري على حكم الظاهر، ولا تبطل من بعد نزولا على ما قد ينكشف من أمر الواقع. وهذا الأصل وإن لم يقرره نص صريح إلا أن المشرع أعمله وأدار عليه عديدا من نصوصه ورتب أحكامه، والشواهد عليه في قانون الإجراءات عديدة، وحاصلها أن الأخذ بالظاهر لا يوجب بطلان العمل الإجرائي الذي يتم على حكمه تيسيرا لتنفيذ أحكام القانون وتحقيقا للعدالة حتى لا يفلت الجناة من العقاب (نقض ١٩٦٦/١٢/٥ أحكام النقض س ١٧ص١١٨٢ رقم ٢٢٣(الطعن رقم ١٠٢٠٤ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٤/٢١؛ الطعن رقم ١٢١٩٧ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٩/١٠/٢٧؛ نقض ١٩٨٨/١٠/٢٠الطعن رقم ٣٠٥٥لسنه ٥٨ق؛ نقض ١٩٩٠/١٢/١٩ الطعن رقم ٢٤٥١ لسنه ٥٩ق )وقالت النقض إن المشرع أورد عددا من شواهد هذا الظاهر فذكرت أن المشرع أعتبر التلبس بالجريمة وفقاً للمادة ٣٠ وصفا يلحق المظاهر الخارجية التي تنبئ عن ارتكاب المتهم جريمته بصرف النظر عما يسفر عنه التحقيق من قيام هذه الحالة أو عدم قيامها، وكذلك الحال إذا ما بني الإجراء على اختصاص انعقدت له يحسب الظاهر - حال اتخاذه - مقومات صحته، فلا يدركه البطلان من بعد إذا ما استبان انتفاه هذا الاختصاص، وإن تراخي كشفه، ومن ذلك ما نصت عليه المادة ١٦٣من قانون الإجراءات الجنائية من أنه ( لجميع الخصوم أن يستأنفوا الأوامر المتعلقة بمسائل الاختصاص، ولا يوقف الاستئناف سير التحقيق، ولا يترتب على القضاء بعدم الاختصاص بطلان إجراءات التحقيق)، وكذلك ما نصت عليه المادة ٣٨٢ من أنه( إذا رأت محكمة الجنايات أن الواقعة كما هي مبينة في أمر الإحالة وقبل تحقيقها بالجلسة تعد جنحة فلها أن تحكم بعدم الاختصاص وتحيلها إلى المحكمة الجزئية، أما إذا لم تر بعد ذلك إلا بعد التحقيق تحكم فيها)وهكذا ألزم القانون محكمة الجنايات الاختصاص بالحكم في الجنحة التي ليست - بحسب ظاهرها - ثوب الجناية، ولم يجز لها من بعد الحكم بعدم الاختصاص بناء على ما تبينته من حقيقتها بعد التحقيق، وكذا ما نصت عليه المادة ٣٦٢ الواردة في محاكمة الأحداث ( وتقابلها الآن بعد إلغائها بالقانون رقم ٣١ لسنة ١٩٧٤ بشأن الأحداث المادة ٤١ من هذا القانون)وإذا لم يتناول النص الإجراءات السابقة على الحكم وإعادة النظر بالبطلان، فإن مفاد ذلك صحة الإجراءات أخذا بظاهر سن المتهم.وقررت محكمة النقض بأنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أبطل إذن تفتيش المتهم لعلة صدوره من نيابة الأحداث حين لم يكن حدثا، دون أن يتلفت إلى أن هذا الإذن قد صدر أخذا بما ورد في محضر التحري من أن المتهم حدث، الأمر الذي أيده هو نفسه ولم تنكشف حقيقته إلا بإجراء لاحق على صدور الأذن حين عرض على الطبيب الشرعي، فإن الإذن يكون صحيحا ويتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه. وانظر في تأكيد نظرية الظاهرنقض١٩٦٩/٤/٨٢ أحكام النقض س٢٠ ص٥٦٥ رقم ١١٧، و١٩٦٩/٦/٣٠ص ٩٧٦رقم ١٩٣). وطبقت محكمة النقض نظرية الظاهر على التلبس إذ ترى أن ثبوت الجريمة مستقبلا ليس شرط لصحة التلبس وما تلاه من قبض وتفتيش كشف عن ادلة جريمة أخري غير تلك المعتقد التلبس بها فقضت بأن مجرد رؤية المتهم حاملا سلاحا يجعله متلبسا بجريمة حيازة سلاح ناري دون ترخيص ولو تبين بعد ذلك أنه غير معاقب علي حيازته لكونه مجرد سلاح صوت فإن فتشه رجل الضبط القضائي وعثر معه علي مخدر فإن الضبط يكون صحيحا(نقض ١٩٦٩/٢/١٥ مجموعة أحكام النقض س٢٠رقم ٢٣٩ ص١٤٢٢) كما قضت بأن إذا شاهد رجل الشرطة شخصا دمه ينزف غزيرا ورأي في نفس الوقت ذاته آخر يجري نحو الترام فأعتقد انه القاتل وامسك به فوجد معه مخدر فلا غبار علي هذا التصرف اذا ظهر فيما بعد أن القتيل مات منتحرا أو قضاء وقدر أو بفعل آخر نقض ١٩٥٨/٤/١مجموعة أحكام النقض س ٩رقم ٣ص٤٨) وقضت أيضا بأنه لا يمنع من ثبوت التلبس أن يتضح من تحليل المادة المضبوطة أنها ليست من المواد المخدرة المعاقب علي احرازها(نقض ١٩٤٠/٥/٢٢ مجموعة القواعد القانونية ج٥رقم ١١٣ص٢١٧). وطبقت محكمة النقض كذلك تلك النظرية لتسويغ القبض والتفتيش بغرض تنفيذ الأحكام القضائية رغم ثبوت براءة المتهم فى القضايا الصادر فيها هذه الأحكام مادام ظاهر الحال لدى رجل الضبط القضائي عند الكشف عن المتهم تبين أنه مطلوب لتنفيذ حكم واجب النفاذ ولم يكن تحت نظره الغائة(نقص1/1/ 1973 مجموعه احكام النقض س24ص 1رقم ١؛ نقص 28/ 3/ 1985س 36، ص460رقم 78؛ نقض1969/6/30 س20ص967رقم 139؛ الطعن رقم 11530لسنة 86 جلسة2018/10/27؛نقض 2006/1/25 الطعن رقم 16503لسنه 66ق. وصوبت محكمة النقض كذلك القبض والتفتيش الذي باشره رجل الضبط القضائي وأسفر عن ضبط سلاح ناري نفاذا لإذن النيابة العامة بالقبض في قضية سرقه رغم صدور أمر بالأوجه لإقامة الدعوى الجنائية عن تلك القضية ولم ينفذ قبل صدور الأمر بالأوجه لإقامة الدعوى الجنائية وقالت النقض في ذلك إنه من المقرر أن الأصل في الأعمال الإجرائية أنها تجري على حكم الظاهر وهي لا تبطل من بعد نزولاً على ما تكشف من أمر واقع، وأن الأعمال الإجرائية محكومة من جهتي الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها، وإذ كان الطاعنان لا ينازعان في أن أمر ضبطهما وإحضارهما قد صدر من نيابة مختصة لاتهامهما بالسرقة، وأن ذلك الأمر لم يسقط فإن صدور أمر حفظ في هذه التهمة - بفرض حصوله - لا يبطل أمر الضبط وما ترتب عليه من آثار(الطعن رقم ١٢١٩٧ لسنة ٨٧ ق الجنائيةجلسة ٢٠١٩/١٠/٢٧ وانظر تطبيقا آخر لهذه النظرية في حكم النقض الصادر في ١٩٨١/١٠/٨ س٣٢ص ٨٤٢ رقم ١٦٣) (٥)ولقد اختلف الفقه حول تلك النظرية فمنهم من ايدهها بلا تحفظ(د.محمد زكى أبو عامر الإجراءات الجنائية ٢٠١٤ ص٣٢١)ومنهم من حاول وضع ضوابط لها بأن يكون معيار الظاهر موضوعيا فلا يكفي أن يعتقد القائم بالإجراء وقت اتخاذه توافر شروط صحته، بل يجب أن يكون ظاهر الحال بحيث يخلف هذا الاعتقاد لدى الرجل العادي حين يوضع في مكانه ويحاط بمثل ظروفه. أما إن كان توهم هذه الشروط وليد نزق أو هوي فإن الإجراء يكون باطلا ولو اعتقد من قام به حقيقة أن شروطه متوافرة(د. عوض محمد عوض المبادئ العامة في قانون الإجراءات الجنائية ٢٠٠٠ص٦٥٤). أما جمهور الفقه فلا يؤيد النظرية بل ينتقدها لمخالفته أصلا مستقر حاصله أن الضابط في نشوء السلطة الإجرائية رهن بتحقق السبب المنشئ لها حقيقة وحكما ولا يغني عن ذلك مجرد الاعتقاد بتحقق هذا السبب(د. محمود نجيب حسني -شرح قانون الإجراءات الجنائية-١٩٩٨-ص٢٣٤؛ د. محمود مصطفى شرح قانون الإجراءات الجنائية ١٩٨٨ص٣٢١؛ د. عمر السعيد رمضان مبادئ قانون الإجراءات الجنائية الجزء الأول ١٩٩٣ص٢٦٥؛ د. عبد الرءوف مهدي شرح القواعد العامة في الإجراءات الجنائية ٢٠١٨٦٥٤)ومؤدي مذهب النقض أن سند سلطات مأمور الضبط القضائي في القبض والتفتيش لم يعد حاله التلبس وإنما مجرد الاعتقاد بتوافره(د. رمسيس بهنام الإجراءات الجنائية تأصيلا وتحليلا١٩٨٤ص٣٤١) كما أن قضاء النقض يخلط ما بين التلبس والدلائل الكافية علي الاتهام حال أن الأول محله الجريمة والثانية محلها شخص المتهم. حال أن المظاهر الخارجية جزء لا يتجزأ من الركن المادي لها فإن ثبت من التحقيق عدم صدقها في الدلالة على وقوع الجريمة فإن هذه المظاهر لا تكون حاله تلبس وإنما تكون دلائل كافية علي الاتهام(د. أحمد فتحي سرور الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية الجزء الأول ٢٠١٤ص٦٥٤). (٦)ورأي الجمهور لدينا أصوب لأن من شأن الأخذ بمذهب النقض تشجيع رجل الضبط القضائي علي عدم تحري الدقة في عمله والعسف والاجتراء في تنفيذ الإجراءات فينتهي الأمر إلى أن تضحي سلطات مأمور الضبط القضائي مطلقة من كل قيد ولا تستند إلى ضابط قانوني. والحق أن نظرية النظرية نشأت في رحاب القانون المدني تحت اسم الأوضاع الظاهرة وإن كان يمكن قبول النظرية في العلاقات المدنية على اعتبار أنها تنظم استقرار الأوضاع الظاهرة في المجتمع لين أفراده فإن تطبيقها في الإجراءات الجنائية جد خطير لأن المشرع لايسوغلا يسوغليسوغ اتخاذ إجراء جنائي إلا بنص وبشروط معينة ومن شأن الأخذ بنظرية الظاهر أن يضحي إيجاب المشرع لشروط صحة الإجراء عبثا بل مجرد لغوا وهو ما يتنزه عنه المشرع إذ صحة العمل الإجرائي لاتقوملا تقوملتقوملاتقوهملاتقوكلاتقوكم بمجرد توافر المظاهر الخارجية التي تحمل على الاعتقاد بتوافره مادام تبين بعد ذلك أن هذه المظاهر لم يكن له وجود. أما قول النقض بأن الاختصاص الذي ينعقد بحسب الظاهر يعد صحيح ولو تبين خلاف ذلك فينطوي على توسع لا يسوغ إذ حرص المشرع على بيان ذلك بنص صريح واستثنائي في المادة ١٦٣ إجراءات والتي نصت على أن لجميع الخصوم أن يستأنفوا الأوامر المتعلقة بمسائل الاختصاص ولا يوقف الاستئناف سير التحقيق. ولا يترتب على القضاء بعدم الاختصاص بطلان إجراءات التحقيق. ومن المعلوم أن الاستثناء لا يعمم ولايقاسولا يقاسوليقاس عليه إذ يكون معدولا به عن الأصل وما ثبت على خلاف الأصل لا يقاس عليه غيره. (٧)هذا وكنا قد تعرضنا لهذا الموضوع في مؤلفنا القبض في ضوء الفقه والقضاء وانتقدنا نظرية الظاهر ثم عمقنا البحث في كتاب نظرية الظاهر وقلنا إن هذه النظرية تشجع رجال الشرطة على عدم الدقة والتعسف في الإجراءات وأن الآخذ بها دون نص من شانه هدم قانون الإجراءات الجنائية فيما وضعه من ضمانات للقبض والتفتيش وأن سند رجل الضبط القضائي في القبض والتفتيش طبقا لنظرية الظاهر لم يعد القانون بل ظاهر قد يكذبه واقع الحال ولايجملولا يجملوليجمل بمحكمة بمحكمة النقض أن تقرره ولا يصح في دولة سيادة القانون العسف بضمانات وضعت للمواطنين نظرا لخطأ من الأجهزة الأمنية والقائمين عليها وإلا غدت الضمانات الإجرائية لغوا وحبرا على ورق. ويبدو أن محكمة النقض في حكم حديث لها أخذت بما يؤيد وجهه نظرنا إذ ألغت حكم لمحكمة الجنايات انتهت فيه إلي صح القبض والتفتيش استنادا لحكم قضائي كان قد ألغي إلى البراءة قبل القبض والتفتيش ولكن لم يسجل على كمبيوتر تنفيذ الأحكام. وقالت النقض لما كان الحكم المطعون فيه عرض لما دفع به المدافع عن الطاعن من بطلان القبض عليه وتفتيشه واطرحه بما مفاده أن الطاعن مطلوب القبض عليه لتنفيذ الحكم الصادر ضده في القضية رقم. . . . بالحبس شهر وكفالة مائة جنيه عارض وقضى في معارضته بقبول ورفض وتأييد استأنف لجلسة. . . . . لما كان ذلك، وكانت المادة 460 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه لا تنفذ الأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية إلا متى صارت نهائية ما لم يكن في القانون نص على خلاف ذلك، ونصت المادة 462 من القانون ذاته على أنه على النيابة العامة أن تبادر إلى تنفيذ الأحكام الواجبة التنفيذ الصادرة في الدعوى الجنائية، ولها عند اللزوم أن تستعين بالقوة العسكرية مباشرة. لما كان ذلك، وكان الثابت بالشهادة الصادرة من نيابة قسم. . . . – المرفقة بملف الطعن – أن القضية. . . . قضى فيها بجلسة. . . . غيابياً بحبس المتهم شهر مع الشغل وكفالة مائة جنيه وغرامة خمسون جنيهاً والمصادرة والمصاريف، عارض في هذا الحكم وقضى في معارضته بتأييد الحكم المعارض فيه والمصاريف، استأنف وقضى بجلسة. . . . قبول وإلغاء والقضاء مجدداً ببراءة المتهم والمصادرة والمصاريف، ومن ثم فإن الطاعن لا يكون مطلوباً للتنفيذ بموجب الحكم الصادر في الجنحة سالفة الذكر والقاضي ببراءته قبل القبض عليه في هذه القضية، ويكون ضبطه وتفتيشه استناداً إلى الحكم سالف الذكر قد وقعا باطلين ويبطل الدليل المستمد من تفتيشه ولا يعتد بشهادة من قام بهذا الإجراء الباطل، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه والقضاء ببراءة الطاعن (الطعن رقم 6050 لسنة 87 جلسة2019/2/24).
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق