نبذة عن حصانة المحامي في دستور ٢٠١٤بقلم ✍د. ياسر الأمير ______________________________________________ (١)كان ينظر إلى المحامي حتى عهد قريب علي كونه مجرد وكيل للمتهم أو بالأحرى الفم الناطق باسمه وبالتالي لم يكن للمحامي حقوق أو ضمانات ضد الإجراءات الجنائية إلا تلك التي يكفلها الدستور والقانون للمتهم ذاته دون أكثر أو أقل. ولكن بدأت الأذهان تتفتح إلى أن دور المحامي جد خطير فهو فوق حرصه على تمثيل المتهم ونقل وجهه نظره وبلورتها في إطار قانوني فإن له دور آخر يتمثل في حماية حقوق الدفاع وإرساء منظومة العدالة وكفالة سيادة القانون بحسبانه مستقل وعالم في القانون وأقدر الأشخاص في المجتمع المدني علي رقابة سلطات الدولة في تعاملها مع مواطنيها. وإذا كان الدور الأول يقتضي تمتع المحامي بذات حقوق المتهم فإن الدور الآخر يتطلب تمتعه بضمانات خاصة تمكنه من إنفاذ حكم القانون وكفالة حقوق الدفاع دون حرج أو خوف من تلفيق التهم بحسبانه أحد أضلع منظومة العدالة. (٢)ولهذا حرص دستور ٢٠١٤ في المادة ١٩٨علي النص بان المحاماة مهنة حره تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون وكفالة حقوق الدفاع كما ابان النص الدستوري تمتع المحامون أثناء تاديه حق الدفاع أمام المحاكم وسلطتي التحقيق والاستدلال بالضمانات المقررة لهم قانونا. وحظر النص الدستوري في غير حاله التلبس القبض على المحامي أو حجزه أثناء مباشرته حق الدفاع وذلك كله على النحو الذي يحدده القانون. ولم يقرر المشرع الدستوري تلك الحصانة لشخص المحامي وإنما قررها لحماية حقوق الدفاع المنوط بالمحامي إنفاذها على اعتبار أن حق الدفاع يتعلق بالمصلحة العامة Leaute les principes general relatifs aux droit de la defense R. E. V, Sc. crim 1953p47 وينبع من روح القانون الطبيعي Derriade perquisitions et saisies chez la avocat R. E. V SC. Crim 1985p228ومن ثم تنحسر تلك الحصانة عن الجرائم التي تقع من المحامي في حياته وتكون منبتة الصلة بعمله على السهر في حماية حق الدفاع Paris 27juin1984, Gaz Pal. No, 4, p416 وهو ما أكدته الفقرة الأولى من المادة 51من قانون المحاماة رقم لسنه 1983بعد تعديلها بالقانون رقم 147 لسنة 2019 إذ نصت على أنه لا يجوز التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة أو قاضي التحقيق في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك. وهو ما ينصرف إلى الجرائم التي يتهم فيها المحامي ولا تتعلق بالدفاع. (٣)ومقتضى النص الدستوري أن المشرع أحاط المحامي بضمانات ضد الإجراءات الجنائية إذ ما ارتكب نوعين من الجرائم الأولي الجرائم التي تقع أثناء أداءه حق الدفاع والنوع الآخر الجرائم التي تقع ابان مباشرة حق الدفاع وهى حصانه قاصره على إتخاذ إجراءات التحقيق دون رفع الدعوي الجنائية إذ يكون للنائب العام اقامة الدعوى.وقد أحال الدستور بشأن النوع الأول إلى القانون وبين حكم النوع الثاني وهو ما قضت به محكمة النقض حين أوضحت أن القيد الوارد في المادتين ٤٩، ٥٠ من قانون المحاماة يقتصر على جرائم الجلسات التي تقع من المحامي وذلك قبل صدور دستور ٢٠١٤ وخلو القانون من نص يقرر حصانه للمحامي في جرائم أداء حق الدفاع (الطعن رقم ٢٢١٩٢ لسنة ٦٢ قضائيةالصادر بجلسة ١٩٩٧/٠٤/٠٥)وهو ما غاب عن نفر من الفقهاء الذي انتقد النص الدستوري وقرر أنه تحصيل حاصل بحجه أن ما جاء به لا يعدوا ترديدا لما جاء بقانون المحاماة والإجراءات الجنائية! وهو ما نراه غير صحيح. (٤)إذ جرائم أداء حق الدفاع يقصد بها الجرائم التي تقع من المحامي أمام المحكمة وهو ما قضت به محكمة النقض الطعن رقم ٣٢٣ لسنة ٤ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٣/٠٥/١٦ طبقا للمواد 245 إجراءات و49 و50من قانون المحاماة قبل تعديلهما وقبل صدور دستور ٢٠١٤. أو النيابة العامة أو الشرطة طبقا لتعديلات قانون المحاماة حال قيامه بعمله المتمثل في إبداء الطلبات أو الدفاع وما يستلزمه ذلك من التمسك بالشرعية وإرساء سيادة القانون. ومقتض هذه الحصانة عدم جواز القبض على المحامي أو حجزه أو حبسه وإنما فحسب تحرير مذكرة وإرسالها إلى جهات الاختصاص بحسب ما إذا كان ما وقع منه تشويش أو جريمة. وتمتد هذه الحصانة إلى أحوال التلبس بالجريمة لأن الفرض فيها مشاهده المحامي حال ارتكابها من الجهات المار ذكرها لحصولها في حضرتها. ومن أمثلتها جريمة أهانه المحكمة بسبب رفضها إثبات دفاع المحامي في محضر الجلسة أو إحراز المحامي قطعه حشيش صغيرة الحجم في مكان ظاهر في جيبه أثناء استجوابه للضابط لاختبار قوة إبصاره وملاحظته للتشكيك في الرواية المذكورة في محضر الضبط من رؤيته للمخدر في جيب المتهم حال استيقافه. أو سب وقذف عضو نيابة رفض السماح للمحامي بالاطلاع على التحقيق قبل استجواب موكله المتهم. أو التعدي على ضابط شرطة رفض تحرير محضر للمحامي عن إصابة موكله وطرده من القسم. (٥)وأما جرائم مباشرة حق الدفاع فيقصد بها الجرائم التي تقع بسبب أو بمناسبة حق الدفاع ويتحقق ذلك في حالتين الأولي: إن تكون هناك صلة بين الجريمة وحق الدفاع مهما كان زمانها أو مكانها أو مداها والحالة الثانية: كون حق الدفاع قد ساعد على وقوع الجريمة أو كون المحامي لم يكن ليفكر في الجريمة أو يرتكبها لولا حق الدفاع. ومن أمثله هذه الجرائم مساهمة أحد المحامين في تزوير عقد لصالح موكله لاستخدامه في دعوى مدنية. أو استعماله مخالصة يعلم بتزويرها بتقديمها إلى المحكمة أو النيابة العامة.ففي هذه الجرائم لا يجوز القبض على المحامي وحبسه ما لم تكن الجريمة متلبسا بها. وهذا وجه فرق بين جرائم أداء حق الدفاع وجرائم مباشرة حق الدفاع. (٦)وعلى الرغم من أن الدستور لم يذكر سوي حظر القبض والحجز بشأن جرائم مباشرة حق الدفاع إلا أننا نعتقد امتداد الحصانة إلى كافة إجراءات التحقيق التي تتخذ ضد المحامي كتفتيش مسكنه أو مكتبه أو رقابة محادثاته لاتحاد العلة وهي خشية التلفيق بسبب مباشرة حق الدفاع وإمكان المحامي تحقيق موجبات العدالة وإرساء دعائم القانون دون حرج أو خوف من تدخل السلطة التنفيذية. وهي سياسة دستورية رشيدة تنم عن فهم كامل ورائع لطبيعة عمل المحامي. ويجب على سائر سلطات الدولة تطبيق النص الدستوري دون حاجة إلى إصدار قانون باعتباره من النصوص صالحه التطبيق المباشر دون تربص صدور قانون أدنى.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق