نبذة عن العقاب علي الشروع في الجريمة بقلم✍ د.ياسر الأمير ______________________________________________ (١)لا تقع الجريمة طفرة واحدة، ولكنها في الغالب تمر بأكثر من مرحلة، سواء في ذلك الجرائم العمدية وغير العمدية. وتمر الجريمة في العادة بمرحلتين هما التنفيذ والتمام، وتتميز الجرائم العمدية بمرحلة أخرى هي التفكير، وقد يتخلل التفكير والتنفيذ مرحلة أخري يتم فيها الإعداد والتحضير وعلي ذلك فالمراحل التي يمكن أن تمر بها الجريمة هى التفكير والتحضير والتنفيذ ولا خلاف على أنه لأعقاب على التفكير فى الجريمة ولا التحضير لها، ولكن العقاب بالبداهة واجب عند تمامها. ويدق الأمر بالنسبة للمرحلة التي تتَوسط التحضير والتمام، وهي مرحلة التنفيذ فهل يشترط لوجوب العقاب أن تقع الجريمة بأكملها، أو يصح العقاب ولو كان ما وقع هو بعضها أي الشروع وإذا صح ذلك فما مدى العقاب الواجب علي من باشر التنفيذ ولم يتمه؟ عالج قانون العقوبات أحكام الشروع في المواد 47،46،45، وعني في المادة الأولى بتعريفه، وبين في المادتين التاليتين عقوبته.والشروع كأي جريمة يتكون من ركنين أحدهما مادي والآخر معنوي، وينحصر الفرق بين الشروع والجريمة التامة في الركن المادي وحده، أما الركن المعنوي فلا اختلاف فيه لأنه لا يقبل التبعيض. (٢)وفى الفقه خلاف حول معيار الشروع أو بالأحرى متى يعد الجاني قد بدأ تنفيذ الجريمة؟وترى محكمة النقض أن الفعل يعد شروعاً متي آتي الجاني فعل سابق على تنفيذ الركن المادى للجريمة ومؤدى إليه حالاً ومباشرة فلا يشترط لتحقق الشروع أن يبدأ الفاعل تنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة بل يكفي لاعتباره شارعاً فى ارتكاب جريمة أن يأتي فعلاً سابقاً على تنفيذ الركن المادي لها ومؤدياً إليه حالاً(الطعن رقم ٣٤ لسنة ٨٩ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٩/١٠/١٧الطعن رقم ٧٨١٢ لسنة ٨٠ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٩/٢٣الطعن رقم ١٦٥٤ لسنة ٨٠ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٦/٢٣الطعن رقم ١٦٩٦٧ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٥/٠٥الطعن رقم ٧٦٥٥ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٤/٠٧؛الطعن رقم ١٨٨٠٧ لسنة ٨٥ قضائيةالدوائر الجنائية - جلسة ٢٠١٧/١٢/٢٠)ولهذا قضت بتوافر الشروع فى هتك عرض فى واقعة طبقا لرأينا لأ تعدوا الفعل الفاضح وقالت أن الركن المادى في جريمة هتك العرض يتحقق بوقوع فعل مخل بالحياء العرضى للمجنى عليه يستطيل إلى جسمه فيصيب عورة من عوراته ويخدش عاطفة الحياء عنده وأنه لا يشترط لتحقيق الشروع أن يبدأ الفاعل تنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادى للجريمة بل يكفى لاعتباره شارعاً في ارتكاب الجريمة أن يأتى فعلاً سابقاً على تنفيذ الركن المادى لها ومؤدياً إليه حالاً ومباشرة , وكان الثابت في الحكم ومن التحقيقات أن المطعون ضده قد استدرج المجنى عليه إلى مكان خال من المارة وأمسك به وهدده بسكين وتعدى عليه بالضرب وطرحه أرضاً وحاول حسر ملابسه عنه فقاومه مستغيثاً وعلى أثر ذلك توقف قائد إحدى السيارات ففر المطعون ضده هارباً فإن الأفعال التى أتاها المطعون ضده طبقاً لما سلف بيانه تتحقق بها جريمة الشروع في هتك عرض المجنى عليه بالقوة بركنيها المادى والمعنوى والذى أُوقف أثره لسبب لا دخل لإرادة المطعون ضده فيه وهو استغاثة المجنى عليه وتوقف أحد قائدى السيارات المارة بمكان الواقعة وأن تلك الأفعال تؤدى مباشرة وفى الحال إلى إتمام الجريمة(الطعن رقم 42450 لسنة 75 جلسة 2012/11/27 س 63) (٣)وهو قضاء محل نظر ويبين فساده في الأحوال التي يجرم فيها المشرع فعل المحاولة ويجعل لها عقوبة الجريمة التامة ومن ذلك جرائم استغلال النفوذ والتربح وبعض الجرائم الاقتصادية إذ تصرح المذكرات الإيضاحية للقانون أن المحاولة لا ترقى إلى مرتبه الشروع بل هي أدنى منه درجة وبالتالي تقع الجريمة تامة ولو لم يبدأ الجاني في تنفيذ الركن المادي بل أتى فعل سابق عليه مباشرة أتخذ صورة المحاولة(د. عوض محمد عوض جرائم المخدرات والتهريب الجمركي والنقدي ١٩٦٧ص٤١٢؛ د. محمود مصطفى الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن ١٩٧٨ص٩٤؛ د. عبد المهيمن بكر القسم الخاص في قانون العقوبات ١٩٧٧ص٤٠٧؛ د. محمد زكى أبو عامر قانون العقوبات القسم الخاص ٢٠٠٥ص ٢٥٨؛ د. فوزية عبد الستار شرح قانون العقوبات القسم الخاص ٢٠١٧ص ١٥٨) وبالتالي فإن قضاء النقض في اعتناقه معيار الشروع سالف الذكر جعل المحاولة هي عين الشروع بالمخالفة لقصد الشارع. (٤)وعقوبة الشروع هي بوجه عام أدنى من عقوبة الجريمة التامة وهذا واضح في الجنايات كما أنه لا عقاب على الشروع في المخالفات أما الجنح فلا عقاب عليها إلا بنص خاص إذ فرق القانون بين الجنايات والجنح من حيث مبدأ العقاب على الشروع( م46. 47ع)والقاعدة أن الشروع في الجنايات معاقب عليه دائما إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك. ومن الجنايات التي ورد النص صراحة بعدم العقاب على الشروع فيها جناية الإجهاض( م264ع)فهذه الجناية لا يمكن العقاب عليها إلا إذا وقعت كاملة، أما إذا وقع بعضها فلا سبيل لمعاقبة الفاعل بوصفه شارعا فيها وان جاز عقابه مع ذلك على ما أتاه باعتباره جريمة أخرى ولو كان قصد الإجهاض لديه قائما. إذ نصت المادة 46يعاقب على الشروع في الجناية بالعقوبات الآتية إلا إذا نص قانوناً على خلاف ذلك: بالسجن المؤبد إذا كانت عقوبة الجناية الإعدام. بالسجن المشدد إذا كانت عقوبة الجناية السجن المؤبد. بالسجن المشدد مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى المقرر قانوناً أو السجن إذا كانت عقوبة الجناية السجن المشدد. بالسجن مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى المقرر قانوناً أو الحبس إذا كانت عقوبة الجناية السجن. أما الشروع في الجنح فلا يعاقب عليه إلا بنص خاص وفي كل جريمة على حدة طبقا للمادة 47 ومن الجنح مَا يعاقب القانون علي الشروع فيها ومنها ما يغفل العقاب عليه. ومن الأولى جنح السرقة ( م321) والابتزاز (م 326) والنصب (م336) وقتل دواب الركوب أو الحمل أو الجر دون مقتض ( م 355)، وَمِنْ الثانية جنح السب والقذف والضرب والجرح وانتهاك حرمة ملك الغير. ولقد قضت محكمة النقض بأنه لا عقاب علي الشروع في جريمة الترويج لقلب نظم المجتمع الأساسية وكذلك التهريب الجمركى إذ كلاهما جنحة وخلا القانون من العقاب عليهما وقالت فى ذلك أنه لما كان المشرع بما أورده في المادة 47 من قانون العقوبات قد نص صراحة ووضوح لا لبس فيه على أن " تعين قانوناً الجنح التي يعاقب على الشروع فيها وكذلك عقوبة هذا الشروع " هو مناط التجريم والعقاب ؛ إذ الأصل عدم العقاب على الشروع في الجنح إلا بنص خاص ، وكانت المادة 98 (ب) من قانون العقوبات إذ سكتت عن النص على ثمة عقوبة للشروع في الجريمة المنصوص عليها فيها ، وكان من المقرر أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، وإذا كان ذلك ، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمعدل بالحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وغابت عنه هذه الحقيقة القانونية وقضى على الرغم من ذلك بإدانة الطاعنين عن جنحة الشروع في الترويج – موضوع التهمة الأولى – إعمالاً للمادة الأخيرة – على السياق المتقدم – رغم أنه فعل خارج عن نطاق التأثيم المنصوص عليه في تلك المادة ولا يندرج تحت أي نص عقابي آخر ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله . (الطعن رقم 22647 لسنة 84 جلسة 2015/11/18) وقالت أيضا أن نص المادة 47 قانون العقوبات قد نص على أنه : " تعيَّن قانوناً الجُنح التي يُعَاقب على الشروع فيها ، وكذلك عقوبة هذا الشروع " . لمَّا كَان ذلك ، وكَان قد صدر القانون رقم 95 لسنة 2005 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 - والذي عُمِل به اعتباراً من يوم 21 يونيه سنة 2005 - والذي ألغى المادة 124 مُكرراً من القانون الأخير ، والتي كَانت تُقرِّر عقوبة جنائية لجريمة الشروع في التهريب الجمركي المُؤثمة بالمادتين 122 ، 124 مُكرر من ذلك القانون آنف البيان ، وخَلت نصوص القانون الجديد من ثمة تأثيم لجريمة الشروع والتي كَان منصوصاً عليها في القانون سالف الذكر قبل تعديله ، ومن ثم فقد أضحت تلك الجريمة بموجب القانون رقم 95 سالف الذكر ، فعلاً غير مُؤثم(الطعن رقم 16371 لسنة 4 جلسة 2014/07/09 س 65 )
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق