مدى التزام محكمة الموضوع ببحث الدفاع الشرعي: بقلم✍ د. ياسر الأمير ______________________________________________ (١)الدفاع الشرعي سببا لإباحة الفعل الجرمي لم يخلقه المشرع بل أقره وضبط أحكامه لأنه قانون الفطرة وأهم ما يشغل بال رجال القانون هو متى تلتزم محكمة الموضوع ببحث الدفاع الشرعي من جهة؟وهل يلزم أن يعترف المتهم بالجرم كي يصح له التمسك بالدفاع الشرعي من جهة أخرى؟. (٢)ويمكن القول بوجه عام إن محكمة الموضوع تلتزم بتقصي الدفاع الشرعي في حالتين الأولى: حين ترشح وقائع الدعوى، كما حصلتها المحكمة لقيام حالة الدفاع الشرعي، والثانية: حين يتمسك المتهم بحالة الدفاع الشرعي أو بعذر التجاوز. ويتعين على المحكمة في الحالة الأولى أن تتصدى من تلقاء نفسها للبحث في حالة الدفاع الشرعي وتقول كلمتها في هذا الشأن إثباتا أو نفياً، ولو لم يدفع المتهم بذلك بل لو اعتصم بالإنكار وأصر على عدم ارتكاب الفعل ولهذا أستقر قضاء النقض علي إن تصوير الحكم الحادثة على وجه يتوافر معه ظرف الدفاع الشرعي مع عدم إفصاحه عن رأيه في حالة الدفاع الشرعي التي استظهرها وأثرها يستوجب نقض الحكم(نقض 1935/1/1مجموعة القواعد القانونية ح 3 ص 454 رقم 350؛ نقض 1953/12/7 مجموعة أحكام النقض س4 ص 431 رقم 165؛ نقض 1958/3/17 س 9 ص 305 رقم 85؛ نقض 1958/4/28س9 ص 423 رقم 114؛ نقض 1974/1/12 س 25 ص 839 رقم 180) (٣)أما إذا كانت الوقائع التي حصلتها المحكمة لا ترشح لقيام هذه الحالة فإنه يتعين على المتهم أن يثيرها وإلا فليس له أن ينعى على المحكمة بعد قعودها عن التعرض لها وليس من اللازم عندما يتمسك المتهم بالدفاع الشرعي أن يورده بصريح لفظه بل يكفي أن يصر على أنه لم يكن معتديا وإنما كان يرد اعتداء وقع عليه من المجني عليه ( نقض 20/ 10 / 1956 أحكام النقض س 7 ص 1109 رقم 306 و 12/ 2 / 1962 س13 ص 127 رقم 34 و 16/ 5 / 1969 س20 ص 741 رقم 150)غير أنه لا يكفي لإفادة معنى التمسك بقيام حالة الدفاع الشرعي أن ينسب المتهم للمجني عليه أنه كان البادئ بالعدوان لأن هذا القول بفرض صحته لا يدل على أن المتهم كان في حالة دفاع شرعي ومن ثم فهو لا يعد دفعا يلزم المحكمة أن تعرض له بالرد ( نقض 10 /3 / 1974 أحكام النقض س 25 ص22 رقم 50)ومن ثم فإن قول المتهم « أنا مضروب 4 سكاكين » لا يفيد التمسك بحالة الدفاع الشرعي ولا يفيد دفعا جديا يلزم المحكمة بالرد عليه( نقض1973/12/31ممجموعة أحكام النقض س 24 ص 1205 رقم 266) (٤)ولا يشترط لصحة الدفاع أن يبدي بصفة أصلية فيصح ابداؤه على سبيل الاحتياط لأن ابداءه في هذه الصورة لا ينفى بحكم اللزوم جديته وكان قضاء النقض قد اطرد زمنا على أن اعتراف المتهم بما هو منسوب إليه شرط لصحة تمسكه بقيام حالة الدفاع الشرعى بحيث لا يستقيم انكاره ارتكاب الفعل اصلا وتمسكه في آن واحد بحالة الدفاع الشرعى من باب الافتراض والاحتياط(نقض 1934/2/5 مجموعة القواعد القانونية ج3 ص 264 رقم 196؛ نقص 1934/12/3ص292 رقم 22؛ نقض1934/29/12 ص276 رقم 283؛ نقض1935/8/2ص 463 رقم 359؛ نقض1938/12/12 ج 4 ص 395 رقم 304؛ نقض1941/6/23 ج5 ص 551 رقم 283؛ نقض 1958/10/14 مجموعة أحكام النقض س9 رقم193 ص792؛ نقض 1964/10/26 س15 رقم193 ص624؛ نقض 1977/11/6 س28 رقم193 ص902 )ومالت أحكام أخرى إلى العكس إذ لم تشترط الاعتراف بالجرم (نقض 1953/1/27 مجموعة أحكام النقض س4 رقم193 ص431؛ نقض1957/11/11 س8 رقم193ص887؛ نقض 1979/4/115 س30 رقم193 ص477 ) ثم في حكم حديث نسبيا أخذت محكمة النقض بلزوم الاعتراف بالجرم ( نقض 2014/12/2 الطعن رقم 7820 لسنة 84ق ) ولكنها في حكم أحدث رجعت ولم تشترط الاعتراف بالجريمة (الطعن رقم 33194 لسنة 86 جلسة 2017/11/04) (٥)ولا شك أن اتجاه عدم لزوم الاعتراف بالجرم أصوب إذ الاعتراف من عدمه لن يغير من حقيقة الوقائع الثابتة في الدعوى ثم إن الدفاع الشرعي بحسبانه من أسباب الإباحة يتعلق بالنظام العام أي يتعين على المحكمة أن تتعرض له وتبحثه من تلقاء نفسها سواء تمسك به المتهم واعترف من عدمه. ثم إن للمتهم الحق في الكذب وإجباره على الاعتراف بالجرم يعني سلب هذا الحق منه وأضافه شرط للدفاع الشرعي لم يتطلبه القانون. وأيا ما كان الأمر فإن هذا التذبذب من محكمة النقض أمر غير مستحب لأنها أنشئت لتوحيد المبادئ القانونية فلا يجمل بها أن تشتت أو تبلبل ذهن المتلقي عنها لاسيما وإن كان محاميا يرسم خطة دفاعه على هدى من أحكامها باعتبارها نهاية المطاف وهو ما نأمل من محكمة النقض أن تراعيه في أحكامها. ولهذا وجب عرض الأمر على الهيئة العامة للمواد الجنائية لفض الخلاف وتوحيد المبدأ.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق