الفاصل الزمني وآثار الجريمة كشرط لتحقق التلبس بقلم ✍د.ياسر الأمير ______________________________________________ (١)تعتبر نظرية التلبس من النظريات الشائعة في القانون لما يترتب عليها من توسيع سلطات الضبط القضائي في القبض والتفتيش إذ الأصل أن رجال الضبط القضائي لا يجوز لهم القبض على الناس وتفتيشهم ما لم تأذن لهم سلطه التحقيق وبشرط توافر دلائل كافية علي الاتهام حتى لا ينكلون بالناس ويدعوا عليهم بالباطل لافتقارهم الى الحياد من جهه وسيطرة فكرة مطارده المجرمين علي عقولهم من جهه أخري.غير أن المشرع في المواد ٣٠و٣٤و٤٦من قانون الإجراءات الجنائية خرج عن هذا الأصل وأجاز لرجال الضبط القضائي إجراء القبض والتفتيش عند التلبس وقد دعاه إلي ذلك حرصه علي استتباب الأمن والأمان في المجتمع إذ إدراك رجل الضبط القضائي وهو يمثل سلطة الدول لجريمة متلبس بها دون أن يملك القبض الفوري علي الجاني يضع الدولة في موقف مهين ويعجز عمالها عن أداء واجبهم في استتباب الأمن والأمان في المجتمعpradel"procedure penal 1997 p231كما أن أدلة الجريمة ظاهرة واضحة ويجب ضبطها وضبط مرتكبها قبل زوالها أو طمسها لاسيما أنه لأ يخش عندئذ من التعسف فى القبض والتفتيش Garraud "traite de l,instruction criminelle 1907 t3 p232 (٢)ولقد بينت المادة ٣٠من قانون الإجراءات الجنائية حالات التلبس وأوردتها على سبيل الحصر لأ البيان والتمثيل وتفترض جميع حالات التلبس ضيق الفارق الزمني بين وقوع الجريمة وضبطها وهي حالات استثنائية لأ يجوز التوسع فيها أو القياس عليها ولقد جرى نصها على أن تكون الجريمة متلبساً بها حال ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرهة يسيرة.وتعتبر الجريمة متلبساً بها إذا تبع المجني عليه مرتكبها أو تبعته العامة مع الصياح إثر وقوعها أو إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملاً آلات أو أسلحة أو أمتعة أو أوراقا أو أشياء أخرى يستدل منها على أنه فاعل أو شريك فيها، أو إذا وجدت به في هذا الوقت آثار أو علامات تفيد ذلك.ثم ألزمت المادة ٣١من قانون الإجراءات مأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بجناية أو جنحة أن ينتقل فوراً إلى محل الواقعة، ويعاين الآثار المادية للجريمة ويحافظ عليها ويثبت حالة الأماكن والأشخاص وكل ما يفيد في كشف الحقيقة ويسمع أقوال من كان حاضراً أو من يمكن الحصول منه على إيضاحات في شأن الواقعة ومرتكبها ويجب عليه أن يُخطر النيابة العامة فوراً بانتقاله ويجب على النيابة العامة بمجرد إخطارها بجناية متلبس بهاالانتقال فوراً إلى محل الواقعة.والرأي مستقر علي أنه يلزم لثبوت التلبس أن يشاهد رجل الضبط القضائي الجريمة بنفسه فى إحدى حالات التلبس فلا يكفي أن يتلقى نبأها عن الغير فإن انتقل عقب ارتكاب الجريمة فيجب لاعتبار التلبس متحققا أن يشاهد أثر من آثار الجريمة ينبئ بذاتها عن وقوعها أو يشاهد الجاني بعد وقوعها بوقت قريب حامل لسلاح أو أى أشياء يستدل منها على مساهمته فيها أو أن يشاهد بالجاني آثار أو علامات تفيد تلك المساهمة والمعول عليه فى كل ذلك هو ضيق الفاصل الزمنى بين وقوع الجريمة ومشاهدة آثارها وهو ما عبر عنه المشرع بعبارة عقب وقوعها أو بعد وقوعها بوقت قريب كما يلزم أن يكون مشاهدة رجل الضبط القضائي الجريمة أو آثارها بطريقة يقينيه لأ تقبل الشك أو التأويل.ورغم استقرار الرأى فى الفقه والقضاء على ذلك إلا أن بعض تطبيقات محكمة النقض لأ تخلوا من تعسف إذ تقنع بثبوت التلبس من مجرد انتقال رجال الضبط القضائي إلى محل الواقعة عقب إبلاغه بالجريمة وتخلط بين آثار الجريمة ذاتها وأثار إخمادها بل تكتفى لتحقق التلبس بالآثار التي توجد بالمجني عليه دون الجانى ونسوق فى هذا الشأن بعض أحكام النقض وتقديرنا لها. (٣)فمن ناحية ذهبت محكمة النقض في حكم لها إلى أن انتقال مأمور الضبط إلى حانوت المجني عليه بعد زمن من نشوب الحريق فيه ووصوله بعد اطفاءه لأ ينفي قيام حالة التلبس مادام أن رجل الضبط قد بادر إلى الانتقال عقب علمه مباشرة.وفي ذلك تقول من المقرر قانوناً أن التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبهاوأن تقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من الأمور الموضوعية البحت التى توكل بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمةالموضوع و أنه لا ينفى قيام حالة التلبس كون مأمور الضبط قد إنتقل إلى محل الحادث بعد وقوعه بزمن ما دام أنه قد بادر إلى الإنتقال عقب علمه مباشرة و ما دام أنه قد شاهد آثار الجريمة بادية وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن الأول ببطلان القبض عليه لإنعدام حالة التلبس و رد عليه بقوله " بأن حالة التلبس متوافرة في الجريمة إذ أنها حالة تلازم الجريمة ذاتها وكون إنتقال ضابط الواقعة إلى محل الجريمة فور إبلاغه بحدوثها من شرطة النجدة و مشاهدته آثار حدوثها و آثار الحريق الحاصل في محل المجنى عليه و قيامه بمعاينة ذلك بعد برهة يسيرة من إطفاء الحريق و تأكده من شخص مرتكبها من شهود الواقعة فإن المحكمة ترى أن ذلك يعد كافياً لقيام حالة التلبس التى تجيز له القبض على المتهمين و يكون ما قام به من إجراءات قبضه على المتهمين و التحفظ على مكان الجريمة و إخطار النيابة العامة لتولى التحقيق و عرض الأمر عليها مع شهود الواقعة قد تم صحيحاً و يصح ما يترتب عليه من إجراءات و من ثم يكون الدفع قائم على غير سند من القانون و الواقع " فإن ما أورده الحكم فيما تقدم رداً على الدفع ببطلان القبض و سلامة الإجراءات التالية له يكون سديداً في القانون (الطعن رقم 159 لسنة 60 جلسة 1991/02/13 س 42 ع 1 ص 312 ق 42). وهذا القضاء غير صحيح ذلك أن التلبس يعني التقارب الزمني بين وقوع الجريمة وإدراكها وهذا التقارب هو ما حدا المشرع إلي الخروج علي القواعد العامة التي تحظر علي رجل الضبط القضائي اتخاذ القبض والتفتيش إلا بإذن من سلطة التحقيق ذلك أن مشاهده رجل الضبط القضائي للجريمة حال ارتكابها أو عقب ارتكابها أو بعد وقوعها بزمن قريب دون أن يملك سلطه القبض الفوري علي الجناه وتفتيشهم انتظارا لإذن سلطه التحقيق يضع الدولة في موقف مهين. ثم أن مناط التلبس هو ضيق الفاصل الزمني بين وقوع الجريمة وادراكها من جانب رجل الضبط القضائي وليس كما ذهبت محكمة النقض من وقوعها وانتقال رجل الضبط القضائي. ثم يحق لنا أن نتساءل أين جريمة الحريق الذي شاهدها رجل الضبط إذ كان وصوله تم بعد أطفائها؟ثم أن محكمة النقض خلطت بين آثار الحريق وأثار إطفاءه وما شاهده رجل الضبط ليس جريمة حريق أو آثارها وإنما آثار ومخلفات اطفاء حريق وشتان بين الاثنين. (٤)ومن ناحية أخرى ذهبت محكمة النقض إلى أن انتقال رجل الضبط القضائي فور إبلاغه بجناية هتك العرض ومشاهدته آثار"مني"علي بنطال المجني عليه يجعله إزاء جريمة متلبس بها ومن ثم فإن بحثه عن الجاني وضبطه وتفيشه يكون صحيح وقالت فى ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان القبض لانتفاء حالة التلبس - على خلاف ما يزعمه الطاعن بأسباب طعنه - واطرحه فى منطق سائغ متفق وصحيح القانون مدللاً على توافر تلك الحالة ، وكان تقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من الأمور الموضوعية التي توكل بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ـــ وفق الوقائع المعروضة عليها ــــ بغير معقب مادامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها فى حكمها، كما أن التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها ، وإذ كان ما رتبه الحكم - على الاعتبارات السائغة التي أوردها - من إجازة القبض على الطاعن لضبطه متلبساً بجناية هتك عرض إنسان بالقوة عقب ارتكابها ببرهة يسيرة ومشاهدة آثارها - وجود مني على بنطال المجني عليها ــــ بما ينبئ عن ارتكاب تلك الجريمة ويبيح لمأمور الضبط القضائي القبض عليه إعمالاً للمادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد لا يكون سديداً (الطعن رقم 7706 لسنة 78 جلسة 2017/01/05) وهذا القضاء بدوره معيب ذلك أن الآثار التي تجعل الجريمة متلبسا بها هي الآثار التي تشاهد بالجاني وليس بالمجني عليه وهذا ما أكدته الماده ٣٠ إجراءات التي أبانت حالات التلبس علي سبيل الحصر بقولها "تكون الجريمه متلبسا بها حال ارتكابها.... أو إذا وجد مرتكبها(الجاني) بعد وقوعها بوقت قريب ......به آثار أو علامات تفيد انه فاعلا أو شريكا فيها. وبالتالي فإن قول النقض بأن جريمة هتك العرض بالقوة كانت متلبس بها لمشاهده الضابط آثار"المني"علي بنطال المجني عليه يعد استحداث لحاله جديده من حالات التلبس ما أنزل بها القانون من سلطان وهو ما لا يملك القضاء تقريره بمحض تقديره .وترجع العلة التي من أجلها رد المشرع التلبس الي الآثار التي تعلق بالجاني وليس المجني عليه الي منع ثبوت التلبس بالباطل إذ بوسع المجنى عليه افتعال أصابه بنفسه بمبادرة شخصية منه للكيد للمتهم أو بإيعاز من رجل الضبط القضائي للإيقاع بالمتهم وضبطه وتفتيشه. فضلا عن انه من المفروض في آثار الجريمة التي تخلع عليها وصف التلبس ان تنبيء بذاتها ودون دليل إضافي علي وقوعها وهو ما يتحقق في الآثار العالقة بالجاني نفسه وليس بالمجني عليه إذ احتمال اصطناعها وارد.ويبدو أن الذي أورث اللبس لدي محكمة النقض خلطها بين الحالة الثانية من حالات التلبس(عقب ارتكابها ببرهة يسيره)والحالة الرابعة للتلبس(مشاهد آثار الجريمة علي الجاني)ومن المعلوم أن الحاله الثانية لا تتحقق إلا إذا كانت الجريمة نارها لم تخمد بعد كمشاهده جثة لازالت تنزف دما .أما مشاهد مادة صفراء والاعتقاد بانها "مني" فلا يوفر التلبس لان كل مادة صفراء لا تعد بالضرورة "مني " لاسيما انها وجدت على بنطال المجني عليه من الخارج وليس في منطقه عورة وهو مناط اعتبار الجريمة هتك عرض.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق