نظرات حول اقتراح مجلس الوزراء بشأن تجريم تصوير وتسجيل المحاكمات الجنائية :- بقلم✍ د.ياسر الأمير ______________________________________________ (١)تحرص وسائل الإعلام البصري والمرئي في بعض الجرائم الهامة على بث المحاكمات أو مقاطع منها بدعوى حرية الإعلام غير أن هذا البث ولا شك قد يؤثر على حسن سير العدالة ويضر بمصالح المتهمين بتكوين رأى عام ضدهم حال أن الأصل فى المتهم البراءة ولهذا حظرت معظم التشريعات المعاصرة هذا البث أو التصوير إلا بضمانات معينة أهمها موافقة المتهمين مع رصد جزاء جنائى على المخالفة. ذلك أنه ولئن كان الأصل هو علانية جلسات المحاكمة إلا أن هذا الأصل يقتصر على حضور الجمهور الجلسة التي تجرى فيها المحاكمة لأ أن تنقل إليه فى منزلة أو عمله صوت وصورة ولقد أكدت المحكمة الاتحادية فى سويسرا عام ١٩٦٩ على أن الأشخاص الغائبين عن قاعة الجلسة لأ يمكن أن يتمسكوا بمبدأ علانية المحاكمة كما أن أصل العلانية يحد منه أصل البراءة ولأ مناص من الموازنة بين الحقين بتغليب أحدهما على الآخر عند التعارض وهو أمر يملكه المشرع العادى طالما استند على أسس موضوعية. (٢)ففي فرنسا نظم المشرع الفرنسي هذه المسألة إذ نص في قانون ٢ فبراير سنه ١٩٨١ الذي عدل به نص الفقرة الثالثة من المادة ٣٨ من قانون الصحافةالصادر في ٢٩ يولية سنه ١٨٨١ على أنه "يحظر عند افتتاح الجلسة استعمال أي جهاز للتسجيل أو نقل كلمات او صور ومع ذلك فلرئيس المحكمة أن يسمح بأخذ صور قبل البدء فى المناقشات بشرط ان يوافق الخصوم أو ممثليهم والنيابة العامةChavanne (A) “la protection des droits de l’homme dans la procedure penal la phase du jugement1989 p.264 كما نص المشرع الفرنسي أيضا في المادة ٨٠٣ من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بقانون ٤يناير ١٩٩٣وقانون ٥١٦لسنه ٢٠٠٠بشان تدعيم قرينة البراءة علي انه "يحظر عند افتتاح الجلسة استخدام اي جهاز تسجيل صوتي او إذاعة أو آلة تصوير للتليفزيون أو السينما أو آلات التصوير الفوتوغرافي إلا إذا صرح رئيس المحكمة بالتسجيل تحت إشرافه كما يحظر تصوير أى متهم وهو يحمل أغلال أو أثقال.كذلك جرم قانون الصحافة المشار إليه التقاط أو نشر صور أشخاص مقيدين بالأغلال متى كانوا محل اتهام لم يصدر فيه حكم بات.ولكن يلاحظ أن قانون ١١ يوليو سنه ١٩٨٥ في فرنسا يجيز إجراء تسجيل لجلسات المحاكمة" بشرط ان يمثل ذلك مصلحة لتكوين أرشيف تاريخي لجهاز العدالة ولا يتم ذلك إلا بإذن السلطة القضائية والتي يجب عليها قبل إصدار قرارها أن تتلقي ملاحظات الخصوم وممثليهم ، وكذا رئيس الجلسة المطلوب تسجيل وقائعها والنيابة العامة وكذلك استطلاع رأي اللجنة الاستشارية للأرشيف السمعي البصري لجهة القضاء Lindon “la television a l’audience” D1985, chr. 81 ;Verin “televiser les debats judiciaries Rev sc crim 1984 p.811; Pradel “les techniques audiovisuelle de la justice et l’histoire, la loi du 11 juillet 1985 tendant a la constitution d’archives audiovisuelle de la justice” D1986, chr p.45. (٣)هذا ولا يوجد في مصر حتى الآن قانون يجيز هذا البث التصوير أو يحظره ولأ يوجد أيضا قانون يجرم البث والتصوير ولهذا أصدر مجلس القضاء الأعلى قرار فى ٢٠١٠و٢٠١١حظر فيه على وسائل الإعلام تصوير وتسجيل جلسات المحاكمة ولكن نظرا لأن هذا القرار لأ يرقى إلى مرتبه القانون جرى العمل على مخالفته بسند أن المادة ٢٤٣اجراءات تجيز ضمنا هذا البث والتصوير بناء علىموافقة رئيس المحكمة التي تنظر الدعوى تأسيسا على ان ضبط الجلسة وإدارتها منوطان برئيسها. وهو تخريج فاسد ذلك أن حفظ الجلسة وإدارتها لأ ينصرف أبدا إلى السماح بالتصوير د.ياسر الأمير مراقبة الأحاديث الخاصة في الإجراءات الجنائية دراسة مقارنة ٢٠٠٩ص٨٧). ولهذا اقترح مجلس الوزراء مؤخرا مشروع قانون بإضافة مادة جديدة إلى قانون العقوبات تجرم هذا البث أو التصوير تنص على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صور أو سجل أو بث أو نشر أو عرض، كلمات أو صورا لوقائع جلسة مُخصصة لنظر دعوى جنائية أثناء انعقادها بأي وسيلة كانت؛ بدون تصريح من رئيسها، وذلك بعد موافقة النيابة العامة والمتهم، والمدعي بالحق المدني، أو ممثلي أي منهما ويحكم بمصادرة الأجهزة أو غيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو ما نتج عنها، أو محوه، أو إعدامه بحسب الأحوال.ورغم أن النص جاء عام فى التجريم لأ يفرق بين تصوير المتهمين أو ما يجرى فى الجلسة من مرافعة دفاع وقرارات المحكمة أو الأحكام إلا أن المذكرة الإيضاحية من القانون أوضحت علة التجريم وقصرتها على صور المتهمين بقولها إن الهدف من هذا الحظر منع تصوير المتهمين إعلامياً لحين صدور حكم بات فى القضايا التى يحاكمون بها حماية لهم، لأن الأصل فى الإنسان البراءة، وهذا الأصل يتمتع به كل متهم حتى يصدر ضده حكم بات على نحو يجعل له الحق فى ألا تلتقط له أي صورة فى وضع يجعله محل ازدراء الآخرين أو شكوكهم. (٤)وأول ما يلاحظ على النص المقترح أنه لم يطلق حظر البث أو التصوير وإنما إجازة بشرط الحصول مسبقا على موافقه من رئيس المحكمة التى تنظر الدعوى الجنائية وهي سلطة مخول للرئيس لأ يشاركه فيه أعضاء الدائرة التي تنظر الدعوى غير أن مطلق الترخيص لأ يكفي وإنما يلزم فوق ذلك موافقة أطراف الدعوى الجنائية أو ممثليهم وهم النيابة العامة والمتهم والمدعى المدنى ان وجد.ويشترط للعقاب أن يحصل البث أو التصوير فى إحدى جلسات المحاكمة أى فى قاعتها وأثناء انعقادها فإن حصل التصوير فى مكان آخر أو فى قاعة الجلسة قبل أو بعد انتهاء الجلسة فلا جريمة ولأ عقوبة وتفريعا عن ذلك لأ جريمة طبقا للنص المقترح تصوير المتهمين عند دلوفهم قاعة الجلسة طالما لم تنعقد الجلسة بعد وكذلك أثناء خروجهم بعد انتهاء الجلسة وهو أمر يلقى ظلال كثيفة حول الغاية من النص المقترح وهل هو حماية المتهمين والحرص على سمعتهم أم حجب الرأى العام عن الاطلاع بما قد يحدث من تجاوزات أثناء إنعقاد الجلسة!! (٥)ويلاحظ ثانيا أن التجريم والعقاب ينصرف إلى أفعال محددة بعينها يكفي توافر إحداها وهي التصوير أو التسجيل أو البث أو النشر أو العرض طالما انصبت هذه الأفعال على كلمات أو صورا لوقائع جلسة مُخصصة لنظر دعوى جنائية أثناء انعقادها بغض النظر عن وسيله التصوير أو البث أو العرض أو النشر ولو كانت تلك الوسيلة هى وسائل التواصل الإجتماعي. (٦)ويلاحظ ثالثا أن النص المقترح من السعة التي تتعارض مع علة الحظر والتجريم وهى حماية سمعه المتهمين إذ لم يقصر المشرع التجريم وبالتالي العقاب علي بث وتصوير المتهمين مقيدين بالأغلال وإنما شمل بالتجريم أي بث وتصوير للمحاكمة ككل كمرافعات الدفاع وقرارات وأحكام المحكمة والتحقيق مع الشهود مما يؤدي إلى عقاب المحامي مثلا الذي يقتصر على تصوير جزء من مرافعته دون ظهور أى صور للمتهم وكذا الصحفى الذي يلتقط صوره لرئيس المحكمة عند إنعقاد الجلسة أو حتى للمحامي أثناء المرافعة وهو ما يتعارض مع عله التجريم. ولهذا نرى تعديل النص بقصر الحظر والتجريم على بث وتصوير المتهمين وإلا كان النص المقترح غير دستوري إذ الاستثناء الوحيد الذي يمكن قبوله دستوريا على علنية الجلسات هو الانتقاص من أصل براءة المتهم بتصويره اثناء المحاكمة وهو ما يتفق مع القانون المقارن. (٧)ويذكر أنّ الدستور يُتيح للحكومة حق اقتراح إصدار قوانين أو تعديلها، مع أخذ رأي مجلس الدولة وإحالة القانون أو التعديل الذي ترغب فيه الحكومة لمجلس النوابلمناقشته وعقب إحالة الحكومة للتعديل التشريعي المرغوب فيه إلى مجلس النواب؛ فإنّه يُحيله إلى اللجان المختصة في تشكيله لمناقشته، ثم يعرض تقرير بملاحظاته عليها، ليُعرض بعدها على اللجنة العامة بالمجلس للتصويت على القانون الجديد وحال إقرار مجلس النواب للتعديل بصورته النهائية، يُرفع مشروع القانون إلى رئيس الجمهورية لإصداره مع حق إعادة القانون للبرلمان لتعديله، وعقب إقرار القانون بصورة نهائية، يُنشر في الجريدة الرسمية للبلاد، ويعمل به من التاريخ المذكور في قرار إصداره المنشور بالجريدة.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق