مدى لزوم استماع محكمة الجنايات للمراقب الأجتماعى ومناقشته عند محاكمة الطفل فى ضوء قضاء النقض دراسة نقدية بقلم✍ د.ياسر الأمير ______________________________________________ (١)تعتبر محاكمة الأطفال ذو خصوصية مميزة عن محاكمة المتهم البالغ مما يوجب أحاطه محاكمة الأطفال بضمانات إضافية تزيد عن ضمانات محاكمة المتهمين البالغين ويرجع ذلك إلي هشاشة تكوين الأطفال النفسي والجسدي والعقلي وما قد يحف بهم من بيئة اجتماعية سيئة قد توثر على سلوكهم وتصرفاتهم ولذا تنبهت التشريعات الجنائية الحديثة إلى ضرورة تخصيص الأطفال الجانحين برعاية خاصة واهتمام بالغ قبل الحكم بإدانتهم من خلال ضمانات تكفل إيقاع الجزاء المناسب لجرمهم طبقا لتكوينهم وظروفهم الاجتماعية وليس في ذلك إخلال بمبدأ المساواة بين المتهمين أمام القانون لارتكانه إلي أسس موضوعية تبرر التمييز.وتحرص التشريعات المقارنة بوجه عام على لزوم فحص الأطفال من جانب المتخصصين نفسيا واجتماعيا ومناقشة المحكمة لهم لتلم بحاله الطفل وظروفه قبل الحكم في الدعوى مع تخصيص محكمة معينة لمحاكمة الطفل.وكان أول من نادى بذلك هو العالم الأمريكي الدكتور"فريدريك وانيز"إذ ذهب إلى لزوم التعامل مع إجرام الأطفال على أنه ظاهرة إجتماعية تستحق الوقاية والعلاج والإصلاح أكثر مما تستحق المتابعة بهدف توقيع الجزاء،وأنه من الخطأ إن نحاكم الأطفال ونعاملهم وكأنهم مجرمين وإنه يجب أن يقلع النظام العقابى عن هذا الأسلوب الضار وإيجاد محاكم خاصة للأطفال الذين يقترفون الجرائم ويقدمون على مخالفة القانون وتعيين قضاة لا يمارسون أي عمل سوى النظر في دعاوى صغار الجانحين إذ الطفل في حاجة إلى رعاية خاصة وعناية تتناسب مع سنه ومستواه العقلي وحالته النفسية وقلة تجاربه وممارساته في الحياة. (٢)ولقد أخذ المشرع المصري في قانون الطفل رقم١٢ لسنة ١٩٩٦ المعدل بالقانونين رقمى ١٢٦ لسنة ٢٠٠٨ و ٧لسنه ٢٠١٥بهذه القواعد إذ نصت المادة ١٢٢فقرة أولى منه على أن تختص محكمة الأحداث دون غيرها بالنظر فى أمر الطفل عند اتهامه فى إحدى الجرائم أو تعرضه للانحراف كما تختص بالفصل فى الجرائم المنصوص عليها فى المواد ١١٣ إلى ١١٦ والمادة ١١٩ من القانون سالف البيان.غير أن الفقرة الثانية للمادة ١٢٢ نصت على أن يكون الاختصاص لمحكمة الجنايات بنظر قضايا الجنايات التي يتهم فيها طفل جاوزت سنه خمس عشرة سنة وقت ارتكابه الجريمةمتى أسهم فى الجريمة غير طفل واقتضى الأمر رفع الدعوى الجنائية عليه مع الطفل وفي هذه الحالة يجب على المحكمة قبل أن تصدر حكمها أن تبحث ظروف الطفل من جميع الوجوه ولها أن تستعين فى ذلك بمن تراه من الخبراء وأوجبت المادة ١٢٧ على المحكمة قبل الحكم على الطفل فى الحالات التى أوردها النص ومنها مواد الجنايات على إطلاقها الاستماع إلى أقوال المراقب الاجتماعى بعد تقديمه تقريراً اجتماعياًيوضح العوامل التى دعت الطفل إلى الانحراف أو التعرض له و مقومات إصلاحه(الطعن رقم ٣١٩٠١ لسنة ٨٦ قضائيةجلسة ٢٠١٧/١١/٢٦الطعن رقم ٣١٥٥٨ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/١٤)والطفل هو من لم يتجاوز سنه ثمانية عشر سنه ميلادية عند وقوع الجريمة وتقدير سن الطفل يكون بوثيقة رسمية وعند عدم وجوها تحدد بخبير (الطعن رقم ١٠ لسنة ٢٠١٨ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/١١/١٩الطعن رقم ١٠ لسنة ٢٠١٨ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/١١/١٩؛الطعن رقم ٨٧٤٥ لسنة ٨٨ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/١١/١٠؛الطعن رقم ٤٥٧٢ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٢/٢٦). (٣)وهذا الاستثناء الخاص بمحاكمة الطفل الذي بلغ خمسة عشر سنه أمام محكمة الجنايات متي ساهم في الجريمة مع متهم بالغ كان يوجب أن يحظى ذات الطفل أمام محكمة الجنايات بذات الضمانات التي كان يجب أن يحظى بها أمام محكمة الطفل فيما لو حوكم أمامها لاسيما الاستماع إلى أقوال المراقب الاجتماعي بعد تقديمه تقريراً اجتماعياً يوضح العوامل التى دعت الطفل إلى الانحراف أو التعرض له أو مقومات إصلاحه.غير أن محكمة النقض تضاربت أحكامها بشأن تطبيق تلك الضمانة أمام محاكم الجنايات إذ ذهبت بعض الأحكام إلى لزومه ومالت أحكام أخرى إلى عدم لزومه ورغم أهمية الموضوع فإن الفقه علي حد علمنا لم يتناوله ونعرض فيما يلي للاتجاهين ثم تقديرههما. (٤)فأما الاتجاه الأول فتري فيه محكمة النقض أن ما استنه المشرع من وجوب إستماع المحكمة للمراقب الإجتماعى إجراء جوهري يترتب على تخلفه البطلان بغض النظر عن المحكمة التي يحاكم أمامها الطفل ولو كانت محكمة الجنايات وقالت فى ذلك إن ما نصت عليه المادة ١٢٢ من قانون الطفل على أنه تختص محكمة الأحداث دون غيرها بالنظر فى أمر الطفل عند اتهامه فى إحدى الجرائم أو تعرضه للانحراف ، كما تختص بالفصل فى الجرائم المنصوص عليها فى المواد من ١١٣ إلى ١١٦ والمادة ١١٩ من هذا القانون ، واستثناء من حكم الفقرة السابقة يكون الاختصاص لمحكمة الجنايات أو محكمة أمن الدولة العليا بحسب الأحوال بنظر قضايا الجنايات التى يتهم فيها طفل جاوزت سنه خمس عشرة سنة وقت ارتكاب الجريمة متى أسهم فى الجريمة غير طفل واقتضى الأمر رفع الدعوى الجنائية عليه مع الطفل وفي هذه الحالة يجب على المحكمة قبل أن تصدر حكمها أن تبحث ظروف الطفل من جميع الوجوه ، ولها أن تستعين فى ذلك بمن تراه من الخبراء وأوجبت المادة ١٢٧ على المحكمة قبل الحكم على الطفل فى الحالات التى أوردها النص ومنها مواد الجنايات على إطلاقها الاستماع إلى أقوال المراقب الاجتماعى بعد تقديمه تقريراً اجتماعياً يوضح العوامل التى دعت الطفل إلى الانحراف أو التعرض له أو مقومات إصلاحه وهو - فى تكييفه الحق ووصفه الصحيح - إجراء من الإجراءات الجوهرية قصد به الشارع مصلحة المتهم الطفل بما يتغياه من إحاطة المحكمة بالظروف الاجتماعية والبيئة والعوامل التى دفعت الطفل إلى ارتكاب الجريمة أو تمت به إلى الانحراف والوقوف على وسائل إصلاحه وذلك حتى تكون على بينة من العوامل تلك وما لها من أثر فى تقدير العقاب وفى اختيار التدبير الجنائي الملائم للطفل بغية إصلاحه وأن عدم الاستماع إلى المراقب الاجتماعى يكون قعوداً عن هذا الإجراء الجوهرى يترتب عليه البطلان لما كان ذلك وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة ومن مدونات الحكم المطعون فيه أنها خلت من سند الحكم فى تقدير سن الأحداث ، كما خلت مما يثبت قيام المحكمة بالاستماع إلى المراقب الاجتماعى قبل الحكم على الطاعنين فإن الحكم يكون قد تعيب بالبطلان ولا يغير من ذلك أن المحاكمة جرت أمام محكمة الجنايات لأن نص المادة ١٢٧ من قانون الطفل المشار إليه سلفاً جاءت كلمة المحكمة فيه دون تخصيص بحيث تشمل محكمة الجنايات مما يعجز محكمة النقض عن إعمال رقابتها على تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوى ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه الطعن رقم ٢٥٠٠٤ لسنة ٨٦ قضائيةجلسة ٢٠١٧/٠٢/٢٠الطعن رقم ٦٦٤٠ لسنة ٨٢ قضائيةجلسة ٢٠١٧/٠٢/٢٠الطعن رقم ٥٠٥٧ لسنة ٨٧ قضائيةجلسة ٢٠١٧/١٠/٠١الطعن رقم ١١٢٢٦ لسنة ٨٥ قضائيةجلسة ٢٠١٧/١٢/٢٠). (٥)وأما الاتجاه الآخر فذهبت فيه محكمة النقض إلى أن وجوب حضور خبيران من الأخصائيين الاجتماعيين أحدهما من النساء على الأقل بمحكمة الأحداث وعليهما تقديم تقرير لها عن حالة الطفل والاستماع إليه غير ملزم لمحكمة الجنايات إذ المخاطب بالحكم محكمة الأحداث. وقالت في ذلك إن المادة ١٢١ من قانون الطفل رقم ١٢ لسنة ١٩٩٦وأن أوجبت أن يعاون محكمة الطفل خبيران من الأخصائيين أحدهما على الأقل من النساء يكون حضورهما إجراءات المحاكمة وجوبيًا وعلى الخبيرين أن يقدما تقريرهما للمحكمة بعد بحث ظروف الطفل من جميع الوجوه وذلك قبل أن تصدر محكمة الطفل حكمها، وأنه يتعين مراعاة ذلك أمام المحكمة الاستئنافية التي تنظر استئناف الأحكام الصادرة من محكمة الطفل مما يقطع بدخول الخبيرين فى تشكيل أي من محكمتي أول وثاني درجة إلا أن المادة ١٢٢ من قانون الطفل لم تجعل للخبيرين هذا الدور أمام محكمة الجنايات أو محكمة أمن الدولة العليا. وإنما أوجبت الفقرة الأخيرة من المادة آنفة الذكر على أي من المحكمتين الأخيرتين بحث ظروف الطفل من جميع الوجوه ولها أن تستعين فى ذلك بما تراه، ولا يساغ القول فى هذا الصدد أن المادة ١٢٧ من قانون الطفل وقد أوجبت على المحكمة فى حالة التعرض للانحراف وفي مواد الجنايات والجنح وقبل الفصل فى أمر الطفل أن تستمع إلى أقوال المراقب الاجتماعي بعد تقديمه تقريرًا بحالته يوضح العوامل التي دفعت الطفل للانحراف أو التعرض له ومقترحات إصلاحه كما يجوز للمحكمة الاستعانة فى ذلك بأهل الخبرة لا يسوغ ان ينصرف حكم هذا النص على المحاكم بما فيها محكمتي الجنايات وأمن الدولة العليا لأن المشرع فى نصوص محاكمة الطفل فى المواد ١٢١و١٢٢و١٢٣و١٢٤و١٢٦ إنما كان يخاطب محكمة الطفل باسمها وكذلك فعل فى المادتين ١٢٩و١٢٢ مما يفيد أن نص المادة ١٢٧ موجه إلى محكمة الطفل ولو أراد المشرع إعمال المادة ١٢٧ أمام محكمتي الجنايات وأمن الدولة العليا لما أعوزه النص على ذلك صراحة فى الفقرة الأخيرة من المادة ١٢٢ لكنه استثنى محكمتي الجنايات وأمن الدولة العليا من دور الباحث الاجتماعي ووجوب الاستماع إليه بعد وضعه تقريرًا عن الطفل كما فعل من قبل عندما عهد بمهمة الباحث الاجتماعي للنيابة العسكرية عند محاكمة الطفل أمام المحاكم العسكرية والذى تقرر بالقانون رقم ٧٢ لسنة ١٩٧٥ وعندما عهد بمهمته أيضًا للنيابة العامة عند محاكمة الطفل أمام محكمة أمن الدولة العليا والذى تقرر بالقانون رقم ٩٧ لسنة ١٩٩٢ لما كان ذلك وكان نعى الطاعن عدم مناقشة المحكمة للمراقب الاجتماعي بشأنه وعدم الإشارة إلى تقريره فى مدونات الحكم يفيد تمسكه بما توصيه المادة ١٢٧ من قانون الطفل من دور المراقب الاجتماعي ووجوب استماع المحكمة له بشأن حالة الطفل، وكانت هذه المادة على السياق المتقدم لا تلتزم بها لا محكمة الجنايات ولا محكمة أمن الدولة العليا فإن نعيه يكون غير سديد(الطعن رقم ١٣٣٠٣ لسنة ٨٢ قضائيةجلسة ٢٠١٤/٠٢/١١الطعن رقم ٤٦١٥ لسنة ٨٧ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/١٠/٠١الطعن رقم ٢٥٣٨ لسنة ٨٧ قضائية جلسة ٢٠١٧/١١/١٤الطعن رقم ٢١٩٧٦ لسنة ٨٧ قضائية جلسة ٢٠١٨/١١/١٧؛الطعن رقم ٤٧٤٥ لسنة ٨٨ قضائية جلسة ٢٠١٨/١١/٠٤). (٦)واتجاه النقض الأول هو الصحيح أما اتجاهها الآخر فغير سديد ولا نبعد عن الحقيقة إذ قررنا أن هذا الاتجاه تضمن جهاد من غير عدو ساق النقض إلى لي عنق النصوص رغم صراحتها ووضوحها واستدعاء نصوص ألغيت والاستشهاد بنصوص تثبت عكس ما انتهت إليه النقض. فمن ناحية أولي فإن قول النقض بان المشرع في المواد ١٢١ ، ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، ١٢٦ إنما كان يخاطب محكمة الطفل باسمها وكذلك فى المادتين ١٢٩ ، ١٢٢ مما يفيد أن نص المادة ١٢٧ موجه إلى محكمة الطفل، ولو أراد المشرع إعمال المادة ١٢٧ أمام محكمتي الجنايات وأمن الدولة العليا لما أعوزه النص على ذلك صراحة فى الفقرة الأخيرة من المادة١٢٢ لكنه استثنى محكمتي الجنايات وأمن الدولة العليا من دور الباحث الاجتماعي ووجوب الاستماع إليه بعد وضعه تقريرًا عن الطفل كما فعل من قبل عندما عهد بمهمة الباحث الاجتماعي للنيابة العسكرية عند محاكمة الطفل أمام المحاكم العسكرية والذى تقرر بالقانون رقم ٧٢ لسنة ١٩٧٥ وعندما عهد بمهمته أيضًا للنيابة العامة عند محاكمة الطفل أمام محكمة أمن الدولة العليا والذى تقرر بالقانون رقم ٩٧ لسنة ١٩٩٢ فقول محل نظر إذ من الثوابت أن الأصل العام ليس في حاجة إلى نص يقررة في كل مره وإنما الخروج عليه يحتاج إلى نص ولما كان استعانة أى محكمة بخبير اجتماعى يبحث حاله الطفل ويضع تقريرا تناقشه المحكمة أصل عام فى محاكمة الطفل بغض النظر عن المحكمة التي تحاكمه فإن المشرع لم يكن بحاجة إلي النص عليه حين يقدم الطفل إلي محكمة الجنايات وإنما الخروج عليه هو ما يقتضي النص وهو ما قرره المشرع فى قانون القضاء العسكري حين عهد للنيابة العسكريه بمهمه الخبير الإجتماعى وكذا قانون محاكم أمن الدوله قبل إلغائه وطالما خلى قانون الطفل والإجراءات الجنائية من نص يعفى محكمة الجنايات من تلك الضمانة وجب تقريرها بحسبانها أصل عام. (٧)ومن ناحية ثانية فإن الفقرة الأخيره من المادة ١٢٢من قانون الطفل تلزم محكمة الجنايات بهذه الضمانة وأن بدا للنقض العكس إذ جري نصها على أن وفي هذه الحالة يجب على محكمة الجنايات قبل أن تصدر حكمها أن تبحث ظروف الطفل من جميع الوجوه ولها أن تستعين فى ذلك بمن تراه من الخبراء.ثم قررت المادة ١٢٧ أنه على المحكمة قبل الحكم على الطفل فى الحالات التى أوردها نص المادة ١٢٢ وهي مساهمة الطفل البالغ خمسة عشر سنه مع آخر بالغ فى جريمة ومنها مواد الجنايات نظرا لإطلاق النص لفظ المحكمة دون تخصيص الاستماع إلى أقوال المراقب الاجتماعى بعد تقديمه تقريراً اجتماعياًيوضح العوامل التى دعت الطفل إلى الانحراف أو التعرض له أو مقومات إصلاحه مما يعني أن محكمة الجنايات يجب عليها الاستعانة بخبير اجتماعى يضع تقريره وتناقشه فيه. على اعتبار أن أدني مراتب الفحص أن تطلع محكمة الجنايات على تقرير الخبير الإجتماعي وأن تستمع إلي أقواله وما يقترحه بشأن إصلاح الطفل وأسباب اجرامه ليكون كل ذلك تحت نظر القاضي كي يستعين به فى تحديد العقوبة الملائمة للطفل(د.محمود نجيب حسني شرح قانالإجراءات الجنائية ١٩٩٨ص٩٣٧؛د.عوض محمد عوض المبادئ العامة في قانون الإجراءات الجنائية ٢٠٠٢ص٦٥١). ومن ناحيه ثالثة فإن اختصاص محكمة الجنايات بمحاكمة الطفل لم يقرر فى قانون الإجراءات الجنائية حتى يقال بأن المخاطب بأحكام قانون الطفل هى محكمة الطفل وليس محكمة الجنايات وإنما قرر هذا الاختصاص الاستثنائي لمحكمة الجنايات فى صلب قانون الطفل ذاته بموجب الفقرة الاخيرة من المادة ١٢٢ بما يعنى أن محكمة الجنايات صارت ملزمة بإتباع الإجراءات الواردة فى قانون الطفل ومنها ما تضمنته المادة ١٢٧من وجوب وضع تقرير خبير اجتماعى واستماع المحكمة اليه لما هو معلوم من أن الإجراءات تتبع الإختصاص. (٨)ومن ناحية رابعة نصت المادة ٣٨١من قانون الإجراءات الجنائية على أن تتبع أمام محكمة الجنايات جميع الأحكام المقررة في الجنح والمخالفات مالم ينص القانون علي غير ذلك ونصت المادة ١٢٤من قانون الطفل علي أن تتبع أمام محاكم الطفل القواعد والإجراءات المقرره في مواد الجنح مالم ينص القانون علي خلاف ذلك وقد نص قانون الطفل علي بعض الإجراءات والضمانات الواجبة الإتباع وبالتالي تكون تلك الإجراءات والضمانات واجبه الإتباع أمام محكمة الجنايات بمقتض مفهوم المادتين ٣٨١اجراءات و١٢٤من قانون الطفل. (٩)وأخيرا فإن تخريج محكمة النقض علي هذا النحو المنتقد يعنى عدم دستورية نصوص قانون الإجراءات الجنائية فيما أغفلته من تقرير ضمانة الفحص الإجتماعي للطفل أمام محكمة الجنايات(حكم المحكمة الدستورية العليا في ٢٠١٦/١٢/٢القضية رقم ٦٣لسنه ٢٦قضائية)إذ هذا الإغفال التشريعي الذي ابتدعته النقض يخل بمبدأ المساواة أمام القانون المقرر بالمادة ٥٣من دستور ٢٠١٤ عند الولاية المستركة بين محاكم الطفل ومحاكم الجنايات إذ يحظى الطفل الذي يقدم إلى محكمة الطفل بضمانات تفوق نظيره الطفل الذي يقدم لمحكمة الجنايات لا لشيئ وإنما لمجرد عقد الاختصاص لمحكمة الجنايات لوجود مساهم بالغ مع الطفل في حين أنه يجب أن تكون ضمانات الطفل وأحده بغض النظر عن المحكمة التي تحاكمه وإلا غدت محكمة الجنايات قضاء غير طبيعي للطفل وهو الأمر المحظور بنص المادة ٩٧من دستور ٢٠١٤.ثم أن دستور ٢٠١٤اولى عناية خاصة بالطفل وأوجب فى الفقرة الأخيرة من المادة ٨٠انشاء نظام قضائي خاص بالطفل والعمل على تحقيق المصلحة المثلي للطفل في كافة الإجراءات حياله وهو مالا يمكن تحقيقه إلا من خلال خبير اجتماعى يدرس حاله الطفل ويعين المحكمة في معرفة أسباب انحرافه وإجرامه ووسائل إصلاحه بما يتعارض مع إعفاء محكمة الجنايات من تلك الضمانة. ومن الثوابت أنه يجب تأويل النصوص التشريعية علي نحو يتوائم مع الدستور متى كان ذلك ممكنا لتجنب التعارض بينهما(حكم المحكمة الدستورية العليا في ١٩٩٨/٢/٧القضيه رقم ٧٣لسنه ١٩قضائية)إذ الأصل حمل النصوص التشريعية على قرينة الدستورية حتي يثبت العكس(نقض ١٩٩٧/٤/١٤مجموعة أحكام النقض س ٤٨هيئة عامه ص٥؛نقض ٢٠٠٥/١١/٢٠س٥٦رقم ٥٩ص٦١٥).
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق