التزوير بالترك:-بقلم✍ د.ياسر الأمير ______________________________________________ (١)التزوير لدي الفقه والقضاء هو تغيير الحقيقة في محرر بأحد الطرق المقررة قانونا تغييرا من شأنه إلحاق الضرر. ولقد احتدم الجدل بين الفقهاء على مدى إمكانية حصول التزوير بطريق الترك أي بإغفال ذكر بيان كان من الواجب إدراجه في المحرر بما يؤدي إلي أن يصبح مضمون المحرر مختلف في الجملة عما كان يجب أن يكون عليه ومن امثله التزوير بالترك امتناع كاتب العقد عن ذكر شرط جزائي أتفق أطراف العقد عليه أو امتناع المأذون عن شرط اشترطته الزوجة يجعل العصمة في يدها أو امتناع موظف البريد أو البنك عن ذكر بعض مبالغ اودعها المدخرون في صندوق البريد أو البنك في يوم معين وأيضا إغفال امين السر عمدا دفاع الخصوم في محضر جلسه المحاكمة وهذا الخلاف قديم ووجد في الفقه المقارن وانتقل إلى الفقه المصري وسببه استقرار الفقه والقضاء علي أن طرق التزوير في المحررات وردت على سبيل الحصر لأ البيان والتمثيل فلا يصح القياس عليها أو التوسع فيها وليس الترك أو الاغفال من ضمنها كما أن التزوير لديهم يجب ان يحصل بفعل ايجابي وليس سلبي (٢)ففي فرنسا أختلف الفقه في المسألة فذهب راي الي عدم العقاب علي التزوير بالترك لأن الترك ليس من طرق التزوير التي حرص المشرع علي ذكرها كما أن الترك سلوك سلبي والأصل عدم العقاب عليه إلا بنص خاص وهو ما خلا منه القانون.juris Classer penal art 145-149 no 51بينما ذهب رأي آخر إلي العقاب علي التزوير بالترك علي اعتبار أن إغفال ذكر بيانات جوهرية في المحرر كان من الواجب إدراجها يندرج تحت لواء جعل واقعة مزورة في صورة واقعه صحيحة وهي أحدي طرق التزوير المعتبره وأن الجريمة سيان أن تقع بفعل ايجابي أو سلبي Garraud"Traite droit penal Francais t4 1914p146; ;Garcon"Code penal annote art 145No379 وهو ما أخذت به محكمة النقض الفرنسيه Cass crim 27 janv 1982 Bull crim No29 هو أيضا ما ذهب اليه جانب من الفقه الإيطالي Antolisei Manuale di dorito penale part speciale t2 1954p469 (٣)وتميل محكمة النقض المصريةإلي إمكانية تحقق التزوير في المحررات الرسمية بطريقة الترك متي كان البيان المتروك في المحرر من البيانات الجوهرية الواجب إدراجها فيه كي يكون للمحرر المعني الذي حرر من اجله ولقد عرضت محكمة النقض للمسألة منذ زمن واخذت بما استقر عليه الفقه والقضاء في فرنسا وإيطاليا إذ قضت بأن الراي القائل بعدم وقوع التزوير بالترك لأن الترك لأ يعتبر تغيير للحقيقة إذ التغيير يقتضي فعل ايجابي من جانب مرتكبه والذي يترك شيأ يجب اثباته لأ يرتكب عمل إيجابي قول غير سديد إذ يجب إلا يقتصر النظر علي الجزء الذي تم تركه بل يجب النظر إلي ما كان يجب أن يتضمنه المحرر في مجموعة فإن ترتب علي الترك تغيير في مؤدي هذا المجموع اعتبر الترك تغيير للحقيقة معاقب عليه لكونه تزويرا(نقض ١٩٣٥/٢/٤مجموعة القواعد القانونية ج٣رقم ٣٢٨ص٤٧١؛نقض ١٩٤٣/٥/٣١ج٦رقم ٢٠٠ص١٧٤)وقضت طبقا لهذا المفهوم بإن وجود ختم هيئة البريد على الإيصال مبيناً به تاريخ الإيداع على نحو يستفاد منه هذا البيان بحيث لم يؤد إغفال تدوينه إلى تغيير الحقيقة في هذا الشأن فلا تزوير أن لم يضع الموظف التاريخ علي هذا الإيصال (الطعن رقم ٥٩٢٧ لسنة ٥٢ قضائيةالصادربجلسة ١٩٨٣/٠١/٢٥)ولكن علي العكسوقضت بأن خلو شهادة البيانات الصادرة من إدارة المرور من البيان الخاص بحفظ الملكية للشركة البائعة للسيارة وحظر بيعها دون الرجوع إليها هو بيان جوهري أُعدت الشهادة لإثباته وإغفاله يشكل جريمة التزوير المعنوي بطريق الترك (الطعن رقم ٦١٩٠١ لسنة٧٦قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٣/٤/٩) ولقد أخذ جمهور الفقه بمذهب النقض علي أساس أن الترك يندرج ضمن أحدي صور التزوير المعنوي بجعل واقعه مزروه في صوره واقعه صحيحة أحمد آمين شرح قانون العقوبات الاهلي القسم الخاص ١٩٢٨ص ؛٢٨٦د.السعيد مصطفي السعيد جرائم التزوير ١٩٤٠ص ١١٩؛د.محمود مصطفي شرح قانون العقوبات القسم الخاص ١٩٨٤ص١٠٦؛د.رؤف عبيد جرائم التزييف والتزوير ١٩٨٤ ص١٢٥؛د.محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات القسم الخاص ١٩٨٨ص ٣٢١؛د.عوض محمد عوض الجرائم المضرة بالمصلحه العامة ١٩٨٥ص٢٠٥؛د.فوزية عبد الستار شرح قانون العقوبات القسم الخاص ٢٠١٧ص ٢٨٩؛د.حسن المرصفاوي قانون العقوبات الخاص ٢٠١٥ص١٤٤؛د.محمد زكي أبو عامر قانون العقوبات القسم الخاص ٢٠٠٥ص ٣٢٠؛د.فتوح الشاذلي شرح قانون العقوبات القسم الخاص ٢٠١٠ص ٣٨٠؛د.رمسيس بهنام قانون العقوبات جرائم القسم الخاص ٢٠٠٠ص٣٥٩) (٤)ومذهب القضاء والفقه لدينا صحيح ولكن يجب تقييده فاما عن كونه صحيح فيرجع إلي أنه يستوي أن يقع تغيير الحقيقة في المحرر بفعل ايجابي أو سلبي إذ جريمة التزوير من جرائم السلوك المطلق فهي لأ تتقيد بشكل السلوك بل تقع بمطلق تغيير الحقيقة في محرر فهي تقع بالفعل وحده أو الامتناع وحده. كما أن طرق التزوير لدينا لم ترد علي سبيل الحصر بدلالة أن الفقه والقضاء استقرا علي اعتبار الاصطناع والتقليد من طرق التزوير رغم عدم الإشارة اليهما في المادتين ٢١١و٢١٣من قانون العقوبات كما أن هناك طريقة ادرجها الفقه والقضاء كفيله باستيعاب ما عداها عنها وهي جعل واقعة مزورة في صوره واقعه صحيحة وهذه الصورة ليس طريقة من طرق التزوير بل هي التزوير ذاته إذ التزوير في حقيقته ليس إلا جعل واقعه مزوره في صوره واقعه صحيحة وهو ما حدا بالفقه الفرنسي إلي ادراج الترك في تلك الطريقة تجنبا لقاله الخروج علي مبدأ الشرعية الجنائية حيث لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. وأما عن تقييد مذهب حصول التزوير بالترك فإننا نعتقد أنه يشرط لتحقق التزوير بالترك أن يكون هناك واجب قانوني يفرض علي الشخص إثبات بيان بعينه في المحرر ثم يغفل ذكره في المحرر عامدا متعمدا وأن يعاصر عدم الإثبات تحرير المحرر وليس بعده وأن يقتصر الترك علي بعض بيانات المحرر فإن كان القانون لأ يلزم الشخص بإثبات البيان أو كان عدم الإثبات راجع عن سهو أو إهمال أو غلط فإن عدم ذكره لا يعد تزويرا بالترك وكذلك لأ تزوير أن انصرف الترك إلي كل بيانات المحرر فإن اقرض ضرير مال لآخر وطلب من شخص أن يحرر له سندا بدينه فتواطئ مع المدين وسلم الضرير ورقه بيضاء لم يكن فعله تزوير.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق