نبذة عن القصد الاحتمالي والجريمة الاحتمالية دراسة نقدية بقلم ✍د.ياسر الأمير ______________________________________________ (١)ظهرت فكرة القصد الاحتمالي أو الجريمة الاحتمالية في العصور الوسطي في القانون الكنسي كصورة من تطهير النفسي عن الخطيئة إذ هذا التطهير لأ يكون عن الفعل وحده وبل ونتائجه أيضا فالجاني يحمل الخطيئة من أجل فعله ومن أجل الأضرار التي ترتبت عليه فمن اتي فعل غير مشروع سئل عن جميع نتائجه ولو كان لم يردها. Jousse"traite de la justice criminelle de France 1711 tome t3 p527 ; Gilbert"Le dol evenluel revue intenationale de Droit penal onzieme Anne 1er numero 1938 p20 ورغم شذوذ فكرة القصد الاحتمالي إلا أنها لم تختف بالكليه من بعض التشريعات المعاصرة بل أن الفقه والقضاء درج في بعض الدول علي تعميمها رغم عدم وجود نص عام يقررها في حين مالت تشريعات بعض الدول للحرص علي النص عليها بصدد طائفة محدده من الجرائم وهو ما اقره القانون الفرنسي والمصري شريطه اتجاه إرادة الجاني بفعله إلى تحقيق نتيجة إجرامية معينه وهو ما اصطلح علي كونه جريمة متعدية قصد الجاني كمحاولة مستميته من البعض في التمييز بينها وبين الجريمة الاحتمالية.ومن ذلك المادة ١٢٦عقوبات مصري التي تحمل الجاني الوفاة نتيجة تعذيب المتهم لحمله علي الإعتراف.وكذلك المادة ٢٣٦عقوبات التي تحمل الجاني الوفاة نتيجة فعل الضرب أو الجرح والمادة ٩٠عقوبات التي تحمل الجاني الوفاة نتيجة تخريب الأملاك العامة متي كان المجني عليه داخل أحدي هذه الأملاك والمادة ١٠٢ج التي تحمل الجاني الوفاة نتيجة استعمال مفرقعات أدي إلي انفجار.وما قررته المادة٤٣ من مسؤولية الشريك عن الجرائم الاخري التي يرتكبها الفاعل متي كانت نتيجة محتملة للجريمه التي قصد الاشتراك فيها.والمادة ٢٥٧التي تحمل الجاني الوفاة نتيجة فعل الاحراق.ولقد احتدم الجدل بين الفقهاء حول نظرية القصد الاحتمالي كنظرية عامة تسري علي كافة الجرائم ولم ينقشع الجدل والخلاف بينهم بعد او ينحسم وما نظنه بمنحسم إذ ليس من العدل أو الإنصاف معاقبة شخص عن جريمة توقعها تحت اسم أنها محتمله بقاله أنه قبلها من واقع جريمة أخري قصدها فهذا قمة الشذوذ إذ يبني العمد في المسؤولية الجنائية علي مجرد افتراض قد لا يغني عن الواقع شيئ. (٢)ولقد سبق أن وجهه الفقه الفرنسي سهام نقده إلي نظرية القصد الاحتمالي كنظرية عامة للعمد ورفض تعميمها خارج النطاق الذي رسمة المشرع واعلن أن القصد الاحتمالي هو الخطأ غير العمدي وأن تسمي بأسماء أخري فهو يتمثل في عدم احتراز واع ازاء النتيجة الإجرامية المحتمله ولا تقوم به أبدا المسؤولية العمدية. Stefani et Levasserur"Droit penal general 1976p17; De Vabres"Traite de droit criminell 1947p81. ورفض أغلب الفقه الفرنسي تبعا لذلك الأخذ بنظرية القصد الاحتمالي في جرائم القتل العمد. Garraud"Traite droit penal Francais t3 1914 p145 ;Garcon"Code penal annote art 295 No40 نظرا لأن تلك النظرية أحد صور المسؤولية الموضوعية التي تكتفي في قيام المسؤلية بارتكاب الفعل المادي إذ تحمل الجاني نتيجه جريمة لم يقصدها علي وهم توقع وقبول حصولها كنتيجة محتملة للجريمة التي قصدها هي مسؤولية شاذه لا يصح تقريرها الا بنص مثل جريمة الحريق بالتوصيل إذ ينص القانون على عقاب من وضع النار بقصد إحراق شيئ فترتب عليه احراق شيئ آخر كنتيجة احتمالية لفعل وضع النار وأن كان الفقه قد قيد مسؤلية الجاني عن النتيجه الاحتمالية إلا يكون بوسع الجاني توقع أتصال النيران أو إلا يكون اتخذ الاحتياطات اللازمة بالحيلولة دون أتصال النيران. Duval"etude de droit compare 1900p114 وهو ما ذهب اليه جانب كبير من الفقه المصري(د.علي راشد مبادئ القانون الجنائي ١٩٧٣ص٤٤٥؛علي بدوي الأحكام العامة في القانون الجنائي الجريمة ١٩٣٨ص١٢٣؛د. السعيد مصطفي السعيد الأحكام العامة في قانون العقوبات ١٩٦٢ص٣٥٤؛د.محمد مصطفي القللي المسؤولية الجنائية ١٩٤٨ص٣٦؛د.محمود مصطفي شرح قانون العقوبات القسم العام ١٩٨٣ص ٢٣١؛محمود ابراهيم اسماعيل شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ١٩٥٧ص٣٩٦) غير أن بعض الفقهاء المصريين حاول بسط نظرية القصد الاحتمالي الي سائر الجرائم مع وضع ضوابط لها واشترط أن يتوقع الجاني حصول النتيجة كاثر ممكن لفعلة وقبوله بتحقق هذه النتيجة الي جانب الجريمة الاصليه التي استهدفها بفعله وبالتالي فإن مجرد استطاعه المتهم توقع النتيجة أو وجوبه غير كاف لتحقق هذا القصد إذ لا يعدوا أن يكون خطا مع التبصر لا يحرك المسؤولية الجنائيه عن جريمة عمدية بل يحقق فحسب ركن الخطأ (د.محمود نجيب حسني-النظرية العامة للقصد الجنائي ١٩٨٣ص٢٤٣؛د.عبد المهيمن بكر القصد الجنائي في القانون المصري المقارن ١٩٥٩ص٣٥٤؛د.رءوف عبيد مبادئ القسم العام من التشريع العقابي ١٩٨٣ص٣٤٥؛د.محمد زكي أبو عامر قانون العقوبات القسم العام ٢٠٠٧ص ١٦٥؛د.فوزية عبد الستار النظرية العامة للخطا غير العمدي ١٩٨٥ص٣٩؛د.حسنين عبيد القصد الجنائي الخاص ١٩٨١ ص٣٦)وأن الجريمة الاحتمالية تختلف عن الجريمة متعدية قصد الجاني التي اقرها المشرع بنصوص خاصة(د.جلال ثروت نظرية الجريمة المتعدية القصد١٩٦٨ص١٦٨)في حين اتجه جانب آخر من الفقه وبحق إلي رفض مصطلح القصد الاحتمالي أو الجريمة الاحتمالية لأنه في حقيقته قصد جنائي غير مباشر إذ قد يتجه قصد الجاني مباشره الي ارتكاب جريمة ويتجه قصده بطريقة غير مباشرة الي ارتكاب جريمة اخري فالقصد الجنائي متوافر في الحالتين غايه الأمر انه في الأول مباشر وفي الاخر غير مباشر اما اذا انتفي العمد اصلا فلا قصد مطلقا وان جاز البحث في ركن الخطأ (د.عوض محمد عوض قانون العقوبات القسم العام ٢٠٠٠ ص١٣٢؛د.رمسيس بهنام النظرية العامة للقانون الجنائي ١٩٩٥ ص٨٢٠)اذ العمد يقوم علي ارادة واعية وعلم يقيني وليس محتمل فاي ذره شك في اتجاه الارادة إلي النتيجة والعلم بآثار الفعل ينفي القصد وهو ما ينطبق علي الجريمة المحتملة ومن ثم لأ داع مطلقا لدينا لنظرية القصد الاحتمالي والاجتهاد في تقييدها بتوقع النتيجة كاثر محتمل للفعل وقبول تلك النتيجة إذ أن التوقع المحتمل والقبول يخالجهما شك كما أنه لأ تلازم بينهما ومن غير المنطقي أن يتوقع المتهم احتمال حدوث النتيجة وفي ذات الوقت يقبلها إذ الاحتمال لا يفيد حتما وعلي وجه اليقين القبول بل علي العكس قد ينفيه بل أن نظرية القصد الاحتمالي تؤدي إلى الخلط بين العمد والخطأ مع التبصرمهما اجتهدنا في افتعال ضوابط للتفرقة و انتحال المعاذير إذ الخطا الواعي أو مع التبصر ينهض علي احتمال النتيجه وقبولها ولكن لمهارة خاصة في قدرات الجاني يعتقد عدم تحققها. (٣)وفي البداية اعترفت محكمة النقض المصرية أن الأصل مساءلة المتهم عن الفعل الذى أرتكبه أو اشترك في ارتكابه وأن تقرير مسئولية المتهم عن النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه خروج عن هذا الأصل(الطعن رقم ٢٧٠٣ لسنة ٥٠ قضائية الصادر بجلسة ١٩٨١/٠٤/١٩)مما كان لازمة وفقا لمنطق النقض قصر نظرية القصد الاحتمالي علي الجرائم التي قررها القانون كالضرب المفض إلي موت والحريق العمد والجرائم المحتملة نتيجه الاشتراك ومن احكامها التي طبقت فيها نظرية القصد الاحتمالي طبقا للنصوص التي اقرتها ما قضت بشأن جريمة الضرب بأن القصد الجنائي في جريمة الضرب المفضي إلى موت يتحقق بارتكاب الفعل عن إرادة وعلم بأن فعله يترتب عليه المساس بسلامة جسم المجني عليه أو صحته وان تحدث الحكم عنه استقلالا غير لازم اذ متى ثبت علم الطاعن بجريمة إحداث الجرح العمد تحمل قانونًا مسئولية تغليظ العقاب على حسب نتيجة الجرح الذي أحدثه ومضاعفاته ولو لم يقصد هذه النتيجة مأخوذًا في ذلك بقصده الاحتمالي (الطعن رقم ٣٩٨٣ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/١١/١٩الطعن رقم ٢١٧١٦ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/١٠/١٤الطعن رقم ٨٤٢٣ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٨/٠٤/٠٧).وقضت بشأن جريمة الحريق العمد بأن مفاد نص المادة ٢٥٧ القصد الاحتمالي في جريمة القتل توافره بتوقع وفاة المجني عليه كأثر ممكن لفعله وأن يقبل ويرضى بتحقق هذه النتيجة وأن ثبوت تعمد المتهم سكب مادة الجازولين على ساقي المجني عليه حال نومه بفراشه وفتح اسطوانة الغاز وتوجيه خرطومها إلى المجني عليه وإلقاء قطعة قماش مشتعلة عليه في مخزن يعلم يقينياً . كفايته لمسئوليته عن وفاتهم باعتبارها نتيجة مترتبة على جريمة الحريق العمدي(الطعن رقم ١٦٣٣٥ لسنة ٨٤ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٥/٢٢)وقضت بمسئولية الفاعل أو الشريك عن جميع الجرائم المحتمل حصولها ولو كانت غير تلك التى قصد ارتكابها متى وقعت بالفعل نتيجة محتملة للجريمة التى اتفق على ارتكابها(الطعن رقم ٢٦٢١٥ لسنة ٧٤ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠٠٤/١٠/٢٠ الطعن رقم ٢٦٢١٥ لسنة ٧٤ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠٠٤/١٠/٢٠الطعن رقم ١٤٣٠ لسنة ٤٨ قضائيةالصادر بجلسة ١٩٧٨/١١/٢٠)وقضت بأن اتفاق الطاعنين على ارتكاب جريمة سرقةو ارتكاب أحدهم جناية قتل عمد وجب مساءلتهم جميعاً عن الجريمتين متى تبين أن جناية القتل وقعت نتيجة محتملة لجريمة السرقة التى اتفق الطاعنون على ارتكابها(الطعن رقم ٢٦٢١٥ لسنة ٧٤ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠٠٤/١٠/٢٠الطعن رقم ١٧٦ لسنة ٤٧ قضائيةالصادر بجلسة ١٩٧٧/٠٦/١٣الطعن رقم ١٢١٥ لسنة ٣٩ قضائيةالصادر بجلسة ١٩٦٩/١٢/٢٢)وهي نتائج سليمة بوجه عام في ضوء النصوص التي اشارت صراحة أو ضمنا الي فكرة القصد الاحتمالي. (٤)ولكن توسعت محكمة النقض في النصوص التي أقرت القصد الاحتمالي ورأت استخلاص نظرية عامه منها عممتها علي سائر الجرائم لاسيما جريمة القتل العمد وأن حاولت تقييدها بتوقع الجاني للنتيجة وقبولها ولكنها عادت ونقضت غزلها من بعد قوة انكاثا حين تطلبت لقيام القصد الاحتمالي اتجاة ارادة الجاني إلي ازهاق روح المجني عليه بالإضافة إلي غرضه الأول الذي استهدفه بفعله إذ أن اتجاه الإرادة إلي ازهاق الروح ليس قصد احتمالي ولكن قصد مباشر. فلقد جري قضاء النقض علي أن القصد الاحتمالي الذي يقوم مقام القصد الأصيل فى تكوين ركن العمد وهو نية ثانوية غير مؤكدة تختلج في نفس الجاني يتوقع منها أن يتعدى فعله الغرض المنطوي عليه بالذات لغرض آخر لم ينتويه من قبل ويمضي في تنفيذه ولكن اشترطت أن يببن الحكم ذلك وإلا كان قاصرا (الطعن رقم ٣١٣٢٤ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٣/١٩ الطعن رقم ٣٠٤٥٨ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٢/١٠الطعن رقم ١٠٨٠١ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٢٢)غير أن النقض قضت في ذات الوقت بأن القصد الاحتمالي في جريمة القتل العمد يتوافر بتوقع الجاني وفاة المجني عليه كأثر ممكن لفعله ورضاه بتحقق هذه النتيجة وانه يجب تحدث الحكم القاضي بادانة متهم استناداً لتوافر القصد الاحتمالي عن اتجاه ارادته نحو ازهاق روح المجني عليه إلي جانب الغرض الأول الذي استهدفه بفعله و إيراد الأدلة التي تكشف عن(الطعن رقم ١٠٦٣٩ لسنة ٦٦ قضائيةالصادر بجلسة ١٩٩٧/٠٤/٠٣الطعن رقم ٨٥٥٨ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٠٧الطعن رقم ٣٢٢٩٩ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٠٧الطعن رقم ٢٠٢٠٢ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٢/٠٧)وما تقرره محكمة النقض في هذا الشأن ليس قصد احتمالي بل قصد جنائي مباشر مادام أنها تشترط اتجاة الإرادة نحو ازهاق روح المجني عليه إلي جانب الغرض الأصلي الذي استهدفه الجاني بفعله.واكدت النقض هذا المعني حين قضت بأن مجرد تحدث الحكم عن استطاعة المتهم توقع النتيجه أو وجوبه يعني الخلط بين القصد الاحتمالي في جريمة القتل العمد والخطأ غير العمدي مع التبصر(الطعن رقم ١٦٦٩٢ لسنة ٨٣ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٤/٠٤/١٣)وكذلك حين قضت بأن توافر القصد الاحتمالى رهن بقيام القصد المباشر واجتماع القصدين معاً مما يفترض حتماً وقوع نتيجتين أحدهما أشد جسامة و انصراف قصده الاحتمالى الي إحداهما وإلا سئل عن فعله مسئولية غير عمدية(الطعن رقم ٥٦٦١٥ لسنة ٧٣ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠٠٥/٠٢/٠٦) واسهبت محكمة النقض في حكم لها وأوضحت معيار التفرقة بين القصد الاحتمالي الذي يقوم مقام العمد وبين الخطأ غير العمدي وكيف أن مجرد تدليل الحكم علي مجرد استطاعة المتهم توقع النتيجه دون الجزم بقبولها ينفي القصد ويوفر الخطأ فقضت بأنه لما كان ما أورده الحكم فى معرض تدليله على توافر نية القتل قد شابه اضطراب وتناقض فى التدليل إذ خلط الحكم فى الاستدلال على توافر تلك النية بين القصد الجنائي المباشر والذى يفترض أن نتيجــة الاعتــداء مرغوبـا فيهـا علـى نحـو يقيني أو متـلازم وقـد دلـل عليـه الحكـم بأن نية إزهاق الروح قد توافرت لدى الطاعنين وبين القصد الجنائي الاحتمالي الذى يقوم مقام القصد الأصيل فى تكوين ركن العمد ، وهو نية ثانوية تختلج بها نفس الجاني ، قوامه أن يتوقع أن فعله يمكن أن يحدث النتيجة الإجرامية التي لا يتغياها بالدرجة الأولى فيمضى مع ذلك فى تنفيذ الفعل ، مستويًا لديه حصول هذه النتيجة أو عدم حصولها بما يوفر لديه قبول تحققها، ومن ثمّ يجب لتوافر القصد الاحتمالي فى جريمة القتل العمد أن يكون الجاني قد توقع وفاة المجنى عليه كأثر ممكن لفعله وأن يقبل ويرضى بتحقق هذه النتيجة ، وينبغي على الحكم الذى يقضى بإدانة متهم فى هذه الجناية استنادًا إلى توافر القصد الاحتمالي لديه أن يعنى بالتحدث استقلالاً عن اتجاه إرادته نحو إزهاق روح المجنى عليه، متمثلاً فى قبول تحقق هذا الغرض إلى جانب الغرض الأول الذى استهدفه بفعله ، وأن يورد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه ، فلا يكفيه فى هذا المقام التحدث عن استطاعة المتهم التوقع أو وجوبه بل يجب عليه أن يدلل على التوقع الفعلي وقبول إزهاق روح المجنى عليه ، ولما كان ما أورده الحكم تدليلاً على توافر ذلك القصد بصدد وقائع قتل المجنى عليهم الآخرين والشروع فيه خلاف المجنى عليهما من أفراد عائلة .... قد وقف عن حد التدليل على إمكان توقع تحقق وفاة وإصابة المجنى عليهم كأثر لفعل الطاعنين باعتبار أن ذلك من النتائج المألوفة دون أن يُعنى بالكشف عن توافر التوقع الفعلي لدى الطاعنين واتجاه إرادتهم نحو إزهاق روح المجنى عليهم سيما وأن من بينهم والد الطاعن الثاني ووالدة الطاعن الثالث وبذلك يكون الحكم قد جمع بين القصد الجنائي المباشر وغير المباشر ودلل على توافر كل منهما بغية الوصول إلى توافر نية القتل فى حق الطاعنين رغم ما بين القصدين من تعارض ومن ثم يكون الحكم معيبًا (الطعن رقم١٦٦٩٢لسنة٨٣قضائية جلسة٢٠١٤/٤/١٤) (٦)وهذه الأحكام تكشف عن اضطراب فكرة القصد الاحتمالي والجريمة المحتملة لدي النقض إذ أن اشتراطها اتجاة الإرادة الي ازهاق روح المجني عليه لتحقق الجريمة الاحتمالية ينسف نظرية القصد الاحتمالي القائمة علي مجرد توقع النتيجة وقبولها.إذ لم تعد هناك ارادة تتوقع وتقبل بل ارادة تتجه وتريد وهو القصد الجنائي المباشر بعينه.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق