الصلة بين أعمال الوظيفة وتحصيل الربح أو المنفعة كشرط لتحقق جريمة التربح:بقلم ✍د.ياسر الأمير ______________________________________________ (١)تتميز جرائم الإعتداء على المال العام بدقه أركانها ومفردتها ومن ثم صعوبة هضمها وفهمها وتطبيقها علي الوقائع التي تثور في الحياة العملية تطبيقا سليما إذ نصوص تلك الجرائم غالبا ما تكون مقتضبه وصياغتها وعره وهي في ذات الوقت جرائم كثيره ومتداخلة ومتشعبة تقتضي عناية خاصه واستيعاب وتركيز ولهذا فإن العمل في جرائم المال العام يحتاج الي قدر من التخصص في القاضي والمحامي والمحقق وهو مايفسر لنا تخصيص نيابة للاموال العامة وبعض دوائر في محاكم الجنايات لنظرها.بل أن المشرع ذاته راعي هذا التخصص في المادة ٣٦٦ مكرراً اجراءات جنائية حين قرر تخصيص دائرة أو أكثر من دوائر محكمة الجنايات - يكون رئيس كل منها بدرجة رئيس محاكم الاستئناف -لنظر الجنايات المنصوص عليها في الأبواب ..والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، والجرائم المرتبطة بتلك.ومن بين الجنايات التي وردت في الباب الرابع من الكتاب الثاني جناية التربح. هذا ولقد عالج المشرع في المادة ١١٥ من قانون العقوبات جريمة تربح الموظف العام لنفسه أو تربيح غيره. فأثم فعل الموظف العام الذي يحصل او يحاول أن يحصل لنفسه علي ربح أو منفعة من عمل من أعمال وظيفته مطلقا حتي ولو كان الموظف صاحب حق في هذا الربح بحيث لولا جهودة ما جلب الربح.كما اثم المشرع تحصيل الموظف العام للغير علي ربح أو منفعه من أعمال وظيفته أو محاولة ذلك ولكن اشترط المشرع في هذه الحالة إلا يكون الغير صاحب حق في الحصول علي الربح فإن كان الربح أوالمنفعة التي حصلها الموظف للغير من حقه فلا تقع الجريمة.ولقد كان رائد المشرع من تلك التفرقة ان من يتعامل مع الدولة يبغي الربح دائما والا ما سعي للتعامل معها وما كلف نفسه ما قدمه من مال او ما بذله من جهد(د.محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات القسم الخاص١٩٨٨ص١٣٣ د.محمد زكي أبو عامر_قانون العقوبات القسم الخاص٢٠٠٥ص٣٤٢؛نقض ١٩٩٤/١٠/١١مجموعة أحكام النقض س ٤٥ص٨٣٧) بخلاف الموظف فهو من عمال الدولة ويتقاض راتب نظير عمله فلا يصح أن يتقاض فوق راتبه أي ربح أو منفعه لم يقرره القانون ولو كان في الواقع صاحب حق فيه بحيث لولا مجهوداته لما تحقق هذا الربح وإلا أثري الموظف علي حساب الوظيفة ووقع التعارض بين مصلحه الموظف الخاصة والمصلحة العامة وهي عله التجريم(نقض ٢٠٠١/٢/٢٠مجموعة احكام النقض س ٥٢ص٩٨٢)ولهذا اثم المشرع مسلك الموظف الذي يتربح من أعمال الوظيفة مطلقا سواء أكان صاحب حق في هذا الربح أو ليس صاحب حق(نقض ١٩٩٧/٥/٢٠مجموعة احكام النقض س ٤٨ص٦١٦). وتقوم جريمة التربح علي صفة خاصة في مرتكبها وهى أن يكون موظفاً عاماًّ وفقاً للمعنى الوارد بنص المادة ١١٩مكرر من قانون العقوبات وأن يكون مختصاًّ بالعمل الذى حصل أو حاول أن يحصل منه على ربح أو منفعة ، وركن مادى يتحقق بإحدى صورتين الأولى بكل فعل حصل به الجاني أو حاول الحصول به لنفسه على ربح أو منفعة من عمل من أعمال وظيفته والثانيةبكل فعل حصل به الجاني لغيره دون حق على ربح أو منفعة من عمل من أعمال وظيفته فيشترط لتحقق الجريمة في هذه الصورة أن يكون الجاني قد مكَّن الغير من الحصول على ربح دون حق أو ميزة لا يستحقها ،وركن معنوي يتمثل في القصد الجنائي العام بشقيه العلم والإرادة أي أن يكون الجاني عالماً بأنه موظف وأنه مختص بالعمل الذى قام به وأن تتجه إرادته إلى إتيان ذلك العمل وقصد خاص يتمثل في اتجاه إرادة الجاني ونيته إلى تحقيق الربح أو المنفعة لنفسه أو لغيره دون حق من جراء ذلك العمل فإذا لم تتجه إرادته ونيته إلى ذلك فلا يتوافر القصد(الطعن رقم ٨٩٤٥ لسنة٨١قضائيةالصادربجلسة ٢٠١٣/٢/١٣) (٢)ويستقر قضاء النقض علي أن جناية التربح المنصوص عليها في المادة ١١٥ عقوبات من جرائم الخطر الذي يهدد نزاهة الوظيفة العامة وبالتالي لأ يلزم لتحققها الحصول فعلا علي ربح او منفعة بل يكفي مجرد المحاولة ولو لم يتحقق ربح أو منفعة(الطعن رقم ٤٨٦٢ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٠٨ الطعن رقم ٤١٣٢ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٠/٠٤ الطعن رقم ٢٣٦٨٤ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٦/٠١) )كما أن جريمة التربح عمدية يلزم لتحققها اتجاه إرادة الموظف إلى الحصول على ربح مع علمه بعناصرها فلا تقع بالإهمال ولو كان جسيما(الطعن رقم ١٢٧٧٣ لسنة ٨٣ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٤/١٩) غير أنه متي اقتصر دور المتهم علي الاشتراك في جريمة التربح فلا محل لتوافر صفة في حقه أو وجوب التحقق من اختصاصه بالعمل محل التربح أو الحصول علي ربح أو منفعة(الطعن رقم ١٤٩٣٤ لسنة ٨٣ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٤/٠٢/٠٤ (٣)ولكن يلزم دوما أن تتوافر رابطه سببية بين أعمال الوظيفة وتحصيل الربح أو المنفعة أو محاولة ذلك بمعني أن تكون أعمال الوظيفة هي التي أدت لحصول الموظف علي الربح أو محاولته وهو أمر حرص المشرع علي تاكيده حين اشترط في الربح أو المنفعة أن يكون من عمل من أعمال الوظيفة مما يقتضي من حكم الإدانة استظهار الاعمال المنوطة بالمتهم وطبيعتها للوقوف على الصلة بين فعل الحصول على الربح وبين أعمال الوظيفة وإلا كان الحكم قاصر(نقض ١٩٩٤/١٠/١١مجموعة أحكام النقض س٤٥ص٨٣٧؛نقض ٢٠٠٤/١٢/٧س٥٥ص ٨٠١؛الطعن رقم ٥٩٧٣ لسنة ٨٢ قضائيةالصادربجلسة٢٠١٣/٠٣/٢٥). (٤)ويلزم أن يكون الموظف مختص بالعمل الوظيفي الذي حصل أو حاول أن يحصل منه علي الربح أو المنفعة ولكن لا يلزم أن يكون الموظف مختصا بالعمل كله وإنما يكفي أن يختص بجزء من العمل الذي تربح منه ولو يسير (الطعن رقم ٤٨٦٢ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١١/٠٨؛الطعن رقم ١٩١٧ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/١٦؛الطعن رقم ١٤٩٣٤ لسنة ٨٣ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٤/٠٢/٠٤) وهو من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بتقديرها مادام استخلاصها سائغ وله أصل في الأوراق(الطعن رقم ٢٣٦٨٤ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٦/٠١) والمقصود بالاختصاص هنا هو الإختصاص الحقيقي لأ الموهوم أو المزعوم فإن كان الموظف غير مختص بالعمل الوظيفي الذي تربح منه فلا تقوم الجريمة ولو زعم هذا الاختصاص أو اعتقد خطأ أنه مختص بل ولو اقحم نفسه فيه تدخلا أو تهاوننا من زملائه مهما طال الزمن(د.أحمد فتحي سرور الوسيط في قانون العقوبات القسم الخاص ٢٠١٣ص ٣٨٠)إذ الزعم والاعتقاد الخاطئ بالاختصاص أمر لم يسترطه المشرع إلا في جريمة الرشوة.ومن باب اولي لأ تتحقق جريمة التربح من استغلال الموظف لسلطات وظيفته في أعمال خاصة منبته الصلة باختصاصة الوظيفي مثل تكليف المتهم مرؤوسيه بأمر في شأن خاص لا صلة له بأعمال وظيفته ومقتضياتها لا يوفر إذ استغلال الموظف لنفوذه وسلطان وظيفته والانحراف بها عن اختصاصه غير كاف لقيام جريمة التربح. (٥)وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأنه لما كان الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى في قوله : " إن المتهم ...... بصفته موظفاً عاماً مدير مباحث أمن الدولة قد خصصت له جمعية .... التعاونية للبناء والإسكان للضباط العاملين بأكاديمية الشرطة قطعة الأرض رقم 3/4/ ب بمساحة ألف وخمسمائة متر تحت العجز والزيادة , وذلك بتاريخ 22/2/1998 ، وحررت له عقداً بذلك بتاريخ 28/2/1998 بمنطقة التجمع الأول ..... , وقام المتهم بدفع ثمنها وهو 12600 ألف جنيه على عدة أقساط غير أنه لم يدفع قيمة توصيل المرافق لهذه القطعة وهو مبلغ خمسين جنيه عن المتر الواحد ، وبتاريخ 1/6/2005 عين وزيراً للداخلية حتى أقيلت الوزارة بتاريخ 6/2/2011 ، وبتاريخ 3/8/2010 أصدرت اللجنة العقارية التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة قرارها رقم ... بمنح الجمعية المشار إليها مهلة ستة أشهر تنتهى في 28/2/2011 لاستخراج باقى التراخيص واستكمال تنفيذ المشروع للأراضى المخصصة للجمعية وإلا ألغى التخصيص ومن بينها قطعة الأرض المخصصة للمتهم ، وإذ علم الأخير بهذا القرار ولعدم رغبته في إقامة مبنى على الأرض المخصصة له قام باستغلال وظيفته في الحصول على منفعة ببيع قطعة الأرض المذكورة بأن أصدر تكليفاً لمرؤوسيه ببيعها في أسرع وقت ، وبألا يقل سعر المتر الواحد عن ثلاثة آلاف جنيه ، وأن يتحمل المشترى قيمة توصيل المرافق , ودفع قيمة الزيادة في مساحتها للجمعية وذلك درءاً لسحب هذه الأرض منه إن لم يتم البناء عليها خلال الفترة الزمنية التى حددها القرار آنف البيان ، فقام بتكليف اللواء ..... مدير مكتبه بسرعة بيع قطعة الأرض المخصصة له وبالسعر الذى حدده وهو ثلاثة آلاف جنيه للمتر الواحد ، فقام اللواء/ ..... بتكليف اللواء ...... مساعد وزير الداخلية رئيس أكاديمية الشرطة ورئيس جمعية .... التعاونية بتنفيذ أمر المتهم في أسرع وقت ، فقام الأخير بتكليف المقدم ...... الضابط بأكاديمية الشرطة ومدير الشئون الإدارية بالجمعية بتنفيذ أمر المتهم ، فقام المقدم المذكور بعرض الأمر على صديقه ....... صاحب ومدير شركة .... للتسويق العقارى الذى بادر بنقل رغبة المتهم إلى ...... نائب رئيس شركة ..... للمقاولات والتجارة فوافق على شراء الأرض وبالسعر الذى حدده المتهم ودفع مبلغ مائتين وخمسين ألف جنيه عربوناً أوصلها للمتهم المقدم ..... عن طريق المقدم ....... ضابط أمن الدولة المنتدب بمكتب وزير الداخلية ، ولرغبة المتهم في إخفاء ثمن قطعة الأرض المذكورة والمتحصلة من جريمة التربح آنفة البيان طلب من مشتريها إيداعه في حسابه رقم ....... ببنك .... فرع .... ، فتوجه المقدم ..... برفقة مشترى الأرض وتقابل مع المقدم ...... ببنك ... فرع ... حيث قام المشترى بإيداع مبلغ 4513100 جنيه فقط أربعة ملايين وخمسمائة وثلاثة عشر ألفاً ومائة جنيه في حساب المتهم سالف الذكر ، ثم قام المشترى بإيداع مبلغ 89927 جنيه للجمعية وذلك قيمة المرافق بواقع خمسين جنيهاً عن كل متر ومبلغ 95200 جنيه رسوم التنازل عن قطعة الأرض المذكورة " ، وبعد أن أشار الحكم إلى الأدلة التى استند إليها في قضائه والمستمدة من أقوال الشهود ......و ...... واللواء ...... والمقدم ..... والمقدم ...... والمقدم ....... واللواء ...... ، وإقرار الطاعن بتحقيقات النيابة وإخطار وحدة غسل الأموال بالبنك المركزى ، عرض لأوجه الدفاع المبداة من الطاعن ومن بينها الدفاع المشار إليه بوجه النعى واطرحها ، ثم انتهى إلى ثبوت مسئوليته عن جريمة التربح على سند من القول حاصله : أن الطاعن استغل نفوذه كوزير للداخلية وأصدر تكليفاً لمرؤوسيه وهم شهود الإثبات من الثالث حتى السادس ، وهم من ضباط الشرطة الذين يعملون تحت رئاسته بسرعة البحث عن مشتر لمساحة الأرض المخصصة له حتى لا تكون عرضة لسحب تخصيصها له وأن ما يطلبه الطاعن من هؤلاء يُعد تكليفاً لهم سواء كان ذلك كتابة أو شفاهة وهو ما يعتبرونه أمراً يسارعون إلى تنفيذه لأن مصير بقائهم في مناصبهم مرتبط بمدى انصياعهم لأوامره وما يكلفون به وإلا فقدوا هذه المناصب أو تعرضوا للاضطهاد من قبل الطاعن , وأن صفته كوزير للداخلية وما له من سلطات رئاسية عليهم تظل قائمة ولا يمكن التفرقة بين عمل هؤلاء الضباط الشرطى تحت رئاسته وعمل الجمعية المخصصة لرجال الشرطة أصلاً فهم في أى وضع تحت السلطة الرئاسية للطاعن وهى سلطة شبه عسكرية ما يصدر عنها واجب التنفيذ ولو كان في شأن خاص ببيع الأرض ، وأنه ترتب على ذلك تحقيق منفعة للطاعن من أعمال وظيفته هى بيع المساحة المخصصة له قبل الموعد المحدد وعدم تعرضها للسحب ، وثبوت جريمة التربح في حقه ورتب الحكم على ذلك ثبوت جريمة غسل الأموال أيضاً لإيداع الثمن المتحصل من البيع في حسابه بالبنك . لما كان ذلك ، وكانت المادة 115 من قانون العقوبات إذ نصت على أن " كل موظف عام حصل أو حاول الحصول لنفسه أو حاول أن يحصل لغيره دون وجه حق على ربح أو منفعة من عمل من أعمال وظيفته يعاقب بالسجن المشدد " فإنه يجب لتوافر هذه الجريمة إلى جانب أن يكون الجاني موظفاً عاماً وفقاً للمادة 119 من القانون ذاته على ما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 63 لسنة 1975 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات أن يكون الحصول على الربح أو محاولة الحصول عليه من عمل من أعمال الوظيفة سواء في مرحلة تقرير العمل الذى يستغله الموظف ، أو في مرحلة المداولة في اتخاذه ، أو عند التصديق عليه أو تعديله على نحو معين ، أو تنفيذه أو إبطاله أو إلغائه ، ويجب كذلك أن يكون العمل الذى تربح منه الموظف داخلاً في حدود اختصاصه ، ولا يشترط أن يكون الجاني مكلفاً بكل العمل الذى تربح منه بل يكفى أن يكون مختصاً بجزء منه ولو كان يسيراً ، ومن ثم فإن المشرع يستلزم لقيام الجريمة أن يكون التربح وتحقيق المنفعة ناشئاً عن مباشرة الموظف لعمل من أعمال وظيفته وفى حدود اختصاصه ، فإذا تحقق التربح من عمل ليس من اختصاصه الوظيفى فلا تقوم الجريمة ، فلا يكفى لقيامها مجرد استغلال الموظف لنفوذه وسلطان وظيفته أو الانحراف بها بعيداً عما يختص به من أعمال ، وإلا لاكتفى المشرع بالنص على ذلك صراحة ولما ربط بين تحقيق المنفعة ووجوب أن تكون نتيجة قيام الموظف بعمل من أعمال وظيفته . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة التربح تأسيساً على أنه أصدر تكليفاً لمرؤوسيه بالبحث عن مشتر للمساحة المخصصة له وسرعة بيعها بما له من سلطة عليهم ، وهو تكليف بأمر في شأن خاص لا صله له بأعمال وظيفته ولا وظيفة مرؤوسيه وليس من مقتضياتها ، ولا يغير من ذلك ما أشار إليه الحكم من أن مثل هذا التكليف واجب التنفيذ من قبل مرؤوسى الطاعن لأن بيده ناصية أمرهم بما له من سلطات عليهم وأن بقاءهم في مناصبهم مرهون بإرادته ، وعدم انصياعهم لأوامره يعرضهم لفقدها أو الاضطهاد من قبله ، وهو أمر بمجرده لا يتحقق به حكم القانون الذى استوجب توافر رابطة السببية بين تحقيق المنفعة وبين العمل الذى يمارسه الطاعن بمقتضى وظيفته في حدود الاختصاص المخول له في شأنهم ، لأنه على فرض التسليم بصحة ما أشار إليه الحكم في هذا الشأن ، فإنه لا يصح القول به في توافر أركان الجريمة إلا إذا كان الطاعن قد لوح باستخدام سلطاته في هذا الشأن بترغيب أو ترهيب أو وعد أو وعيد ليْحمِلَ مرؤوسيه على تنفيذ ما كلفهم به بما ينطوى على إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها ، وهو ما خلا الحكم من بيانه أو التدليل عليه بسند صحيح ، ومن ثم فإن الحكم يكون قد خلط بين السلطات المخولة للطاعن بمقتضى وظيفته وأعمال الوظيفة ذاتها، أو بمعنى آخر أنه خلط بين سلطة إصدار الأمر وفحواه ووجوب أن يكون هذا الأمر متعلقاً بأعمال الوظيفة وفى حدود الاختصاصات المخولة له ، متوسعاً بذلك في تفسير المادة 115 من قانون العقوبات ومخالفاً بذلك قاعدة أصولية هى عدم التوسع في تفسير القوانين أو النصوص العقابية ووجوب الالتزام في تفسيرها بقواعد التفسير الضيق ، وقد أسلمته هذه المخالفة إلى الخطأ في تطبيق القانون والقصور في بيان أركان جريمة التربح كما هى معرفة في القانون بما يوجب نقضه الطعن رقم ٦٤٢٥ لسنة ٨١ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٣/٠٣/١٧).
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق