تجاوز حدود إذن النيابة العامة بالضبط والتفتيش في ضوء قضاء النقض بقلم✍ د.ياسر الأمير ______________________________________________ (١)من المعلوم قانونا أن صحه إذن التفتيش لا تقتض صحه تنفيذه إذ هناك استقلال بين صدور الإذن وتنفيذه. فقد يصدر الإذن مستوفيا كافة شرائطة القانونية ولكن يتجاوز مأمور الضبط القضائي حدود ما صرح به الإذن أو يتعسف في تنفيذه فيبطل تنفيذ الإذن وما نتج عنه من ادلة رغم صحه الإذن ذاته. ويجري قضاء النقض علي أن مفاد المادة 50 من قانون الاجراءات الجنائية التي تنص على أنه "لايجوز التفتيش إلا للبحث عن الاشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع الا ستدلالات أو حصول التحقيق بشأنها ومع ذلك إذا ظهر أثناء التفتيش وجود أشياء تعد حيازتها جريمة أو تفيد في كشف الحقيقة في جريمة أخرى جاز لمأمور الضبط القضائي أن يضبطها "أن الإذن الصادر من النيابة العامة لاحد مأمور ي الضبط القضائي بإجراء تفتيش لغرض معين لايمكن أن ينصرف بحسب نصه والغرض منه إلى غير ما أذن بتفتيشه الا إذ شاهد عرضا اثناء إجراء التفتيش جريمة قائمة في إحدى حالات التلبس ولكن تري النقض أن الفصل في مدي الالتزام أو مجاوزة حدود التفتيش من الأمور الموضوعي الموكولة إلي محكمة الموضوع كما أن الدفع ببطلان القبض و التفتيش لتجاوز حدود التفتيش من الدفوع المختلطة التي لأ يجوز اثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض الطعن طالما أن مدونات الحكم لأ ترشح له( رقم ٤٧٤٣ لسنة ٨٣ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٦/٠٣؛الطعن رقم ٣١٢٧ لسنة ٨٠ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٠/٢٥) وتنتهي محكمة النقض في معظم الأحوال إلي تطبيق قاعدة التعسف في تنفيذ إذن التفتيش بصورة صحيحة ولكن في قله من الأحكام تسوغ الضبط والتفتيش رغم التعسف وتجاوز حدود الأذن. (٣)ومن أحكام النقض التي طبقت فيها القاعدة بصورة سليمة ما قضت به من أنه متي الواقعة الثابتة بالحكم المطعون فيه أن الضابط بعد أن دلت تحرياته على أن الطاعن يدير مسكنه للدعارة وتسهيلها ،استأذن النيابة العامة في تفتيشه وتفتيش منزله وضبط المتواجدين من نسوة ورجال حال ممارستهم للدعارة وما قد يظهر عرضا من جرائم فتم ضبط المتهم ومعه بعض النسوة وبالدخول لمطبخ الشقة وجد بأرضيته شريط فارغ لعقار الترامادول فقام بتفتيش دولاب المطبخ فعثر به على المخدر المضبوط ومقص حديدي ورأت محكمة الجنايات أن ضبط المخدر والمقص كان في حدود الإذن فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض وقال وجها لطعنه بأن الحكم إذ دانه بجريمة إحراز عقار الترامادول لم يتفطن إلى بطلان التفتيش وما أسفر عنه من ضبط المخدر لتجاوز الضابط عن حدود الإذن في نصه وتعسفه في تنفيذه معا إذ صدر الإذن بالتفتيش عن جريمة دعارة وما كان للضابط فتح دوالب مطبخ المتهم وضبط المخدر به و إذ عول الحكم على الدليل المستمد من ضبط المخدر وعلى شهادة من أجراه على الرغم من بطلان القبض عليه وتفتيشه وأن هذا البطلان أفصحت عنه مدونات الحكم المطعون فيه ، مما يعيبه بما يستوجب نقضه. فقررت محكمة النقض الغاء الحكم وبراءة المتهم لتجاوز الضابط حدود إذن التفتيش وجاء بحكم النقض أن ما قررته المحكمة غير سائغ إذ أن من المقرر أنه إذ كان لرجل الضبطية القضائية أن يفتش عن من يرتكب جريمة الدعار ة وتسهيلها له أن يضبط كل جريمة تظهر له عرضا ممن يرتكبون الجريمة الصادر الإذن بشأنها - جريمة الدعاره- دون غيرها من الجريمة التي لم يؤذن بالتفتيش من أجلها مادام ظهرت عرضا دون سعي من جانبه في إجراء التفتيش بحثا عنها فإذا هو تجاوز هذه الحدود و فتش لغير الغاية التي أبيح له التفتيش من أجلها كان عمله باطل فإذا كان الثابت بالحكم أن الضابط قام بضبط المتهم ومن معه من نسو ة بشأن جريمة الدعارة الصادر الإذن بشأنها ال أنه رأى بأرضية مطبخ شقة المتهم شريط فارغ لعقار الترامادول فقام بتفتيش دوالب المطبخ فوجد الاقراص المضبوطة لعقار الترامادول ومقص حديدي ، وكان ما أتاه الضابط على هذه الصورة لم يكن لوجود شيء مما كان يبحث عنه و إنما استكمل تفتيشه بناء علي اشتباه شريط فارغ لعقار الترامادول بارضيه المطبخ ففتح دولاب مطبخ الطاعن فعثرعلى شرائط عقار الترامادول المخدر ، ولما كان التفتيش قد استنفذ غرضه بضبط النسوة المضبوطة ، ومن ثم يكون ما قام الضابط به من تفتيش لاحق لضبط النسوة تجاوز به حدود الاذن وتعسف في تنفيذه وأن العثور على المخدر لم يتم عرضا بل كان نتيجة سعي منه للبحث عن جريمة أخرى غير التي يدور التحقيق بشأنها بقيامه بعمل إيجابي بفتح الدولاب للبحث عن جريمة المخدر والتي لم يشاهدها صدفة ، ومن ثم فإن ما قام به الضابط على هذا النحو فيه انتهاك لحرمة شخص الطاعن وحريته الشخصية بما يبطله ، هذا إلى أن الشرائط المضبوطة لعقار الترامادول لم تكن في مكان ظاهر يراه مأمور الضبط أو أدرك وقوع هذه الجريمة بأي حاسة من حواسه بطريقة يقينية لاتحتمل شكا حتى كان يصح له التفتيش ومن ثم فإن ضابط الواقعة يكون قد تجاوز في تنفيذ الإذن (الطعن رقم ٢٥٩٥١لسنه ٦٨قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٧/٧/١٣).ومن ذلك أيضا ما قضت به محكمة النقض من بطلان تنفيذ إذن بالتفتيش للتعسف وتجاوز حدود الأذن وذلك في واقعه كان فيها أحد الضباط قد توجه إلي مسكن المتهم نفاذاً لإذن النيابة العامة بتفتيش شخصه ومسكنه لضبط ما يحوزه أو يحرزه من أسلحة وذخائر بغير ترخيص برفقة قوة من الشرطة السريين وأجرى تفتيش مسكن المتهم في حضور زوجته لتغيبه آنذاك ، فعثر بحجرة نوم المتهم وأسفل مرتبة السرير على لفافة ورقية تحوى نبات البانجو المخدر وكان مأمور الضبط القضائي قد دارت تحرياته السرية في جملتها وتفصيلها حول حيازة المتهم وإحرازه لأسلحة نارية وذخائر بغير ترخيص ، فاستصدر إذناً من النيابة العامة بتفتيش شخص ومسكن وملحقات مسكن المتهم فأجرى تفتيش ذلك المسكن في حضور زوجة المأذون بتفتيشه فلم يعثر على ثمة أسلحة إنما عثر على لفافة ورقية لم تكشف طبيعتها على احتوائها على أسلحة ولا ذخائر ولم يعرف كنهها وما تحويه إلا بعد فضها ، والتي تبين أنها تحتوي على نبات البانجو المخدر ، فإن ما قام به مأمور الضبط القضائي على هذا النحو من ضبط اللفافة يكون قد أتى عملاً تجاوز به حدود الإذن ، إذ لم يكن بصدد حالة تلبس ولم تستدع ظروف الإذن القيام بهذا الأمر ، ومن ثم يكون هذا الإجراء قد وقع باطلاً ، ويبطل معه كل دليل مستمد منه بما في ذلك ضبط المخدر الطعن رقم ١٨٨٦٨ لسنة ٧٣ قضائيةالدوائر الجنائية - جلسة ٢٠١٠/٠٢/٠٣مكتب فنى سنة ٦١ - قاعدة ١٢ - صفحة ٧٩ ) وطبقت محكمة النقض القاعدة بصورة صحيحة أيضا في واقعة كان الضابط قد شاهد جريمة إحراز السلاح " سكين " متلبساً بها ففتش المتهم حيث عثر بالجيب الأيسر لبنطال الطاعن على علبة سجائر مالبورو بداخلها سيجارة وبفض تلك السيجارة وجدها ملفوفة بنبات عشبي يشتبه أن يكون لنبات البانجو المخدر مخلوط بالتبغ وثبت أن النبات المضبوط لنبات مخدر الحشيش فرأت محكمة النقض - أن العثور على المخدر إنما كان نتيجة سعي رجل الضبط القضائي في البحث عن جريمة إحراز مخدر ولم يكن ظهوره عرضاً أثناء تفتيش صحيح في حدود غرضه أجرى كإجراء من إجراءات جمع الاستدلالات اللازمة للتحقيق في الجريمة المتلبس بها إذ من غير المتصور أن يقتضي بحث الضابط عن سلاح آخر عند تفتيشه له لهذا التفتيش أن يقوم بالبحث عن ذلك داخل لفافة تبغ وهي لا تصلح لوضع سلاح بداخلها ، كما أنه من غير المتصور أيضاً أن يقتضي بحث الضابط عن سلاح مع الطاعن عند تفتيشه له تفتيشاً وقائياً أو عن أشياء قد تساعده على الهرب أن يقوم بالبحث عن ذلك داخل لفافة التبغ تلك وهي لا تصلح لوضع أي منها داخلها ، فإن ذلك التفتيش منه بالكيفية التي تم بها يكون متجاوزاً للغرض الذي شرع من أجله ويكون قد استطال لغرض آخر وهو سعي من أجراه للبحث عن جريمة لا صلة لها بذلك النوع من التفتيش وهو ما تأباه في الحالين ضوابط التفتيش التي عنتها ووضعتها المادة ( ٥٠ ) من قانون الإجراءات الجنائية ، ومتى كان التفتيش الذي تم على الطاعن باطلاً لما سلف بيانه ، فإن الدليل المستمد منه يضحى باطلاً ويتعين استبعاد كل دليل نتج عن هذا التفتيش الباطل بما في ذلك شهادة من أجراه ، وكان الحكم المطعون فيه قد عول في قضائه بإدانة الطاعن على الدليل المستمد من ذلك التفتيش الباطل مما لا يجوز الاستناد إليه كدليل في الدعوى(الطعن رقم ٤٦٧٧ لسنة ٧٢ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠٠٩/١١/٢٣مكتب فنى سنة ٦٠ - قاعدة ٦٥ - صفحة ٥٠٣) (٤)وهذا القضاء يعد تعبيرا صادقا ودقيقا عن قاعدة التعسف في تنفيذ إذن التفتيش وتجاوز حدودة ولكن لاحظنا أن محكمة النقض تشذ احياننا فتسوغ الضبط استنادا الي إذن التفتيش رغم التعسف في تنفيذه من ذلك ما قضت به من صحه ضبط لفافة بها مخدر بجيب بنطال الطاعن عرضاً أثناء تفتيشه نفاذاً للإذن الصادر بذلك بحثاً عن متحصلات جريمة سرقة بإكراه ونقود المأذون بالتفتيش من أجلها ما دامت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى أن ضبط المخدر وقع عرضاً أثناء التفتيش عن متحصلات السرقة ونتيجة لما يقتضيه ولم يكن نتيجة سعي رجل الضبط القضائي للبحث عنه(الطعن رقم ٢٥٢٩٤ لسنة ٨٣ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٤/٦/٧)ولاشك أن البحث عن متحصلات جريمة سرقة باكراة من المستحيل أن يكون داخل لفافة صغيره في جيب بنطال المتهم إذ لا يعقل أن يكون بداخل هذه اللفافة السلاح المستخدم في السرقه أو متحصلاتها من نقود وخلافة.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق