الحد العيني للدعوي الجنائية أمام محكمة موضوع في ضوء قضاء النقض دراسة نقدية:-بقلم✍ د.ياسر الأمير ______________________________________________ (١)الاصل في التشريعات المعاصرة هو الفصل بين سلطة الحكم و سلطة الاتهام لما بين السلطتين من تعارض يمتنع معه في ميزان العقل الجمع بينهما واسنادهما معا الى جهه واحده فليس من العدل ان يكون خصم المتهم هو قاضيه ولقد حرص قانون الاجراءات الجنائيه على تقرير هذا الاصل في الماده 307 اذ نصت علي ان"لا تجوز معاقبة المتهم عن واقعة غير التي وردت بأمر الإحالة أو طلب التكليف بالحضور" ومؤدى هذا النص الفصل بين وظيفه الحكم ووظيفه الاتهام بأن تلتزم محكمه الموضوع بالدعوي التي رفعتها سلطه الاتهام اليها فلا تعدوها الى غيرها ولا تجري تغيرا في معالمها الاساسيه فلا يجوز للمحكمه ان تضيف الى الاتهام واقعه غير الواقعه التي لم ترفع بها الدعوي وهو ما يطلق عليه الحد العيني للدعوي الجنائية. فإذا رفعت الدعوي على شخص لارتكابه تزوير فى محرر وثبت للمحكمه انه لم يزوره فلا يجوز لها ان تعاقبة من اجل واقعه تزوير اخرى لم تكن محلا للاتهام( نقض ١٩٤٢/١/١٥مجموعة القواعد القانونية الجزء الخامس رقم ٣٢٧ صف٢٣٤). (٢)غير ان ذلك لا يعني التزام المحكمه بالواقعة التي رفعت به الدعوي بكل تفاصيلها فقد يسفر تحقيق المحكمه للدعوي عن اختلاف في بعض التفاصيل دون ان يؤدي ذلك بالضروره الى اعتبار الواقعة التي خلصت المحكمة الى نسبتها للمتهم مختلفه عن الواقعه التي رفعت بها الدعوي.وقد ينصب الاختلاف على تاريخ الواقع او على مكانها او ظروفها او اداه ارتكابها او محلها والراي متفق على ان للمحكمة في سبيل رد الواقعة الى حقيقتها ان تعدل فيما ترى تعديله من عناصر بما يجعلها متفقة مع الواقع ولكن كل ذلك مشروط بان لا يؤدي هذا التعديل الى احلال واقعة اخرى محل الواقعة التي رفعت بها الدعوي أو اضافة أفعال لم تنسبها جهه الإتهام للمتهم ولو كانت الواقعة الجديده وتلك الأفعال مطابقة للواقع لان القاعده هي تقيد المحكمه بالواقعه التي رفعت بها الدعوي.إذ التغيير فى التهمة المحظور علي المحكمة هو الذي يقع علي الأفعال المؤسسة عليها اما التفصيلات التي يكون الغرض من ذكرها إلمام المتهم بموضوع الاتهام وكيفية ارتكاب الجريمة فللمحكمة ردها إلى صورتها الصحيحة ما دامت فيما تجريه لا تخرج عن نطاق الواقعة ذاتها التي تضمنها أمر الإحالة والتي كانت مطروحة علي بساط البحث. ففي جريمتي القتل والإصابة خطأ تملك المحكمة تغييره وصف الفعل الذي تم به الخطأ على غير ما جاء بأمر الإحالة فلا يعيب الحكم أن ينسب إلى الطاعن تسليمه مفتاح الجرار قيادته إلى المتهم الثاني ليقوده خلافاً لما جاء بأمر الإحالة من قيادته الجرار بنفسه مادام الحكم لم يتناول التهمتين اللتين رفعت بهما الدعوى بالتعديل وهما تهمتي القتل والإصابة الخطأ، (الطعن رقم 3861 لسنة 57 جلسة 1987/12/27 س 38 ع 2 ص 1156 ق 211). (٣)كما اجازت الماده 308 من قانون الاجراءات الجنائيه للمحكمة أن تغير في حكمها الوصف القانوني للفعل المسند للمتهم، ولها تعديل التهمة بإضافة الظروف المشددة التي تثبت من التحقيق أو من المرافعة في الجلسة، ولو كانت لم تذكر بأمر الإحالة أو بالتكليف بالحضور. واوجبت على المحكمة أن تنبه المتهم إلى هذا التغيير، وأن تمنحه أجلاً لتحضير دفاعه بناء على الوصف أو التعديل الجديد إذا طلب ذلك. غير أن ذلك كله مقيد بما جاء بنص المادة 307 المار ذكرها بأن لا تضيف المحكمة واقعه اخرى لم ترفع بها الدعوي ولو كان لها اساس من التحقيقات قد شمالها او تبينتها المحكمه في اثناء المرافعة ولا يجزئ ذلك تنبيه الدفاع. ويري الفقه إن تعديل الإتهام أو الوصف القانوني لا ينطوي علي خروج على القاعده التي توجب على المحكمه الالتزام بالواقعه التي رفعت بها الدعوي لأن الوصف القانوني للواقع او اضافه الظروف المشدده أو تعديل التهمة ليس من عناصر الواقعة وانما هو مجرد ظرف مشدد يضاف الى الواقعه التي رفعت بها الدعوي او مجرد اسم يطلقه القانون عليها. وعلي اي حال الزم المشرع في جميع الأحوال المحكمة بتنبيه المتهم الي التعديل أو التغيير ومنح دفاعة آجلا للمرافعة طبقا للتعديل أو الوصف المغييرولكن محكمة النقض كثيرا ما تخلط ما بين سلطة المحكمة في تعديل الاتهام وسلطة المحكمه في اضافه واقعه لم ترفع بها الدعوي! وتكتفي في ذلك بواجب المحكمة في التنبية! كما يلاحظ ايضا ان محكمه النقض في كثير من الاحيان التي تغيير فيه المحكمة الوصف القانوني للواقعه لا تلتزم بما اوجبه المشرع من واجب تنبيه المتهم الى هذا التغيير. (٣)فمن ناحية أولي تختلط محكمة النقض بين اضافة واقعه لم ترفع بها الدعوي وهو محظور وبين مجرد تعديل الإتهام وهو جائز وتكتفي في الإضافة بمجرد تنبيه المتهم. ومن ذلك ما قضت به ان لمحكمة الجنايات تغيير القيد والوصف من إحراز مواد مخدرة بغير أحد القصود المسماة في القانون الي الإحراز بقصد التعاطى بشرط تنبيه المتهم ودفاعه الي تعديل القيد والوصف(الطعن رقم 12429 لسنة 64 ق جلسة 21 سبتمبر سنة 2003) حال أن هذا التعديل ينطوي علي إضافة واقعه لم ترفع بها الدعوي وهي التعاطي فلا يجدي مجرد تنبيه الدفاع إذ لم يقتصر علي تعديل تهمه بل اضافة واقعه لم ترفع بها الدعوي وهو لأ تملكه المحكمة طبقا المادة 307 إجراءات وهي التعاطي ولو كان لها اساس من تحقيقات النيابة إذ لا يجوز معاقبه المتهم عن واقعه لم ترفع بها. وقضت أيضا محكمة النقض بأن تغيير المحكمة التهمة من شروع في وقاع أنثى بغير رضاها إلى هتك عرض بالقوة والتهديد هو أمر تملكة محكمة الجنايات بشرط لفت نظر الدفاع.وصرحت في ذات الوقت أن هناك إختلاف في العناصر القانونية لكل من هاتين الجريمتين عن الأخرى ولكنها لم تحظر التعدل واكتفت فحسب بلفت نظر الدفاع (الطعن رقم 10201 لسنة 65 جلسة 1997/07/09 س 48 ع 1 ص 766 ق 117) وقضت أيضا بأن تغيير المحكمة فى التهمة من ضرب أفضي إلى موت إلى قتل خطأ بما ينطوي عليه من إضافة عنصر في الدعوي وهو الإهمال هو تعديل فى التهمة نفسها يجب لفت نظر الدفاع إليه!(الطعن رقم 1486 لسنة 57 جلسة 1987/12/17 س 38 ع 2 ص 1100 ق 201)اي أن محكمة النقض تري امكانية اضافه واقعة بوصف جديد لم ترفع بها الدعوي وهي هتك العرض و القتل الخطأ طالما تم لفت نظر الدفاع حال أن ذلك أمر محظور وفقا للمادة 307من قانون الإجراءات الجنائية ولو تم تبيه الدفاع لتعلقه باصل من اصول المحاكمة وهو الفصل بين سلطتي الإتهام والحكم. (٤)ومن ناحية ثانية تري محكمة النقض إغفال واجب التنبيه في الأحوال التي يقتصر فيها التغيير علي الوصف القانوني للواقعه دون إجراء تعديل في التهمة (نقض 1977/1/2 مجموعة أحكام النقض س 28 رقم 1 ص 15؛ نقض 1977/3/21 س 28 رقم 97 ص 366) ولهذا لاتري النقض باسا من تعديل الوصف من سرقه الي تبديد أو من نصب الي تبديد دون لفت نظر الدفاع (نقض 1961/1/25مجموعة أحكام النقض س 16 رقم 24 ص 101 ) ومن فاعل الي شريك ومن نقل المخدر الي مجرد حيازته المجرد من القصود (نقض2010/3/10 الطعن رقم 34213 لسنه 77 ق)ومن إدارة منزل للدعارة الي الاعتياد علي ممارسة الدعارة (نقض 1953/6/30مجموعة أحكام النقض س 4 رقم 366 ص 1094 )ومن قتل عمد مع سبق الإصرار الي ضرب افض إلي موت دون لفت نظر الدفاع لأن ذلك تغيير في الوصف القانوني للواقعة تملكه محكمة الجنايات(الطعن رقم 13433 لسنة 82 جلسة 2014/06/07 س 65 ص 495). (٥)وهذا القضاء معيب إذ ينطوي على اجتهاد في موضع نص المادة 308 إجراءات جنائية التي اوجبت تنبيه المتهم لتغيير الوصف القانوني للواقعة ومنحه آجلا لتحضير دفاعه وهو مالايجوز قانونا.ولو تشدقنا بحكمة النص بأن المحكمة استبعدت عنصر في الواقعة دون أن تضيف عناصر أخري لأن الأحكام تدور مع علتها وليس حكمتها وعله التنبية هو تغبير الوصف أما حكمته فهي الاضرار بالمتهم .بل إن هذا القضاء يقود حق الدفاع ويهبط به الي مصاف المباديء النظرية ويلقي علي المتهم عبء اطلاع الغيب والتنبيء سلفا بالوصف الذي سوف تنتهي إليه المحكمه ووضعه في الاعتبار عند المرافعة وهو ما لايمكن التسليم به.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية؟ ======================================= (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق