قيمة الأدلة الرقمية(الإلكترونية) في الإثبات الجنائي:- _____________________________________________ (1) تعد الأدلة الرقمية من أبرز تطورات العصر الحديث في كافة النظم القانونية، تلك التطورات التي جاءت لتلائم الثورة العلمية والتكنولوجية والتقنية في عصرنا الحالي، والتي تطور معها الفكر الإجرامي، فظهر نوع جديد من الجرائم تعرف بالجرائم المعلوماتية التي قد يتعذر اثباتها دون الدليل الرقمي لذا شغل فقهاء القانون الجنائي والمشرعين بموضوع الدليل الرقمي لاسيما مع كونه دليلا مستحدثا وذو طبيعة معقدة وصعبة. ويعرف الدليل الرقمى بأنه أية معلومات إلكترونية لها قوة أو قيمة ثبوتية مخزنة أو منقولة أو مستخرجة أو مأخوذة من أجهزة الحاسب أو الشبكات المعلوماتية وما فى حكمها والممكن تجميعه وتحليله باستخدام أجهزة أو برامج أو تطبيقات تكنولوجية خاصة.ولقد نصت المادة الحادية عشر من قانون جرائم تقنية المعلومات رقم ١٧٥لسنة ٢٠١٨علي أن يكون للأدلة المستمدة أو المستخرجة من الأجهزة أو المعدات أو الوسائط الدعامات الإليكترونية أو النظام المعلوماتى أو من برامج الحاسب، أو من أى وسيلة لتقنية المعلومات نفس قيمة وحجية الأدلة الجنائية المادية فى الاثبات الجنائى متى توافرت بها الشروط الفنية الواردة باللائحة التنفيذية"ويثير هذا النص إشكالية حول طبيعة الدليل الرقمي من جهه وقوته في الإثبات من جهه أخري لاسيما في ضوء مبدأ حرية القاض الجنائي في الإثبات.وتذهب معظم الآراء أنه طبق لهذا النص يعتبر الدليل الرقمي ذات حجه مطلقة في الإثبات يصح للقاضي أن يؤسس حكمه عليه بمفردة ولو لم يعزز بأي قرينه أخري. وهو ما نراه غير صحيح كما سوف نري في هذا المقال. (٢) إذ من الثوابت أنه ولئن كان القاض الجنائي حرا في الإثبات الا أن هذه الحرية ليست مطلقة إذ ثمه ضوابط تحكم عمله أولها أنه لا يصح أن يبني حكمه إلا علي "دليل" أما ما دون الدليل أو القرائن البسيطة أو بالاحري الدلائل فلا يصح أن يستمد منها القاض اقتناعه ويؤسس عليها بمفردها حكم الادانة. وعله ذلك أن الأحكام الجنائيه تبني علي الجزم واليقين من الواقع الذي يثبت بالدليل المعتبر لا علي الظن والتخمين حال أن الدلائل تقوم علي الاحتمال . ومن أمثله الدلائل التحريات التي يستقيها الضابط من مصادره السرية ويرفض الإفصاح عنها تحقيقا للصالح العام او المعلومات التي يجمعها من جمهور الناس عند انتقاله لمحل الواقعه لفحص البلاغ مادام لم يحدد شخص بعينه نقل إليه هذه المعلومات. ومن أمثله الدلائل أيضا التسجيلات الصوتية واستعراف الكلب البوليسي. (2)والدليل الجنائي هو كل اجراء معترف به قانونا لاقناع القاضي بحقيقه الواقعة محل الإتهام.والدليل اما ان يكون اثر من منطبع في نفس او في شيء أو يتجسم في شيء يدل علي وقوع جريمه من جانب شخص معين.فاذا كان الدليل عباره عن اثر منطبع في نفس كاقوال شاهد أو اعتراف المتهم كان الدليل نفسي.أما أن كان الدليل أثر منطبع في شيء كبصمة الجاني او اثر يتجسم فيه كالمخدر او النقود المزيف التي وجدت في جيب الشخص كان الدليل ماديا. وقد يكون الدليل كاملا يدل على وقوع الجريمه وعلى نسبتها الى شخص معين وقد يكون دليل جريمه فقط اي دليل وقوع جريمه دون نسبتها الى شخص معين كرؤيه شخص مذبوح. والدليل في النهايه كما قد يكون بسيطا أي دال بذاته وبمفرده للقطع بوقوع الجريمه من جانب المتهم وقد يكون مركبا اي خليط أو مزيج من عده اثار تتراكم بحيث تقطع في النهايه بوقوع الجريمه من جانب الجاني(د.رمسيس بهنام الإجراءات الجنائية تاصيلا وتحليلا ١٩٨٤ص٧٦٥:د محمد زكي أبو عامر الاثبات فى المواد الجنائية ١٩٨٤ص٩٨)وهو ما تطلق علية محكمة النقض الادلة المباشرة وغير المباشرة والاخيرة اصطلح الفقه علي تسميتها بالقرائن اي استخلاص واقعه مجهوله(ارتكاب المتهم الجريمه)من واقعه معلومه وثابته. كاستخلاص ارتكاب المتهم للسرقه من واقع ضبط المسروقات في حوزته أو وجود بصماته علي المكان محل السرقه دون مبرر.أواستنتاج قتل المتهم للمجني عليه من واقع ضبط السلاح المستخدم في الحادث في منزله وعليه بصماته أو ضبط ملابسه وعليها بقع دم من فصيله دم القتيل أو وجود أجزاء من جثه القتيل في منزل المتهم وكذا استخلاص هتك عرض المتهم للمجني عليه من وجود آثار لمني يخصه علي ملابس المجني عليه. وكلما كانت القرينه قويه كان استدلال القاض بها مقبولا وكلما كانت ضعيفه كان استدلال القاض بها فاسدا. وتكون القرينه ضعيفه كلما كانت لا تودي حتما ووفقا لطبائع الأمور الي ارتكاب المتهم للجريمة.ومن امثله القرائن الضعيفة استنتاج الحكم ارتكاب المتهم للتزوير من واقع كونه صاحب المصلحه من التزوير أو من استعمال المحرر المزور. أو توافر نيه القتل من مطلق الضغينه أو الخلافات السابقه. أو القتل للحصول علي الميراث أو لقبض وثيقة التامين التي عقدها القتيل حال حياته لصالح المتهم.وهنا تظهر رقابه النقض علي قاض الموضوع إذ لاتترد في نقض حكمه للفساد في الاستدلال طالما استخلص ارتكاب المتهم للجريمة من قرينه ضعيفه لا تودي وفقا للزوم العقلي لما رتبه الحكم عليها. (3)ولما كان الدليل الرقمي لأ يدل رأسا ومباسرة علي وقوع الجريمة ونسبتها إلي الجاني بل استخلص ذلك من واقع استخدام جهاز حاسب آلي يخصه مرتبط بخط تليفون باسمة لذا كان الدليل الرقمي دليل جريمة ولكنه في ذات الوقت قرينة مادية ضعيفة علي نسبت الجريمة إلي الجاني او بالاحري مجرد دلائل لأ يصح بناء حكم الادانة عليها بمفردها مالم تعزز بادلة أخري إذ لأ تقطع بارتكاب المتهم للجريمة إذ قد يكون حساب المتهم الإليكتروني قد تم تهكيرة أو أن خط الهاتف المرتبط بالحساب استخدمة غيره في غيبته وكان الأصل عدم جواز الركون إلى تلك القرينة في الإثبات لأنها مجرد دلائل لأ تقطع بنسبة الجريمة الي صاحب الحساب أو الخط إلا أن بعض الاراء نسبه للمشرع انه رغب في أن يخرج علي هذا الأصل في المادة ١١ من قانون جرائم تقنية المعلومات بحجه أن المشرع اعتبر الدليل الرقمي من الادلة المادية وله نفس قيمتها اذ يعني لديهم ان يكون له قيمة قاطعة في الاثبات تغني عن تعزيزة باي قرينة أو دليل آخر. وهو راي غير صحيح إذ الدليل أي كان نوعه اي سواء كان ماديا أو نفسيا لأ يكون له قيمة دامغة في الإثبات إلا إذا كان قاطع في وقوع الجريمة من شخص بعينه وهو ما تفتقر اليه الأدلة الإليكترونية. (4)بل أن الدليل الرقمي كذلك دليل فني لأ يصح للمحكمة عند المنازعة فيه أن تدلي بدلوها فيه وإنما يتعين عليها الاستعانة بأهل الخبرة المختصين ولايقدح قاله أن المحكمة هي الخبير الاعلي إذ شرط ذلك الا تكون المسألة المطروحة علي بساط البحث من المسائل الفنية البحتة التي تستعص علي المحكمة أن تستجليها بنفسها دون الركون الي أهل الخبرة فهنا لا مجال للقول بأن محكمة الموضوع هي الخبير الأعلي وأن تحل نفسها محل الخبير. وطبقت محكمة النقض هذه القاعدة علي مسألة تحقيق ما اذا كانت الحيوانات المنوية التي وجدت علي سروال المجني عليها من فصيله ماده المتهم المنويه من عدمه عن طريق المختص فنياً و هو الطبيب الشرعى أما و هى لم تفعل فإن حكمها يكون معيب (الطعن رقم 5779 لسنة 52 جلسة 1983/01/04 س 34 ص 52 ق 5) وطبقتها كذلك علي مدي تأثير السكر علي إدراك المتهم المعترف (الطعن رقم 1565 لسنة 81 جلسة 2012/10/07) وكذلك علي تحديد ما إذا كانت الدماء البشرية تُعد من الأعضاء والأنسجة البشرية التي جُرّم الاتجار فيها بالمادة الثانية من القانون رقم 64 لسنة 2010 من عدمه (الطعن رقم 14764 لسنة 83 جلسة 2014/06/4) وايضا علي الاضطراب النفسي كسبب للاعفاء من العقاب إذ رات أنه يجب علي محكمة الموضوع تحقيقه من خلال خبير للبت فيها إثباتا أو نفياً ولا يجوز للمحكمة أن تحل محل الخبير فيه لأن كونها الخبير الأعلي لأن ذلك لأ يكون ألا عند تقدير رأي الخبير لأ قبله .(الطعن رقم 27158 لسنة 86 جلسة 2018/12/09).
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق