وجهه نظر:اسباب رفض أغلب طعون النقض الجنائي في المرحلة الراهنة:بقلم✍ د.ياسر الأمير (١)محكمة النقض المصرية أنشئت فى 2 مايو 1931، وهى المحكمة الوحيدة على مستوى البلاد، ومقرها دار القضاء العالى بالقاهرة، وتُعد أعلى محكمة فى الجمهورية، وتمثل النقض قمة الهرم القضائى، ومهمتها فى الأساس هى العمل على توحيد تطبيق القانون فى المحاكم المصرية، فهى من الناحية الإجرائية لا تعيد الفصل فى المنازعات التى عرضت على المحاكم الأدنى منها، إنما تكتفى بمراقبة الأحكام التى صدرت من تلك المحاكم لمراقبة مدى اتفاقها مع القانون. (٢)ومحكمه النقض المصرية كانت ولازالت قلعة شامخة فلقد ارست علي مدار الزمن من خلال أحكامها مبادئ جرت في العمل ومؤلفات الفقه مجري القانون. ولا عجب في ذلك إذ تلك المبادئ صادرة عن شيوخ عركتهم التجربة وصقلهم طول المراس واستوعبوا ثم أفرزو علم أجيال تولوا علي منصه القضاء العتيده فهي أدني الي الصواب. وإذ كان الفقه درج في مؤلفاته وابحاثه علي مناقشه أحكام النقض ثم الإتفاق أو الإختلاف معها فإن ذلك لا يقلل من شأنها بل العكس صحيح. لأن المرء لا يشغل نفسه إلا بما يفيد فكان مناقشه احكام النقض انشغال حميد وجهد مشكور واجلال لها وثناء عليها. ولا يجمل بباحث مهما كان قدره أن ينعت محكمة النقض بأن لها توجه سياس محدد سواء مع النظام الحاكم في الدولة أو ضده فهذا محض افتراء. لأن المبادئ التي تقررها محكمة النقض على مدار الزمن تنسلخ عن واقعه الدعوى وتضحي أشبه بالقاعدة القانونيه الثابتة التي لا تتغير بابدال انظمه الحكم. (٣)ولكن قد يتسائل البعض عن سبب قله نقض أحكام محاكم الموضوع في الاونه الاخيره إذ كل مشتغل بالقانون يلمس ذلك رغم ما قد يعتري الحكم المطعون فيه من خلل كان ينذر سابقا طبقا لما اطرد عليه قضاء النقض ذاته من نقض الحكم.إذ يندر حاليا نقض حكم للفساد في الاستدلال أو الخطأ في الإسناد أو مخالفة الثابت بالاوراق أو بالاحري حينما يعتري الحكم عيب شاب عمليه الاستباط من الأوراق أو بعبارة موجزه كلما تطلب الأمر بسط رقابة النقض لتقدير قاضي الموضوع لوقائع الدعوي.نعتقد أن سبب ذلك يرجع إلي ثقل العبء الملقي علي عاتق محكمة النقض فالطعون امامها ألف مؤلفه منها الجيد والفاسد مما يقتضي الفرز والتاني ومزيدا من الوقت والجهد لاسيما لبيان حكم القانون السليم ولقد جثم المشرع محكمة النقض بعبء ينوء عنها كاهلها حينما اناط بها عند نقض الحكم المطعون فيه أن تنظر موضوع الدعوي وكأنها محكمة موضوع وذلك بموجب القانون رقم ١١لسنه ٢٠١٧الذي نص في المادة الثانية منه علي أن يستبدل بنصوص المواد(39و44و46) من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، النصوص الآتية: مادة (39)إذا قدم الطعن أو أسبابه بعد الميعاد تقضي المحكمة بعدم قبوله شكلا، وإذا كان الطعن مقبولا وكان مبنيا على مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله، تصحح المحكمة الخطأ وتحكم بمقتضى القانون. وإذا كان الطعن مبنيا على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر فيه، تنقض المحكمة الحكم، وتنظر موضوعه، ويتبع في ذلك الأصول المقررة قانونا عن الجريمة التي وقعت، ويكون الحكم الصادر في جميع الأحوال حضوريا."وهو ما يخرج بمحكمة النقض عن اصل وظيفتها التي أنشأت من اجلها وهو التطبيق السليم للقانون بغض النظر عما إذا كانت وقائع الدعوي لولا ما تردي فيه الحكم المطعون فيه من خطأ قانوني أو فساد أو خلل منطقي تؤدي الي الادانة أو البراءة إذ تلك المنطقة كان لا شأن لمحكمة النقض بها اما بعد تعديلات القانون رقم ١١لسنه ٢٠١٧اصبح قاضي النقض من المفروض أن ينظر القضية بعيون قاضي النقض أولا ثم يقرأها مره اخري بعيون قاضي الموضوع إذا ما قرر نقض الحكم مما يشكل عبء إضافي علي محكمة النقض المزدحمة أصلا بكم من القضايا يفوق طاقة اي بشر وبالتالي اضطر قضاة النقض حسب فهمنا واحساسنا إلي التركيز علي موضوع القضية عند نظر الطعن لأول مره ورفض الطعن من باب التيسير ولو انطوي الحكم المطعون فيه علي عيب من عيوب التسبيب ومخالفة القانون مادام أنه إذا نقض الحكم لهذا السبب فلن يؤثر علي الموضوع المحتمل رفضه فيما بعد عند تحديد جلسه لنظر الموضوع ولقد سبق أن أبدي استاذنا الدكتور عوض محمد عوض في مؤلفة تعليقات علي أحكام القضاء الجزء الثاني تخوفه من هذا التعديل وكأنه اطلع الغيب .ولقد حاولت محكمة النقض ذاتها الاعتراض علي تعديلات القانون رقم ١١لسنه ٢٠١٧ضمنا وصراحه إذ قررت الهيئة العامة للمواد الجنائية أن هذا التعديل لأ يسري إلا علي الاحكام الصادرة بعد نفاذة بل اعلنت احدي دوائر النقض صراحة رفضها لهذا التعديل ورأت فيه إهدار لوظيفة محكمة النقض وتحدت المشرع وقررت نقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضيه لمحكمة الجنايات لنظر موضوعها دون أن تحدد جلسه امامها لنظر الموضوع حسبما يقض قانون ١١لسنه ٢٠١٧.لذا فإننا نناشد المشرع حرصا علي وظيفة ومكانة محكمة النقض الغاء ما جاء به القانون المذكور من إلزام محكمة النقض عند نقض الحكم المطعون فيه أن تحدد جلسه لنظر الموضوع.
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية؟ ======================================= (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق