التكييف القانوني لجرائم البناء علي أرض زراعية والتعدي على أراضي الدولة ؛بقلم د✍.ياسر الأمير (١)درج الفقه ومن بعده القضاء ومنذ زمن علي وضع العديد من تقسيمات الجرائم ولقدا استهدفا من ذلك بوجه خاص تحديد التاريخ الذي يبدأ منه حساب تقادم الدعوي الجنائية إذ من المعلوم أن تقادم الدعوي الجنائية عن الجريمة يبداء من اليوم التالي لوقوعها(١٥اجراءات)ومن ذلك تقسيم الجرائم بالنظر الي ركنها المادي الي وقتية ومستمرة. بحيث أن كانت وقتيه بدا تقادمها من اليوم التالي لوقوعها وأن كانت مستمرة بدا التقادم من تاريخ انتهاء حاله الاستمرار. والعمد في التفرقة بينهما هو الفعل المعاقب عليه فالجريمة الوقتية تتم بمجرد ارتكاب فعلها المادي اما المستمرة فيمتد فعلها المادي فترة من الزمن بتدخل إرادة الجانى فى هذا الفعل تدخلاً متتابعاً متجددا(نقض١٩٧٨/٣/٥ممجموعة احكام النقض س٢٩رقم ٤١ص٢٢٤؛نقض ١٩٧٥/١١/٢س٢٦رقم ١٤٥ص ٦٦٧؛نقض ١٩٨١/١١/٣س٣٢رقم ١٣٩ص ٨٠٥؛نقض ١٩٨٣/٣/١٢س٣٤رقم ٩٦ص ٣٤٩؛نقض ٢٠١٣/٧/٨الطعن رقم ٣١٩٧١لسنه ٢ق جنح)ولقد أثير التساؤول حول التكييف القانوني لجرائم البناء علي أرض زراعية وكذا التعدي على أراضي الدولة وما إذا كانت وقتية أم مستمرة وذلك لأن البناء أو أفعال التعدي قد تظل قائمة؟أجابت محكمة النقض علي هذا التساؤول بالنفي إذ رأت أن جريمة البناء علي ارض زراعية وكذا التعدي على أراض الدولة جريمة وقتية وأنه لأ يوثر في هذا النظر بقاء البناء مشيدا أو أفعال التعدي ظاهرة إذ كلاهما من آثار الجريمة ولا يعتد بأثر الفعل في تكييفة القانوني(نقض ١٩٥٠/٣/١٤مجموعة احكام النقض س١رقم ٣٤ص ٤٠٠؛نقض ١٩٥١/٤/٢٣س٢رقم ٣٧٥ص١٠٣١) (٢)ففي جريمة البناء علي أرض زراعية قضت محكمة النقض أن معيار التمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة هو الفعل المعاقب عليه فالجريمةالوقتية تتم بمجرد ارتكاب الفعل. اماالمستمرةفتمتدفترة من الزمن وأن العبرة فى الاستمرار بتدخل إرادة الجانى فى الفعل المعاقب عليه تدخلاً متتابعاً مجدداً واضافة أن جريمة التعدى على أرض زراعية بالبناء من الجرائم الوقتية البسيطة التى تبدأ مدة تقادمها ببدء البناء أو الشروع فيه حتي ولو اندرج الفعل المادى المكون لها تحت وصف آخر و تتابعت أفعال البناء.وقالت النقض في ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع المبدى من الطاعنة بانقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة واطرحه في قوله " وكان الثابت من أوراق الدعوى وتقرير الخبير المودع فيها والذى تطمئن إليه المحكمة وتأخذ به وتعول عليه في قضائها وتجعله عماداً لها وإذ كان ذلك , وكانت النتيجة النهائية التى انتهى إليها أن جريمة البناء على الأرض الزراعية التى ارتكبتها المتهمة قد ارتكبتها على عدة مراحل متتابعة وأن آخر إجراء فيها هو تكملة السقف والبناء في تاريخ تحرير محضر المخالفة وقالت المحكمة أن ما أتته المتهمة من أفعال متتابعة هى كلها مكونة لنشاط إجرامى واحد وهو البناء على الأرض الزراعية على النحو الذى يخرجها عن طبيعتها مما يكون معه الدفع بانقضاء الدعوى بمضى المدة قد ورد على غير أساس من الواقع أو القانون متعيناً رفضه ...... " . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الفيصل في التمييزبين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة هو الفعل الذى يعاقب عليه القانون ، فإذا كانت الجريمة تتم وتنتهى بمجرد ارتكاب الفعل كانت وقتية ، أما إذا استقرت الحالة الجنائية فترة من الزمن فتكون الجريمة مستمرة طوال هذه الفترة والعبرة في الاستمرار هنا هى بتدخل إرادة الجاني في الفعل المعاقب عليه تدخلاً متتابعاً متجدداً ، وكانت الواقعة كما أثبتها الحكم هى أن المتهمة قامت بالتعدى على أرض زراعية بالبناء عليها , ومن ثم فهى من الجرائم الوقتية البسيطة التى تبدأ مدة تقادمها ببدء البناء أو الشروع فيه خاصة , وأن المادة 156 من قانون الزراعة رقم 116 لسنة 1983 تعاقب على الشروع في التعدى على الأرض الزراعية بالبناء عليها, ولا يغير من ذلك أن الفعل المادى المكون لتلك الجريمة وهو إقامة البناء يندرج تحت وصف آخر والمتمثل في جريمة إقامة بناء بدون ترخيص التي تعد من الجرائم المتتابعة الأفعال ذلك أن الثابت من الأوراق أن البناء تم في قرية ".... " التابعة لمركز ....".وكانت المادة 29 من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء بعد تعديلها بالقانون رقم 30 لسنة 1983 قد دل صراحة نصها ووضوح عبارتها على إخراج القرى من نطاق سريان أحكام قانون تنظيم المبانى بصفة مطلقة باعتبار أنه لا يسرى إلا على عواصم المحافظات والبلاد المعتبرة مدناً طبقاً لقانون الحكم , المحلى , مما لا وجه للقول بقيام جريمة البناء بدون ترخيص . لما كان ذلك ، وكان الثابت من تقرير الخبير المرفق بالمفردات المضمومة أن الطاعنة قامت بإنشاء قواعد خرسانية على الأرض الزراعية منذ أربعة سنوات سابقة على تحرير محضر المخالفة وأنها عندما قامت باستكمال هذا المبنى في تاريخ تحرير محضر المخالفة قامت الجمعية الزراعية بالناحية بتحرير محضر مخالفة لها بالبناء على أرض زراعية ، وكان مقتضى ذلك أن فعل الاعتداء على الأرض الزراعية المسند إلى الطاعنة يكون قد تم وانتهى بإقامتها لتلك الأعمدة الخرسانية منذ أربعة سنوات سابقة على تحرير محضر المخالفة , وهو ما يمثل فعل التعدى على أرض زراعية .مما تنقضى معه الدعوى الجنائية بمضى المدة لمرور أكثر من ثلاث سنوات على ارتكابه ، ولا يغير من ذلك استكمال الطاعنة للمبانى فوق تلك الأعمدة بعد أربعة سنوات من إنشائها ، إذ لا يعد ذلك - كما سبق البيان - تتابع للأفعال المكونة للجريمة . (الطعن رقم 6589 لسنة 67 جلسة 2005/09/04 س 56 ص 433 ق 64). (٣)وبشأن جريمة جريمة التعدى على ارض مملوكة للدولة بكافة صورها الواردة فى الفقرة الأولى من المادة 372 مكرراً عقوبات اعتبرتها محكمة النقض وقتية متي تم فعل البناء وانتهي واضافة النقض أن بقاء البناء قائم لا يجعل الجريمة مستمرة إذ ذلك من آثار الفعل الذي لا دخل له في التكييف القانوني للجريمة ومن ثم يبدأ تقادم الدعوي من تاريخ انتهاء البناء وقالت النقض في ذلك أنه لما كانت المادة 372 مكرراً من قانون العقوبات المستحدثة بالقانون رقم 34 لسنة 1984 الصادر في 27 من مارس سنه 1984 تنص في فقرتها الأولى على عقاب كل من تعدى على أرض زراعية أو أرض فضاء أو مبان مملوكة للدولة وذلك بزراعتها أو غرسها أو أقامه إنشاءات عليها أو شغلها أو الانتفاع بها بأية صورة ، وكان البين من صور التعدى التى ساقها النص على سبيل المثال أن هذه الجريمة إما أن تكون وقتيه وإما مستمرة ، والفيصل في التمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة في هذا الصدد هو طبيعة فعل التعدى الذى قارفه الجاني ، فإذا كان الفعل مما تتم وتنتهى الجريمة بمجرد ارتكابه كانت وقتية أما إذا أستمرت الحالة الجنائية فترة من الزمن فتكون الجريمة مستمرة طوال هذه الفترة ، والعبرة في الاستمرار هذا هى بتدخل اراده الجاني في الفعل المعاقب عليه تدخلا متتابعا متجددا ، فإذا كانت الواقعة هى التعدى على أرض مملوكة للدولة بالبناء عليها فإن السلوك الأجرامى يتم وينتهى : بإقامة هذا البناء ، مما لا يمكن حصول تدخل جديد في هذا الفعل ذاته فتكون الجريمة التى تكونها هذه الواقعة وقتيه ، ولا يؤثر في هذا النظر ما قد تسفر عنه الجريمة من آثار تبقى وتستمر إذ لا يعتد بأثر الفعل في تكييفه قانوناً ، ومن ثم فلا يعتد في هذا الشأن ببقاء ذلك البناء لأن بقاءه يكون في هذه الحالة أثرا من آثار الأنشاء ونتيجه طبيعية له . (الطعن رقم 23112 لسنة 61 جلسة 1994/10/09 س 45 ص 829 ق 130)
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية؟ ======================================= (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق