نبذة عن جريمة غسل الأموال في ضوء قضاء النقض:-بقلم ✍د.ياسر الأمير ===================================== (1) يقصد بغسل الأموال ضخ أموال متحصلة من جريمة في الاقتصاد القومي بغيه إخفاء مصدرها الإجرامي فغسل الأموال جريمة تضر بالاقتصاد القومي من خلال الإعتداء علي نظامها المالي.ولقد صدر القانون رقم 80 لسنة 2002 بإصدار قانون مكافحة غسل الأموال وحظر في مادته الثانيه غسل الأموال المتحصلة من جرائم بعينها مثل جرائم الارهاب والمخدرات والاتجار بالعملة ثم عدل أكثر من مرة بتوسيع تلك الجرائم حتي انتهي الأمر الي حظر غسل الأموال المتحصلة من اي جناية أو جنحة متبعا المشرع في هذا الشأن أسلوب المنهج الشامل في جريمة المصدر وكان ذلك بموجب القوانيين أرقام 78 لسنة 2003 ، 181 لسنة 2008 ورقم36لسنة 2014 فصارت المادة الثانية منه تنص على أنه " يحظر غسل الأموال المتحصلة من جناية أو جنحة وذلك أسوة بالمادة 324-1من قانون العقوبات الفرنس الجديد لسنه ١٩٩٢المعدل سنه ١٩٩٦وذلك سواء وقعت جريمة غسل الأموال أو الجرائم المذكورة في الداخل أو الخارج بشرط أن يكون معاقباً عليها في كلا القانونين المصرى والأجنبى. (2)ويقصد بالاموال محل الغسل طبقا للمادة الأولي بند أ العملات الوطنية والاجنبية والاوراق المالية والتجارية واي منقول له قيمة مادية أو معنوية أو عقار وكذا الصكوك القانونية أيا كان شكلها بما في ذلك الشكل الرقمي أو الاليكتروني. (3)ولقد أوضحت المادة المادة الأولى بند ب من هذا القانون الركن المادي لجريمة غسل الأموال بأنه : كل سلوك ينطوى على اكتساب أموال ، أوحيازتها ، أو التصرف فيها ، أو إدارتها ، أو حفظها ، أو استبدالها ، أو إيداعها ، أو ضمانها ، أو استثمارها ، أو نقلها ، أو تحويلها ، أو التلاعب في قيمتها، إذا كانت متحصلة من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القانون مع العلم بذلك ، متى كان القصد من هذا السلوك إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانه أو صاحبه أو صاحب الحق فيه ، أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال. أما القصد الجنائي في الجريمة فيقتضى علم الجاني وقت ارتكاب الجريمة علماً يقينياً بتوافر أركانها فإذا ما نازع المتهم في توافر هذا القصد كان لزاماً على المحكمة استظهاره استظهاراً كافياً ،كما أنه من المستقر عليه قضاءً أن جريمة غسل الأموال تستلزم فضلاً عن القصد الجنائي العام قصداً خاصاًوهو نية إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانه أو صاحب الحق فيه أو تغيير حقيقته على نحو ما سلف بيانه مما يتعين معه على الحكم استظهاره صراحة وإيراد الدليل على توافره متى كان محل منازعة من الجاني( الطعن رقم 12808 لسنة 82 جلسة 2013/05/12) ومن ثم لا يكفي مجرد ايداع المال أو استثمارة أو نقله أو التلاعب فيه وأنما يجب أن يقترن ذلك بعلم الجاني بمصدر المال غير المشروع وأن يستهدف من ذلك اخفائه(نقض 2011/2/7الطعن رقم 11248لسنة 79ق) (4)وجريمة غسل الأموال قد تكون وقتية أو مستمرة أو متتابعة الأفعال بحسب ما إذا السلوك المكون لها يتم وينتهي فورا أو يتطلب تدخل مستمر من الجاني. (5)وتقوم جناية غسل الأموال علي ركن مقترض حاصله أن يكون المال محلها ناتج عن جريمة ثم يقوم الجاني بتغيير طبيعته أو مصدره أو اخفاءه......الخ.ولقد تضاربت أحكام النقض حول ما إذا اقيمت الدعوي الجنائية عن جريمة المصدر فهل يتعين علي المحكمة التي تنظر جناية غسل الأموال أن تتربص صدور حكم من المحكمة التي تنظر جريمة المصدر أم لها أن تفصل هي ذاتها في جريمة المصدر؟فذهبت بعض الاحكام الي لزوم أن تنتظر المحكمة التي تنظر جريمة الغسل نتيجة الفصل في جريمة المصدر(نقض 2011/2/11الطعن رقم 11248لسنه 79ق)في حين رأت أحكام أخري العكس(نقض 2011/2/5الطعن رقم 8254لسنه 78ق)والقضاء الاول أصح منعا من تضارب الاحكام وعملا بالمادة222اجراءات التي توجب وقف جريمة الغسل حتي يتم الفصل في جريمة المصدر لأن نتيجة الفصل في جريمة الغسل متوقف علي الفصل في جريمة المصدر وهو ما اخذت به محكمة النقض لاحقا(نقض 2013/3/12الطعن رقم 12808لسنه 82ق) ويكفي في جريمة المصدر أن تكون جناية أو جنحة وقعت في مصر أم في الخارج ولكن يشترط في الحالة الاخيرة أن يكون معاقب عليها في القانون الاجنبي. ويستوي في جريمة المصدر أن تكون ذات وصف اخف أو أشد من جريمة الغسل كما يستوي أن يكون الوصف القانوني الذي يخلعه القانون الاجنبي علي جريمة المصدر مطابقا للوصف الذي يخلعه عليها القانون المصري أم مختلف عنه مادام أن القانون الاجنبي يعاقب عليها. ولا يلزم كذلك أن يكون الجاني في جريمة الغسل هو ذاتة مرتكب جريمة المصدر.ويستوي أن يكون الجاني مصريا أو اجنبيا. (6)ولكن يلزم لقيام جريمة غسل الأموال وقوع جريمة المصدر وثبوتها ولهذا قضت محكمة النقض بأنه لما كانت جريمة التربح هى الأساس الذى قامت عليه جريمة غسل الأموال المنسوبة إلى الطاعن ، فلا تقوم الجريمة الأخيرة إلا بقيام الجريمة الأولى باعتبارها نتيجة لها(الطعن رقم 6425 لسنة 81 جلسة 2013/03/17) (7)ويثور التساؤول عند انقضاء الدعوي الجنائية عن جريمة المصدر بالتقادم أو التصالح أو وجود قيد علي تحريكها كالطلب من جهه عامة ولم يقدم فهل يعد ذلك عائق يحول بين محكمة غسل الأموال واثبات جريمة المصدر توطئة للفصل في جناية غسل الأموال.ذهب جانب من الفقه متأثرا بمحكمة النقض الفرنسية الي أن ذلك لا يعجز محكمة غسل الأموال من اثبات وقوع جريمة المصدر كشرط مفترض لجريمة غسل الأموال(د.احمد فتحي سرور-الوسيط في قانون العقوبات القسم الخاص-الجزء الأول-2016-ص654) ويتفق هذا الراي مع ما استقر عليه الفقه في جريمة إخفاء الاشياء المتحصلة من جريمة إذ يكتفي الفقه بتطلب تحصل المال المخفي من جريمة كوصف دون النظر الي امكانية محاكمة المتهم عنها كجريمة من عدمه وهو ما يتطابق مع غسل الأموال المتحصلة من جناية أو جنحة.ونعتقد أن المشرع حينما اشترط كون المال متحصل من جناية أو جنحة افترض إثبات الجناية والجنحة بكافه اركانهما في القانون وهذا يقتضي تحقيقهما والغوص في موضوعهما وهو محظور علي المحكمة التي تنظر جريمة المصدر متي انقضت أو وجد قيد علي تحريكها ومادام أنه محظور علي المحكمة التي تنظر جريمة المصدر فيحظر كذلك علي المحكمة التي تنظر جريمة غسل الأموال كنتيجه لجريمة المصدر إذ لا يتطرق الي النتيجة قبل سببها.وايضا فإن انقضاء الجريمة والدعوي الناشئة عنها بمرور الزمن يقوم علي افتراض نسيان الجريمة ومحوها من ذاكرة الناس فلا يجوز بعث ما اندثر مره اخري في جريمة لاحقه وفي التصالح يمحو الجاني آثار الجريمة بفعل بدفع مقابل مالي كبير لجريمته وليس من العدل الارتكان الي ما تصالح عنه في جريمة لاحقة كما أن وجود قيد علي تحقيق الجريمة ورفعها يتعارض مع اثباتها لأن هذا الإثبات لا يتم الا من خلال التحقيق وهو محظور مالم يرتفع القيد والقول بغير ذلك يؤدي إلى مفارقة غريبة وهى أنه لو رفعت الدعوي الجنائية عن جريمة المصدر أمام المحكمة المختصة رغم انقضائها حكمت بالانقضاء وأن لم يقدم الطلب مثلا حكمت بعدم القبول دون أن تملك الخوض في ثبوت الجريمة في حين أن هذا وذاك غير وارد اذا لم ترفع جريمة المصدر ونظرت جريمة الغسل أمام محكمة الجنايات إذ تكون في حل من الانقضاء وعدم القبول وهي نتيجة علي شذوذها لا يمكن أن يقصدها المشرع إذ لا يصح أن يختلف حكم القانون بحسب المحكمة التي تنظر جريمة المصدر فتكون تارة مقبول ولم تنقض وتارة اخري غير مقبوله ومنقضية.علي اي حال فإن المسألة تحتمل الخلاف. (8)ويخضع إثبات جريمة غسل الأموال للقواعد العامة فى الاثبات والتي تنص على حرية القاض الجنائي في الاثبات فليس هناك علي حد تعبير محكمة النقض طرق خاصة لاثباتها بل تسري عليها طرق الاستدلال العامة(نقض 2011/2/17الطعن رقم 11248لسنه 79ق) وعقوبة غسل الأموال والشروع فيه السجن مدة لا تجاوز سبع سنوات وبغرامة تعادل مثلى الأموال محل الجريمة ويحكم فى جميع الأحوال بمصادرة الأموال المضبوطة أو بغرامة إضافية تعادل قيمتها فى حالة تعذر ضبطها أو في حالة التصرف فيها إلى الغير حسن النية .وتأمر المحكمة فى الحكم الصادر بالإدانة بنشر الحكم على نفقة الشخص الاعتبارى فى جريدتين يوميتين واسعتى الانتشار، ويجوز للمحكمة أن تقضى بوقف نشاط الشخص الاعتبارى لمدة لا تجاوز سنة.(المادتين ١٤و١٦).
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية؟ ======================================= (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن تعدل مذهبها إلا أنها أصرت علي قضائها المستقر قبل التعديل إذ قضت بأنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 113 من قانون العقوبات قد نصت على أنه"كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119 ، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن " ، فقد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها على أن جناية الاستيلاء على مال للدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة مما يوجب علي حكم الإدانة استظهار دخول المال في ملك الدولة وأيلولته إليها بسبب صحيح ناقل للملكيةوإلا كان الحكم قاصرا ( الطعن رقم ١٣٠٣٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/٠٤/١٦)ومن ثم فإن كان البين من التحقيقات وعلى ما تسلم به سلطة الاتهام أن قيمة رسوم دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لم تدخل بعد في ذمة الدولة ومن ثم تفتقد هذه الجريمة ركنا من أركانها الجوهرية مما يتعين معه تبرئةالمتهمين الستة من هذه التهمة(الطعن رقم ٩٣٦٠٣لسنة٧٢ جلسة٢٠٠٣/٤/٢٣س ٥٤ص٥٨٣ 583 رقم ٧٤) (٢)وهذا القضاء ولئن كان صحيحا في ظل القانون السابق الذي كان يشترط لتحقق الاستيلاء كون المال مملوكا الدولة الا انه اضحي محل نظر بعد صدور القانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٧٥ الذي صار يكتفي لتحقق جريمة الاستيلاء أن يكون المال موجود تحت يد الدولة أو احدي الجهات المبينه بالمادة ١١٩ عقوبات أو خاضعا لادارتها أولأشرافها ولو كان المال خاصا مملوكا لأحد الأفراد إذ جاء بصدرالمادة 113 أن كل موظف عام استولى بغير حق على مال أو أوراق أو غيرها لإحدى الجهات المبينة في المادة 119، أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت يعاقب بالسجن المشدد أو السجن ٠٠٠٠ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرات السابقة حسب الأحوال كل موظف عام استولى بغير حق على مال خاص أو أوراق أو غيرها تحت يد إحدى الجهات المنصوص عليها في المادة 119 أو سهل ذلك لغيره بأية طريقة كانت.ثم نصت المادة 119 علي أن يقصد بالأموال العامة في تطبيق أحكام هذا الباب ما يكون كله أو بعضه مملوكاً لإحدى الجهات الآتية أو خاضعاً لإشرافها أو لإدارتها:
(أ) الدولة ووحدات الإدارة المحلية.
(ب) الهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات القطاع العام.
(ج) الاتحاد الاشتراكي والمؤسسات التابعة له*.
(د) النقابات والاتحادات.
(هـ) المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام.
(و) الجمعيات التعاونية.
(ز) الشركات والجمعيات والوحدات الاقتصادية والمنشآت التي تساهم فيها إحدى الجهات المنصوص عليها في الفقرات السابقة.
(ح) أية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة.
ولقد كان رائد المشرع في هذه التوسعه في مفهوم المال العام حماية ثقه الأفراد في هذه الجهات وهو ما نأمل أن تلاحظه محكمة النقض في احكامها بدلا من ترديد عبارات اضحت في محفوظات التاريخ.
تعليقات
إرسال تعليق