أنواع الشهادة أمام القضاء الجنائي في ضوء قضاء النقض بقلم ✍د. ياسر الأمير (١)الشاهد لغة هو من أطلع علي الشيء وعاينه والشهادة اسم المشاهدة وهي الاطلاع على الشيء عيانا نقض ١٩٩٢/٩/١ مجموعة أحكام النقض س٤٣رقم١٥٦ص١٠٤؛ نقض١٩٩٨/٩/٢٣ س٤٩رقم ١٢٢ص٩٣٢؛ نقض١٩٨٧/٩/٢٣ س٣٨ رقم ١٧٥ص٩٦٠؛ نقض١٩٩٢/١١/٢س٤٣رقم١٤٩ص٩٥٧ ولا يخفي علي أحد أهمية الشهادة في إثبات الجرائم فهي الدليل الأول أمام القاضي الجنائي على اعتبار أن الجريمة ليس تصرف قانوني يثبت بالكتابة بل واقعه مادية تتمثل في حدث عابر تقع فجأة لا يسبقها تراض أو اتفاق فالجرائم ترتكب بالمخالفة للقانون ولا يتصور إثباتها مقدما وإقامة الدليل عليها وإنما يعمل مرتكبيها على الهروب وإزالة كل ما يمكن أن تتركه من آثار بخلاف المسائل المدنية التي تحصل بناء على اتفاق بين الخصوم يدرج في محرر Bruhl la preuve judiciaire Paris 1964p164 وقديما قيل بأن الشهود هم عيون العدالة وأذنها Bentham traite des pruves judiciaire tradition Paris 1823 t2 p93 والشهادة بحسبانها دليل نفسي مصدرها الإنسان تخضع لمؤثرات عديدة قد تعترض النفس البشرية تجعلها تقرر غير الحقيقة أما عمدا أو سهوا أهمها العوامل المرضية للشاهد مثل التخلف العقلي وضعف العقل والهذيان وتصور الخرافات والهستريا والكآبة والكبت والشعور بالاضطهاد والكبت والمصلحة والعواطف والعادات والتقاليد Binet la Suugges tibilite Paris 1902p34 ولهذا رفع البعض شعار وجوب تأني القاضي في تقدير الشهادة Doprat Etude psychosociologie Pathologique et normale Paris 1904 t2 p204. فالشهادة إذن هي تقرير لما يراه الشخص بعينه أو يسمعه بإذنه وتلك هي الشهادة المباشرة.غير أن هناك نوع اصطلح على إطلاق وصف الشهادة عليه تجاوزا وهي ما ينقله الشخص عن أخر أدرك الواقعة بإحدى حواسه وهي الشهادة السماعية وهناك ما يطلق عليه الشهادة المنقولة عن مجهول أو بما يتناقله الناس وتلك هي الشهادة بالتسامع.وإذ كان لا خلاف على حق محكمة الموضوع في الأخذ بالشاهدة المباشرة متى أنست فيها الصدق واطمأنت إليها. فإن الأمر يدق بالنسبة للشهادة السماعية وكذا الشهادة بالتسامع إذ اضطرب بشأنهما قضاء النقض بل خلط بينهما. (٢)فأما بالنسبة للشهادة السماعية التي ينقلها شخص عن آخر رأت محكمة النقض أنه يجوز لمحكمة الموضوع الاستناد إليها متى اطمأنت أنها قد صدرت فعلا ممن نقلت عنه وأنها تمثل حقيقة الواقعة في الدعوى(الطعن رقم ١٣١ج لسنة ٨٢قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٤/٢/٦؛ الطعن رقم ٣٨٨٨ لسنة ٥٨ قضائية الصادر بجلسة ١٩٨٨/١٢/١١الطعن رقم ١٣٩٦ لسنة ٥١ قضائية الصادر بجلسة ١٩٨١/١١/١٠الطعن رقم ٦٣٣ لسنة ٤٦ قضائية الصادر بجلسة ١٩٧٦/١١/٠٧)وهو ما يفترض تحديد شخص من جري النقل عنه حتى يمكن التحقق بصدورها منه عند المنازعة. ولا يتغير الحل لدي النقض حتى ولو نفى المنقول عنه صدورها هذه الأقوال منه نقض ١٩٦٨/٦/١٧ مجموعة أحكام النقض س ١٩رقم ١٤٧؛نقض ١٩٧٣/٦/١٠ س٢٤رقم ١٥١ ص٧٢٩؛ نقض ١٩٧٧/١/٧ س٢٨رقم ٢٢ص١٠٢؛ نقض ١٩٧٧/٤/٢٥ س٢٨رقم١١٠ ص٥٢٠ بل ولو كان طفل صغير الطعن رقم ٥١٢ لسنة ٣٤ قضائيةالصادر بجلسة ١٩٦٤/٠٦/٠٢)وهو ما لا يمكن قبوله إذ نفى المنقول عنه صدور أقوال عنه وهو الأصيل الذي إدراك الواقعة المشهود عليها يعنى عدم وجود شهادة حتى وإن قرر غيره العكس إذ لا يرجع إلى البديل أو بالأحرى الناقل للشهادة مع وجود الأصيل.كما أن شهادة الطفل لا تصح أصلا فكيف يصح ان تنقل عنه؟ (٣)وأما بالنسبة للشهادة المنقولة عن مجهول فإنها تمثل خطورة على العدالة الجنائية لكونها مريبة ومحل شك لذا رفض جانب من الفقه التقليدي في فرنسا ومصر الاستناد إليها في الإدانة كدليل وحيد Pouzat et Pinatel traite de droit pénal et de criminalogie t11p1161 GORPHE " Le sens de l'aveu criminal dans une critique scientifique des preuves". Revue du criminology et de police technique 1951, p9 أحمد نشأت شرح قانون تحقيق الجنايات ج٢طبعة أولى ١٩٢٧ ص ٦٢٥:د. إبراهيم الغماز الشهادة كدليل في المواد الجنائية ١٩٨٠وهو ما أخذت به محكمة النقض حديثا إذ قضت بأن الشهادة السماعية لا تكفي بمجردها دليلا كاملا وإنما يجوز تعزيز الأدلة بها إذ يجب بناء أحكام الإدانة علي أدلة قاطعة(الطعن رقم ٣٠٢٤٩ لسنة ٨٦ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/١٧/١٠). غير معظم الفقهاء رفضوا هذه الشهادة مطلقا لكونها شهادة على شائعة وليس على واقعه محددة(د.محمود نجيب حسني شرح قانون الإجراءات الجنائية ١٩٨٨ص٢٣١في الهامش؛ د. عوض محمد عوض المبادئ العامة في الإجراءات الجنائية ٢٠٠٢ص٦٢١؛ د. مأمون سلامهالإجراءات الجنائية في التشريع المصري الجزء الثاني ٢٠٠٢-ص٣٤٢؛ د أحمد فتحي سرور الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية الجزء الأول ٢٠١٦ص٥٧٦؛ د. محمد زكي أبو عامر-الإجراءات الجنائية ٢٠١٣-ص٧٦٥؛ د. عبد الرؤوف مهدي شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية ٢٠١٨ص٧٦٥*وهو ما أخذت به محكمة النقض قديما إذ قضت بأنه لا يجوز الاستناد إلى الشهادة المنقولة عن شخص مجهول لم تسمع أقواله نقض ١٩٣٦/٢/٢٤مجموعة القواعد القانونية ج١ ص٦٥رقم٣٨١ (٤)ولكن لمحكمة اتجاه غريب حول الشهادة المنقولة عن مجهول إذ قضت في بعض أحكامها أن لمحكمة الموضوع الأخذ بأقوال منقولة عن آخر حتى ولو كان مجهولا متى اطمأنت إليها ورأت أنها صدرت حقيقة عنه وتمثل الواقع في الدعوى(الطعن رقم ١٣٣٧٥لسنة٩٦قضائية الصادر بجلسة ٢٠٠٢/٩/٧ الطعن رقم ١٢٧٥٤ لسنة٨٢ قضائية الصادر بجلسة ٢٠١٤/٤/٢) (٥)وهذا القضاء الأخير مدعاة للقلق الشديد إذ يفتح باب التحكم أمام القضاه والمغايرة بين أقدار المتهمين بجعل مصاير الناس معلق على الإشاعات وتضحي أحكام الإدانة مبناها الظن والتخمين لا الجزم واليقين وهو مالا يجمل بمحكمة النقض أن تقرره وايه ذلك أن الأقوال المنقولة عن مجهول لا تنصب على الواقعة المراد إثباتها وإنما تنصرف إلى رأي الناس فيما يتناقلوه عن الواقعة فهي ليس شهادة على واقعه بل شهادة بشائعة ومثل هذه الشهادة لا يمكن أن تبني عليها إدانة صحيحه ولا نعلم عن أي أدله تتحدث محكمة النقض فهل أصبحت الشائعة التي يتناقلها الناس من أن فلان قتل فلان دليلا علي الإدانة في هذه الأيام؟ ثم كيف يرتاح وجدان القاضي العادل إلى خبر مجهول المصدر وكيف يتحقق من أنه يمثل حقيقة الواقع في الدعوى؟ ثم أليس القانون يوجب على المحكمة القضاء بالبراءة متى كانت الادله غير كافيه علي الادانه؟ ثم يحق لنا أن نتساءل ايضا اليس بناء حكم الادانه علي خبر أو شائعة يتناقلها الناس دون تحديد مصدرها للاستيثاق من صحتها هو رجم بالغيب يجعل الدليل ظنيا ومثل هذا الدليل لا يصح أن تبني عليه ادانه إذ الادانه لا تبني طبقا لمذهب النقض الا علي الجزم واليقين لا علي الظن والتخمين وان الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال؟ ثم يحق لنا أن نتسائل هل تخضع الشهادة بالتسامع لسلطة محكمةالموضوع في تجزئتها؟ بل يحق لنا أن نتسائل اليس الشهادة بالتسامع من جنس التحريات التي يستقيها رجل الضبط القضائي من مصادر سرية يرفض البوح بها تحقيقا للصالح العام؟ ثم اليس قضاء النقض مستقر علي أن التحريات هي مجرد قول لمجريها حتي يتحدد مصدر من نقلت عنه وهي لذلك لأ تصلح بمفردها دليل للادانة؟ (٦)ثم ان هذا القضاء ينطوي على تكليف بمستحيل إذ لا ندري كيف سوف تتحقق محكمة الموضوع من أن الشهاده بالتسامع تمثل حقيقه الواقع في الدعوي وأنها صدرت فعلا ممن نقلت عنه مادام أن من جرى النقل عنه مجهول؟ وهل يمكن العقاب علي تلك الشهادة بسند انها زور؟ إن ماتقرره النقض لايقبله العقل الصحيح ولا ترتضيه السجيه السليمه. لذا نهيب بمحكمة النقض أن تعدل مستقبلا عنه. بل إن محكمة النقض ذاتها كانت قد وصفت هذه الشهادة بالرواية وأنه لا يمكن التحقق من صحتها فقالت إن الأصل إن الشهادة التي يسأل الشاهد عن الكذب فيها أمام القضاء هي التي تكون لها في ذاتها قوة الاقتناع لابتنائها على عيان الشاهد ويقينه من جهةولقابليتها للتمحيص والتحقق من صحتها من جهة أخرى أما الشهادة التي لا ترجع إلا إلى مجرد التسامح والشهرة فلا تعد شهادة بالمعنى المقصود في القانون لتعذر التحقق من صحتها ولا يرد على ذلك بما للشهادة بالتسامح من اعتبار في بعض الحالات الاستثنائية فإن هذا ليس من شأنه أن يغير طبيعة ما قيل على سبيل الرواية ولا يرفعه إلى مرتبة الشهادة التي فرض القانون العقاب على الكذب فيها فإذا كانت الأقوال التي أدلى بها الشاهدان على ما هو ثابت بالحكم ليست إلا إنباء بما اتصل بعلمهما، أو نقل لهما فإن شهادتهما لا تتوافر فيها أركان جريمة شهادة الزور(الطعن رقم٥٦٧ لسنة ٢٩قضائية الصادر بجلسة ١٩٥٩/٦/٢)
هل يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها الماليةبقلم د.✍ياسر الأمير (١) من المعلوم أن جناية الاستيلاء بغير حق على مال للدولة مما نص عليه في المادة ١١٣ عقوبات تحققها بمجرد الحصول عليه خلسة أو عنوة أو حيلة بقصد ضياع المال على ربه(الطعن رقم ٢٣٢١ لسنة ٨٧ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٧/٠٥/٢٠الطعن رقم ١٤٥٤٣ لسنة ٨٥ قضائيةالصادر بجلسة ٢٠١٦/١٢/٠٣)ولقداستقرت محكمة النقض منذ زمن و قبل تعديل المادتين ١١٣و١١٩ عقوبات بموجب القانون رقم ٦٣ لسنه ١٩٧٥علي أنه يشترط لتحقق جناية الاستيلاء على مال للدولة أن يكون المال دخل في ملكية الدولةوصار عنصر من عناصر ذمتها المالية وكان هذا القضاء يتفق مع ظاهر النصوص إذ كان يشترط-قبل تعديل المادة ١١٩- ملكية الدولة للمال ومن ثم فقد كان ثبوت عدم دخول المال فى ذمة الدولة يفقد الجريمة ركناً من أركانها ويوجب القضاء بالبراءة(نقض ١٩٦٨/١١/١١مجموعة احكام النقض س١٩رقم١٩٠ ص٩٥٠،نقض١٩٦٩/١٠/١١س٢٠رقم٢٤ص١٢٦)ولكن بعد التعديلات التي أجريت والتي لم تعد تشترطت ملكية الدولة للمال كان يجب علي محكمة النقض أن...